روناهي/ دير الزور ـ على بُعد كيلومترات قليلة من الحدود العراقية، يقع مخيم الهول، وهو ليس تجمعَ خيام فحسب، بل مرآةٌ مُعتمةٌ تعكس تعقيدات الصراع السوري وتداعياته الإنسانية المُروّعة. خلف أسلاك هذا المخيم الشائكة، تتكدّس آلاف القصص المأساوية، تتشابك فيها خيوط اليأس والأمل، وتُصارع من أجل البقاء أرواحٌ مُنهكةٌ من ويلات الحرب والتهجير، وقصة “حمدة حواس العلي” إحداها.
مخيم الهول، ليس مجرد مكانٍ لإيواء النازحين واللاجئين، بل هو بوتقةٌ مُغلقةٌ تختمر فيها تحدياتٌ مُتعددةٌ، ويتنامى فيه التطرّف، والأطفال هم الحلقة الأضعف في هذه السلسلة المُعقدة. يُحرمون من أبسط حقوقهم في التعليم والرعاية، ويُنشئون في بيئةٍ تُغذّي الكراهية والعنف، مُهدّدين بالانخراط في دوامة التطرّف التي يصعب الخروج منها، أما النساء، فهنّ الأخريات يتحمّلن عبء رعاية عائلاتهنّ في ظلّ ظروفٍ قاسيةٍ، ويُصبحن عُرضةً للاستغلال والانتهاكات.
وبالرغم من خروج العديد من العوائل من المخيم، إلاّ أن محاولات دمجها في المجتمع ونزع تلك الذهنية والفكر المتطرف من عقولها والعودة إلى الحياة الطبيعية لاتزال صعبة، لكن المحاولات لن تتوقف.
كابوس لا ينسى
من بين هذه القصص قصة “حمدة حواس العلي”، من بلدة الباغوز في مقاطعة دير الزور، والتي سردت لصحيفتنا “روناهي”، ما عاشته في مخيم الهول. ففي زاويةٍ مُتواضعةٍ من المخيم، كانت تجلس “حمدة” تُقلّب ذكرياتٍ مُؤلمةٍ تُشبه شظايا مُتناثرةً من ماضٍ لا يُريد أن يُغادرها. تُغمض عينيها، فتُشاهد جثثاً مُقطّعةً في أكياسٍ بلاستيكية، مشهدٌ مُرعبٌ لا يزال يطاردها.
عاشت حمدة حياةً قاسيةً تحت وطأة التشدّد والخوف في المخيم: “كان ذلك الوقت عصيباً، ممنوعاتٌ من الخروج، مُقيّداتٌ بتشدّدٍ في اللباس، مطلبنا الوحيد كان العيش بسلام”.
لم تستسلم حمدة لليأس، فرغم قسوة الواقع، وجدت في دروس التأهيل والتدريب داخل المخيم، نافذةً صغيرةً للأمل. ساهمت في توزيع المُساعدات الغذائية، وعملت عاملة تنظيف، مُتمسّكةً بأيّ فرصةٍ تُساعدها على البقاء.
وأخيراً عدنا للحياة
جاء يومٌ حمل معه بشارةً جديدةً، تحرير الإدارة الذاتية الديمقراطية مناطقها، حول ذاك اليوم تحدثت حمدة: “عندما علمنا بالخبر، شعرتُ بأملٍ لم أشعر به مُنذ زمنٍ طويل”.
غادرت حمدة المُخيم عائدةً إلى بلدتها، حاملةً معها آمالاً جديدةً، لكنّها اصطدمت بنظرةٍ دونيةٍ من مُجتمعٍ اعتبرها “داعشية” قادمةً من مُخيمٍ للنازحين.
لم تيأس حمدة، فمع مرور الأيام، بدأت تُشارك في نشاطات المجتمع المحليّ، وانخرطت في برامج إعادة التأهيل والدمج التي قدّمتها مُنظّمات المجتمع المدني: “استطعنا أن نُغيّر نظرة المجتمع إلينا شيئاً فشيئاً”.
اليوم، تفلح حمدة أرضها، وتبيع مُحاصيلها، مُستفيدةً من مشاريع صغيرةٍ دعمتها المُنظّمات. تُشارك في جلساتٍ تدريبيةٍ وتوعويةٍ، وتطمح لحياةٍ آمنةٍ لأطفالها، حياةٍ يُحصّلون فيها التعليم، ويحظون بفرص عملٍ تُمكّنهم من بناء مُستقبلهم.
وجهت حمدة رسالةً مُؤثرةً للنساء في مخيم الهول: “اطلبنَ الخروج، عشنَ حياتكم، امنحنَ أطفالكم فرصةً للدراسة والعمل”. وناشدت “حمدة حواس العلي” في ختام حديثها المُنظّمات الدولية والجهات المعنية بتقديم دعمٍ حقيقيّ، يتجاوز المشاريع الصغيرة، دعمٍ يُركّز على التمكين الاقتصاديّ والنفسيّ للنساء، ويُساعدهنّ على تجاوز الصورة النمطية التي تُلاحقهنّ.
قصة حمدة، هي قصةُ صمودٍ وإرادةٍ، قصةُ امرأةٍ انتصرت على ظروفٍ قاسيةٍ، وخرجت من مُخيم الهول إلى نور الحياة، حاملةً معها رسالة أملٍ للنساء اللواتي ما زلنّ يُعانين في ذلك المُخيم.