دلشاد مراد
على أبواب الذكرى (127) لصدور أول صحيفة كردية “كردستان”، لابدَّ من وقفة سريعة لإحدى السلبيات التي يعانيها إعلامنا المحلي في شمال وشرق سوريا، وخاصة الصحافة السياسية الورقية؛ التي تعاني من أزمة متواصلة، ولأكثر من مرة نوهنا إليها في مقالات سابقة في زاويتنا هذه.
إن الأزمة التي تمر بها صحافتنا السياسية الورقية تؤثر إلى حد كبير في أدائها الوظيفي وتأثيراتها المحتملة على الجمهور والرأي العام، ولذا فإننا بأمس الحاجة إلى حلول إسعافية سريعة وجدية، للنهوض بالواقع، وتطوير صحافتنا السياسية التي هي الواجهة الإعلامية للسياسة المحلية ومخاطبة الآخر.
هناك مشكلة جدية في توفر النوعية الصحفية، وهذه مردها إلى ضعف المهنية الإعلامية، ومعها ضعف الشخصية الإعلامية لدينا بشكل عام، فالدورات التدريبية لم تنتج كفاءات صحفية كما هو متوقع منها، كما إن افتتاح قسم الإعلام في جامعة روج آفا لم يؤت بثمارها حتى الآن، ومعظم من تخرجوا منها لم يستثمر طاقاتهم في المؤسسات الصحفية المحلية، وهذا خطأ وقعت فيه الإدارة الذاتية والإدارة المشرفة على الإعلام المحلي.
زبدة الكلام هنا؛ لم يتطور أداء العاملين في الصحافة السياسية الورقية إلى مستوى المهارة المهنية (أو الاحترافية الصحفية) حتى الآن. وهذا ما يؤثر إجمالاً على أداء تلك الصحف سواء من ناحية المحتوى أو من ناحية أداء إدارتها. الأمر الآخر يتمثل في نقص الاحترافية أيضاً في أداء إدارات الصحف السياسية المحلية، كون إدارة أي صحيفة (ممثلة برئيس التحرير والهيئة الإدارية وهيئة التحرير) هي المسؤولة عن التنظيم الداخلي والمحتوى وتنفيذ سياسة النشر وتحديد مانشيت الأعداد. من المفترض هنا أن من يشغل إدارة أي صحيفة أن يكون مؤهلاً وعلى درجة عالية من الخبرة والاحترافية، وعكس ذلك يؤدي بالصحيفة إلى الهاوية.
إن طريق بناء الشخصية الإعلامية (الاحترافية) يمر من خلال بذل جهد كبير في التثقيف الذاتي (المطالعة المستمرة للكتب والدوريات السياسية والثقافية والفكرية المتنوعة)، ومتابعة التطورات السياسية المحلية والخارجية لحظة بلحظة، والاحتكاك بالمجتمع، والتواصل مع الوسط السياسي والثقافي، وبناء قدراته النظرية والعملية والتقنية في الصحافة، وتطوير مهاراته اللغوية والكتابية.
وكل ما سبق ليس خطوات وشروط تعجيزية، بل أن الصحفي الطموح يسعى جاهداً لرفع سويته المهنية والفكرية، تحقيقاً لما يصبو إليه من تطوير لشخصيته أو مؤسسته الصحفية، والذي يصب في الاتجاه التطويري للصحافة الوطنية في شمال وشرق سوريا. فالاحترافية في العمل؛ سواء من جانب المراسلين والمحررين ورؤساء الأقسام ورؤساء التحرير، يقوي من أداء الصحيفة، وبالتالي تأثيرها على الجمهور، وقدرتها على “صناعة الحدث”.
خُلاصة كلامنا في هذه العُجالة؛ لم يعد بالإمكان تبرير ضعف أداء صحافتنا، بقلة التجربة أو بدائية الأدوات وتقنيات الإعلام أو العمر القصير لصحافتنا الحالية. فإذا لم تتطور الصحافة المحلية خلال (14) سنة من عمرها (ابتداء من عام 2011) فمتى ستحققها إذن؟!!. وإذا لم يطور صحفي ما نفسه خلال عشر سنوات على سبيل المثال، فكيف سيخدم مؤسسته الصحفية أو يكون عاملاً في تطويرها، وبالتالي تطوير صحافتنا المحلية “الوطنية”. كما أن تقنيات الصحافة كلها متوفرة لدينا. وبالتالي فإن الرهان على التطوير الذاتي للشخصية الصحفية (الإعلامية) خطوة كبيرة في سبيل تطوير الصحافة السياسية الورقية في شمال وشرق سوريا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ملاحظة: بعد غياب دام سنتين ونصف أعاود حضوري في “روناهي” من خلال زاوية (الحديث الثقافي)، لأواصل الكتابة عن قضايا وهموم الواقع الثقافي المحلي “وعموم سوريا”.