قامشلو/ علي خضير- تزامناً مع يوم الصحافة الكردية المصادف لـ 22 نيسان الجاري، أشاد إعلاميون في إقليم شمال وشرق سوريا بما أوجدته الصحافة الكردية من الناحية السياسية، وبتسليطها الضوء على حقوق الإنسان، والظلم الذي يواجهه الكرد، كما أشاروا إلى أنَّ الإعلام الحر قد حقَّق منعطفاً هاماً في تاريخ الصحافة الكردية، على مدار 127 عاماً، وأبرزوا الدور الكبير الذي قدَّمه شهداء الإعلام، وعاهدوا بمواصلة النضال الإعلامي، ومتابعة السير في الطريق التي سلكوها لاستمرار نضال الإعلام الحر.
الصحافة ضميرُ المجتمع الذي تستفزه الأحداث، فتنقله بمهنية ليصل الخبر على الوجه الأكمل وبالشكل المطلوب، وأمّا الصحافة الكردية، فكانت مبادرة شخصية من كردي وطني أدرك أهمية شعب محروم من أدنى ظروف تطوير الثقافة القومية، وإطلاق صرخته ليدركها العالم ويعرف آلام شعب برمته، هو (مقداد مدحت بدرخان)، الذي قام بإصدار العدد الأول من أول صحيفة كردية وباللغة الكردية، وبالأحرف العربية، والفارسية، في 22 نيسان 1898في القاهرة.
رغم التعقيدات والإخفاقات حققت الصحافة الكردية مبتغاها
وحول ذلك التقت صحيفتنا “روناهي” إعلاميين في إقليم شمال وشرق سوريا، ممن رحَّبوا بيوم الصحافة الكردية، وأشادوا بالدور الذي لعبته في إحياء تاريخ وثقافة الشعب الكردي، حيث أوضحت بدورها الإعلامية ومقدمة الأخبار في فضائية روناهي “صالحة سليمان” التي تعمل في مجال الإعلام منذ سنة 2014، إنَّ الصحافة الكردية مرت كنظيراتها بمراحل مختلفة، وواجهت الإخفاق والنجاح في مسيرتها، ومازالت تسعى للوصول إلى هدفها السامي، وهو التمتع بحرية الصحافة والتعبير، وتكوين صحافة كردية مستقلة وحرة تنافس الصحافة في الدول المتقدمة، من أجل بسط سلطتها الرابعة للمشاركة في تحقيق حياة حرة وكريمة للمواطنين. وعن الدور الذي تمثله الصحافة الكردية قالت صالحة: “تلعب الصحافة الكردية دوراً هاماً في توثيق تاريخ الشعب الكردي وثقافته، وتحقيق التواصل بين الأجيال من الكرد من خلال نقل الحكايات والتجارب الشخصية، كما توفر الصحافة الكردية منصة للمناقشة السياسية، ونقل وجهات النظر المختلفة داخل المجتمع الكردي، مما يساعد على تعزيز الحوار وفهم أفضل للتحديات التي تواجه الكرد”.
وأضافت: “كما تقوم بدورٍ كبير في نقل الأحداث والتطورات التي تؤثر على الشعب الكردي، مثل القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتسليط الضوء على حقوق الإنسان والظلم الذي يواجهه الكرد”.
مبيَّنةً، بأن الصحافة الكردية وصلت بعد قرن وربع لمستوى مأهول: “حقق الإعلام الحر في رحلته الـ 127 انعطافاً تاريخياً في تاريخ الصحافة الكردية، فإلى جانب افتتاح القنوات التلفازية والوكالات، ظهرت سياسة البث التي تجمع المجتمع الكردستاني، وقد ساهمت وتمكنت من إيصال صوت الشعب الكردي، ونضال الإعلام الحر الذي حاولت الأنظمة السلطوية تشتيته”.
مسايرة الأزمة السورية
وبعد ثورة روج آفا قدمت الصحافة بشكل عام والصحافة الكردية بشكل خاص في المنطقة، نموذجاً إعلامياً سلَّط الضوء بشكل أوسع على القضايا المجتمعية، حيث أكَّدت الإعلامية صالحة: “مع بدء الأزمة السورية في 15 آذار عام 2011، وثورة روج آفا لاحقاً، برزت الحاجة إلى تطوير حراك إعلامي كردي يواكب الثورة ويكون لسان حالها، بالإضافة إلى تعبئة الجماهير وتأهيلها لأداء مسؤولياتها”.
مضيفةً: “ولم تنحصر ضرورات وجود إعلام بديل في هذا المجال فقط، بل تعدت ذلك لتصبح ضرورة حتمية لأسباب كثيرة، من أهمها أن أطراف دولية وإقليمية تدخلت بشكل سافر في الوضع السوري لتنفيذ أجنداتها الخاصة، واستنفرت في سبيل ذلك آلة إعلامية ضخمة جداً استطاعت إلى حد كبير التحكم بمسار الثورة، والأهم من ذلك أن بعض هذه الأطراف تعادي أي تحول ديمقراطي حقيقي في سوريا، كما أنها تعادي وبشكل استراتيجي القضية الكردية والشعب الكردي”.
وأضافت: “فخلال مسيرة الثورة الإعلامية في إقليم شمال وشرق سوريا، استشهد كوكبة من الزملاء الصحفيين أثناء قيامهم بواجبهم الإعلامي، ونقل حقيقة الأحداث في روج آفا وشمال وشرق سوريا إلى الرأي العام العالمي، فمنهم من استشهد على يد مرتزقة داعش وآخرون على يد الاحتلال التركي”.
وزادت: “كما استشهد أيضاً عدد من الإعلاميين والصحفيين، الذين كانوا يعملون في المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، أثناء تغطيتهم الحملات العسكرية في الجبهات، ونستذكر الشهداء جميعا بالعهد على مواصلة مسيرتهم الإعلامية ورفع صوت الحق والحقيقة”.
دور المرأة في الصحافة الكردية
ولعبت المرأة دوراً بارزاً في الصحافة الكردية، حيث استطاعت أن تكون جديرةً بذلك: “تطلّب وصول المرأة إلى مكانة مرموقة وحصولها على حقوقها وتحقيق طموحاتها صراعاً طويلاً وجدالاً عميقاً وتوتراً بين الرفض والقبول، فكل واحدة من الصحفيات تود إظهار حقيقة ما تعيشه المرأة من نضال ومقاومة، وخلال مسيرة المرأة في الصحافة الكردية اتخذت مسارين أساسيين، هما مسار مواجهة الحرب، ومرحلة البناء”.
وزادت: “مثلما لعبت المرأة الكردية الدور الريادي في ثورة روج آفا، أصبح هناك إعلام خاص بالمرأة، ليكون مرآة لنقل نضال المرأة إلى الرأي العام والعالم، فكان ولادة اتحاد إعلام المرأة الحرة RA – JIN عقب الكونفرانس التأسيسي الذي عُقِدَ في الثلاثين من نيسان 2013، وبهذه الخطوة ازداد عدد النساء العاملات في مجال الإعلام وتوسع نطاق عملها في أرجاء روج آفا، فقد انضمت العشرات من النساء من الشعوب إلى مجال الإعلام، ولهذا انتشر هذا التنظيم في مناطق الشمال السوري”.
أول صحيفة كردية
ومن جانبه بيّن الإعلامي في وكالة هاوار للأنباء في حيي الشيخ مقصود والأشرفية “محمد عبدو”، أن الصحافة الكردية تخطت العديد من العقبات والصعوبات والمراحل للوصول إلى ما هي عليه الآن، بالرغم من تأخرها عن مضمار الإعلام المرئي لعدة عقود عن باقي دول الشرق الأوسط، إلا أنها أثبتت جدارتها في الالتحام مع المجتمع الكردي ونقل صدى صوته بالرغم من الضغوطات والممارسات التي فرضتها الأنظمة المحتلة والفاشية.
وأضاف: “لا يمكن نكران أن الدور الأبرز لصون وحفظ اللغة الكردية كان مُلقى على عاتق الصحافة الكردية، التي بدأت مع صحيفة “كردستان” التي أصدرها عام 1898 من منفاه في القاهرة وباللغة الكردية الأمير مقداد مدحت بدرخان، ابن الأسرة البدرخانية العريقة التي حكمت جزيرة بوطان، والتي تمتد جذورها إلى عام 1260″.
وهيّأت ثورة التاسع عشر من تموز المعلنة في إقليم شمال وشرق سوريا للإعلاميين الفرصة لمزاولة العمل الإعلامي بكل حرية وبشكل خاص الإعلام الكردي، حيث قال “عبدو” في ذلك: “أتاحت ثورة التاسع عشر من تموز التي تعرف باسم ثورة المرأة المجال أمام العديد من الشابات والشبان لإثبات ذاتهم بالنواحي كافة، ومنها الصحافة ليصبحوا مرآة لمجتمعاتهم، ويحملوا على عاتقهم إيصال مطالب الشعوب التي همشت لعقود عبر المشاركة في صياغة قرار السلطة الرابعة، وهي الصحافة. وعليه قدم أكثر من 100 صحفي من بينهم 31 صحفياً وصحفية في ثورة التاسع عشر من تموز في إقليم شمال وشرق سوريا أعز ما يملكون ليصبحوا قرابين لترسيخ مبدأ الحقيقة والحرية في المهنة التي زاولُوها”.
كماليات يجب اتباعها لتطوير الصحافة الكردية
وعلى الرغم من أن الإعلامي “عبدو” ذكر العديد من النقاط الإيجابية مع كثرتها، إلا أنه تطرَّق لذكر السلبيات أيضاً: “لا بد من الإشارة إلى نقاط سلبية عديدة للصحافة الكردية، وعلى رأسها مسألة تقصير الإعلام الكردي في مخاطبة المحيط العالمي وبشكل خاص العربي، فنحن إلى الآن لم نتمكن بالشكل المطلوب من امتلاك إعلام ينافس الإعلام العربي وبلغته، لا بالفضائية، ولا الإذاعات ولا الصحف، ولا في مواقع الإنترنت”.
وأردف: “لا يمكن إخفاء هذا التقصير، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تبرئة الإعلام العربي من تقصيره في تغطية الشأن الكُردي، بل إساءته لهذه القضية، وتناوله على أسس غير مهنية، والانحياز إلى عكس مصلحة القضية لأسباب تتعدد وتتعلق بالطرفين”.
معللاً الموقف العربي العام السلبي من القضية الكُردية، على أنَّه بسبب كثرة البروبوغندا السوداء حول عدة مفاهيم، منها أن القضية الكردية تهدد باجتزاء أرض من الوطن العربي وتشبيهها بإسرائيل، والأصل هو أن القضية الكُردية أقرب إلى فلسطين وليس إسرائيل.
وفي الختام ركّز الإعلامي في وكالة هاوار للأنباء “محمد عبدو” على الدور البارز الذي قدَّمته الصحافة الكردية للشعب الكردي من الحفاظ على لغته وثقافاته ونقلها للعالم أجمع، وعلى الدور الكبير لشهداء الإعلام الحر الذين أمست أرواحهم منارةً للجيل الإعلامي القادم، مؤكَّداً مواصلة النضال الإعلامي الكردي وإيصال صوت الشعب الكردي لأرجاء العالم.
استذكار شهداء الحقيقة والعهد على مواصلة النضال
وبدوره أكَّد الإعلامي في إذاعة روج آفا بمدينة الحسكة “كادار داوود”، أنه منذ صدور أول صحيفة كردية باسم كردستان، استطاع الإعلاميون الكرد أن يواكبوا الأحداث ونقلها للرأي العام، ووصلوا إلى مستوى مرموق في مهنتهم، واستفادوا من خبرات وتجارب بعضهم.
وأوضح: “لم يمتنع الإعلاميون الكرد من التوقف عن العمل الإعلامي، وسط الاستهدافات المتواصلة من تركيا والأنظمة القمعية، بل على العكس أصرّوا على متابعة الحقيقة، وبشكل خاص بعد انطلاق ثورة 19 تموز في إقليم شمال وشرق سوريا، وقد لعب الإعلام الكردي دوراً هاماً في نقل الملاحم البطولية لقواتنا وشعبنا، وأظهر للرأي العام الصورة الحقيقة الواضحة لمعنى ثورة 19 تموز، وجسد صورة المقاومة التاريخية لشعبنا أمام المخططات والهجمات وخاصة المقاومة الكبيرة في كوباني”.
وفي مسيرة الصحافة الكردية والإعلام الكردي، ارتقى كوكبة من الشهداء الإعلاميين في سبيل القلم الحر، وحول ذلك قال داوود: “لقد استشهد عدد من الصحفيين والصحفيات خلال سنوات الثورة عند نقلهم الحقائق والوقائع، أغلبهم تعرضوا للاستهداف المباشر بالطائرات الحربية والمسيرة التركية، وذلك بهدف إسكات صوت الحقيقة ومنع الإعلام الحر الكردي من متابعة الحقيقة”، مضيفاً: “إلا أن إصرارنا وعزيمتنا كانا أقوى واستطعنا متابعة عملنا، بقينا على العهد الذي قدمناه للشهداء، وبهذه المناسبة نستذكر زملاءنا الشهداء الذين ارتقوا في سبيل نقل الحقيقة في كردستان، هؤلاء الشهداء قدموا أغلى ما لديهم لإظهار الحقيقة في المنطقة برمتها”.
وفي ختام حديثه شدّد الإعلامي كادار داوود: “بهذه المناسبة نؤكّد بعزم الوقوف جانب شعبنا وقواتنا لنقل الحقيقة والمقاومة البطولية، والهجمات التي تستهدف الإعلام الحر لن تكون عائقاً أمامنا”.