صلاح الدين مسلم
انتصارات رقمية على وسائل التواصل، وتاريخ مجبول بالدجل يُعيد نفسه، والمنهزمون يلوكون نفس اللون الباهت للقرف الكاذب، فهناك دورة تدريبية مكثفة رقمية بعنوان: “كيف تحوّلت الهزيمة إلى ملحمة تاريخية؟”، ولا بد أنّ إعلام مرتزقة الاحتلال التركي تخرّج منها بمرتبة الشرف.
نعم.. سُحقوا هناك سحقًا، وسُحق معهم مشروعهم البائس وأحلامهم في الانتصار الوهمي، ولكن لا مشكلة! فهناك في الأستوديو، بعيداً عن رائحة البارود، يجلس محللهم العسكري الذي لم يرَ المعركة إلا عبر تطبيق “فيس بوك”، وهو يهتف بحماسة: “لقد انتصرنا!”
نعم، انتصروا في البثّ المباشر… وانهزموا على الأرض! فكاميرا المرتزقة تنتصر، بينما أقدامهم تفرّ. فأيّ إعلام هذا الذي يُخاطب جمهوره الذي يمتلك ذاكرة السمك، فهم في جلسة تنويم مغناطيسي جماعي.
يبدو أن هواية تحويل الهزائم إلى “انتصارات أسطورية” قد أصبحت من المورثات التي تنتقل من نظامٍ مهزوم إلى مرتزقةٍ تابعين؛ فكما حوّل نظام الأسد هزيمته في حرب تشرين إلى “عيد قومي” فها هو إعلام مرتزقة الاحتلال التركي يعيد العرض الكوميدي نفسه عند سد تشرين؛ سدّ صمود ومقاومة المجتمع.
لقد ُسحق المرتزقة، وانهزم شرّ هزيمة، أمام إرادة لا تُكسر ولا تقهر، لكنّ إعلامهم، كعادته، قرّر أن يضع مساحيق الانتصار على وجه الخيبة والانكسار، فخرج علينا مزهواً بـمهرجان النصر الإعلامي، لا يصدّقه حتى منظّم المهرجان.
نعم، إنّهم كالعادة يحوّلون الكلمة إلى سوط يُجلد به الوعي الجمعي، ويزيّفون الوقائع ليحصدوا انتصارات إعلامية في ميادين الهزائم العسكرية.
الطامة الكبرى؟ إن بعض “الفسيبوكيين” من الكرد الأغبياء انجرفوا خلف هذا العبث، وبدأوا يعيدون ترويج هذه المسرحية الرخيصة، وكأنهم شركاء في النصر، بينما هم في الحقيقة ضيوف دائمين حجزوا في المقاعد الأمامية في العرض المتكرر لمسرحية الخداع التاريخي.
سد تشرين ليس سدّاً وحاجزاً للمياه فحسب، بل هو سدّ في وجه الاحتلال، وسدّ في وجه التزوير، وأمام كل من يحاول بيع ذاكرة الشعوب بثمنٍ بخس في سوق المرتزقة المقرف.
فإذا كان هذا انتصاركم، فندعو لكم بالنصر الدائم، نعم سنصفق لكم في كل الجولات القادمة، وستتوالى انتصاراتكم الإعلامية، فكل هزيمة حقيقة لكم تُقرّبنا خطوة نحو الحقيقة، وتبعدنا آلاف الخطوات عن زيفكم المقزّز، ولتسمّوا ما جرى “نصرًا” كما تشاؤون، فنحن نسمّيه فصلًا جديدًا من فصول مقاومة لا تعرف المساومة. وندعو الله أن يُكثر من هزائمكم التي تُسمّونها “إنجازات”
هنا لا نكتب التاريخ فحسب، بل نصنعه أيضاً، فلتُهزموا ألف مرة، لأن هزيمتكم تعني هزيمة الحقد والكذب والدجل والسلطة.
نحن هنا لا ننتظر من يكتب التاريخ نيابةً عنا… نحن نكتبه بدماء الأحرار، ونحرص على أن نوقعه بخطٍ واضح: من هنا مرّ الأبطال… ومن هناك مرّ إعلام الهزيمة المضحك.