عكيد برفو
تُعدُّ اللامركزية السياسية أحد أبرز الطروحات المطروحة في إطار البحث عن حل للصراع السوري المستمر منذ عام 2011، ومع تعقّد المشهد السياسي والميداني، باتت إعادة النظر في بنية سوريا ونظام الحكم أمرًا ضروريًا، خاصةً فيما يتعلق بعلاقة المركز بالمناطق، وتوزيع السلطات على نحو يعكس التنوع الاجتماعي والسكاني ويعزز الاستقرار لتسليط الضوء على اللامركزية السياسية علينا أولاً أن نقوم بإعطائها تعريفاً سياسياً نستطيع من خلاله الانتقال إلى خطواتٍ تليها.
إن اللامركزية السياسية تشير إلى نظام حكم تُمنح فيه السلطات السياسية، بما في ذلك التشريعية والتنفيذية، إلى وحدات إدارية محلية (كالأقاليم أو المحافظات)، بحيث تمتلك هذه الوحدات صلاحيات مستقلة نسبيًا في اتخاذ القرارات المتعلقة بشؤونها الداخلية، ضمن إطار الدولة الواحدة.
ويُنظر إلى اللامركزية السياسية كوسيلةٍ لتقوية الديمقراطية، وتوسيع المشاركة الشعبية، وتحقيق عدالة أكبر في توزيع السلطة والثروة، خاصةً في الدول متعددة الشعوب كحال سوريا.
وعندما نحاول إلقاء الضوء على اللامركزية السياسية في السياق السوري؛ سنجد بأن الدستور السوري لعام 2012 أشار في مادته (130) إلى تبنّي “مبدأ اللامركزية في الخدمات والمسؤوليات”، فإن هذا النص بقي في الإطار الإداري والخدمي، دون أن يشمل اللامركزية السياسية بمعناها الحقيقي، وقبل عام 2011 سادت في سوريا مركزية شديدة، حيث كانت جميع السلطات تُدار من دمشق، ولم تكن للمجالس المحلية المنتخبة أي صلاحيات فعلية، وكان المحافظون، ومديرو الخدمات، يعينون من قبل القيادة السياسية المركزية..
أما بعد عام 2011ومع اندلاع الثورة، ظهرت كيانات حكم محلي في العديد من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، حيث أُنشئت مجالس محلية تمتعت بصلاحيات واسعة نسبيًا، ورغم التحديات، شكّلت هذه التجارب أولى ملامح اللامركزية السياسية في سوريا الحديثة.
في الوقت نفسه، برز نموذج الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، الذي تبنّاه الكرد وحلفاؤهم، كمثالٍ أكثر وضوحًا على اللامركزية السياسية، حيث تم تشكيل برلمان محلي، وهيئات تشريعية، وقوات أمن محلية، وسياسات تعليمية وإدارية مستقلة، في إطار يشبه الفدرالية.
وبالطبع فهناك جملة من التحديات التي تواجه اللامركزية السياسية في سوريا، حيث ورغم الحاجة الملحة لإعادة توزيع السلطة، تواجه اللامركزية السياسية في سوريا عدة تحديات وأهمها:
ـ الخوف من التقسيم: تُثير فكرة اللامركزية السياسية قلقًا لدى بعض الأطراف التي تخشى أن تؤدي إلى التقسيم بسبب غياب الوعي السياسي.
ـ التدخّلات الخارجية والإقليمية ومحاولتها دوماً تمرير سياساتها.
ـ ضعف البنية القانونية: حيث لا يوجد حتى الآن إطار قانوني واضح يتيح نقل السلطات السياسية إلى المستوى المحلي ضمن سوريا، وبالتالي؛ فإن اللامركزية السياسية في سوريا تُعد أحد الخيارات المطروحة في أي تسوية سياسية شاملة في سوريا، خاصةً في إطار تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، الذي يدعو إلى صياغة دستور جديد يضمن تمثيلًا أوسع وتوزيعًا أكثر عدالة للسلطة.
وتتجه بعض الأطراف الدولية إلى اعتبار اللامركزية السياسية حلاً مثالياً يُرضي مختلف الشعوب السوريّة، ويمنع عودة المركزية الاستبدادية من جهة، ويحفظ وحدة البلاد من جهة أخرى كما أنها ستبقى الحل الذي يلوح في الأفق وليصبح جسراً للمرور والوصول إلى الحالة السليمة لجسد سوريا المتهالك