برادوست ميتاني
دخل العثمانيون سوريا قادمين من الأناضول إلى سوريا من شمال حلب بعد أن انتصروا على الدولة المملوكية في معركة مرج دابق 1516م. وقتلوا السلطان المملوكي قانصو الغوري، ومن الجدير ذكره كان للكرد دور كبير في ذلك، في جيش الإمارات الكردية الذي انضم إلى جيش السلطان سليم ياووز، بقيادة الأمير الكردي إدريس البدليسي الذي كان مستشاراً للسلطان العثماني والذي رافقه إلى مصر، وكذلك من حيث انضمام قسم كبير من الجنود الكرد السوريين إلى الجيش العثماني، بعد أن تخلوا بأمر من قوادهم عن الجيش المملوكي وانضموا إلى الجيش العثماني.
قسم العثمانيون سوريا ثلاث ولايات، حلب، والشام، وطرابلس. فكانت ولاية الشام تضم الكرد في معظم المدن السورية التابعة لها، وكذلك الجزيرة التابعة لموصل وآمد.
أما ولاية حلب فكانت واسعة تشمل كوباني، وعفرين حيث تمتد غربا من خليج إسكندرونة حتى ضفاف الفرات شرقا وشمالا، وجنوباً بأربعين ميلا من شمال حلب حتى خمسين ميلا إلى جنوبها الشرقي يورد أ.مروان بركات (1) أنه خلال الفترة العثمانية كانت منطقة جبل الكرد تابعة إدارياً لإمارة كلس التابعة لولاية حلب.
وإن إمارة حلب كانت كردية وبرئاسة العائلة الجانبولاتية التي دامت قرابة أربعة قرون من 1230م حتى عام 1607م والتي كانت العاصمة مدينة كلس.
لقد حدثت خلافات بين الكرد والدولة العثمانية خلال الاحتلال العثماني لسوريا في مناطق عديدة منها شمال سوريا، وجبال “كرداغ” بدأت بتمرد الجانبولاتيين (جانبلاطيين) أيام جدهم الكبير مندو في مدينة كلس شمالي سوريا، التي دامت إمارتهم من 1230م حتى 1607م عندما انهارت في عهد علي جانبلاط، كذلك الصراع العسكري 1783م بين الأمير آغا حسن (قره حسن) وبين العثمانيين، وأيضا ًبينهم وبين عائلة حج أومري عام 1742م حتى 1861م، كما حدثت خلافات بين العثمانيين وبين الشيخ عبد الله عتونو 1900م. وكثيراً ما كان الأخير يتصدى لهم، وكذلك وبين العثمانيين وبين إبراهيم الباشا المللي حتى رحيلهم 1918م. بانتهاء الحرب العالمية الأولى، وكان للكرد الإيزيديين دور مشرف وإيجابي في ذلك الصراع في تلك المنطقة، كذلك إبراهيم باشا بن محمد علي باشا والي مصر الكردي الأصل، الذي تمكن من تحرير سوريا من العثمانيين طوال عشرة أعوام من عام 1831 م حتى 1841م، وقد أيد قسم كبير من كرد روج آفا وسوريا وكذلك كرد باشور والعراق. حدث صراع بين العثمانيين والملليين الكرد في ويران شهر، والجنوب منها حتى الرقة، والحسكة وقامشلو، وذلك منذ نهايات القرن السابع عشر الميلادي، وخاصة أبان الباشا زور، وتمر باشا وخلفائه، وبين إبراهيم باشا مللي مع فترات وئام ووفاق.
من الدلائل التي تؤكد وجود الكرد تاريخياً في سوريا، وخاصة شمالها هو تبعية المنطقة بما فيها الرقة للمللين، وكان هناك “حلف” يضم قبيلة شمر ومعهم بعض التركمانيين وقوات مشتركة بهدف انتزاع تلك المنطقة من المللين، حيث كانت هذه القوات المعادية مؤلفة من ألف وسبعمائة فارس يقودهم عفر الجيسي، والشمريين بقيادة سلوك أبو شعر، والتركمانيين بقيادة جيل أبرام، وذلك في بدايات القرن الثامن عشر الميلادي هذه القوات التي تصدى لها “درويشى عفدي”، ورفاقه الفرسان الاثنا عشر على “تل حلف”.
وقعت المعركة كما قلنا على تل حلف، وقد قال حينها عيسو ملا علي لدرويش: هل تعلم إن هذا التل يضم عظام آبائنا وأجدادنا من الكرد الميتانيين الذين كانوا يقومون بتربية الخيول وترويضها وتدريبها أسفل التل، وكانت تجري مسابقاتهم.
أدرك “سعدون” استحالة تحقيق النصر بسبب حجم الجيش الخصم الذي يفوق عدده عدد الفرسان بأكثر من مائة مرة، فطلب من أخيه درويش بالعدول عن رأيه، والرجوع إلى مضاربهم ولكن درويش لم يستجيب لرأيه قائلا لهم: من يعتكف عن هذا القتال ليعتكف، فهو حر أما أنا فسوف أخوض غمار هذا القتال وحدي، حينها وعد الجميع بألا يتراجعوا عن هذا القتال، وأقسموا سوية على استمرار المقاومة حتى النصر أو الشهادة دونها، ويرجح البعض أنه أصبح اسم التل “تل حلف” كونهم حلفوا لبعضهم بعدم التخلي عن بعضهم حتى النهاية والتل يقع جنوب سري كانيه.
اندلعت الحرب بين الطرفين بصورة غير متكافئة في العدد لأنها تفوق حد الشجاعة لاثني عشر فارساً في وجه جيش قوامه ألف وسبعمائة مقاتل من العشائر المشاركة بالقتال.
بعد قتال حاد استشهد معظم الفرسان الكرد لم يبق إلا درويش وباقر آغا، كانا كالصقور التي تهاجم فريستها، وعندما خيم الليل استشهد باقر آغا. لم يبق في الميدان إلا درويش، الذي لم يتهاون ولم يستكن ولم يجبن بل ظل العاشق لأرضه ومحبوبته “عدولي” وحيدا وهو يزأر كالأسد في معمعان المعركة، فكانوا يهاجمونه بالعشرات ولم ينالوا منه وبعد عجزهم للنيل من عزيمته؛ لجؤوا إلى المكر والخديعة حيث قال “جيلو” لـ “عفر” سأهرب من أمامه، فهو سيطاردني وفجأة أغيّر اتجاهي، وأجعله يتجه نحو أوكار الفئران (باجارى مشكان).
نفذ جيلو وعفر خطتهما وأوقعاه في أوكار الفئران فقد غاصت أقدام حصانه “هدبان” في أوكار الفئران ما أدى لكسر أرجله فانقلب على رأسه.
عندما وقع حصان درويش تهاوى هو أرضاً فهاجموه بالعشرات، إلا أن عفر الجيسي أبعدهم عن درويش لأن كان بينهما “مؤاخاة” في الآخرة (دست وبرا) وحمله، وهو مثخن بجراحه، ووضعه بجانب صخرة فوق تل حلف وتركوه (2) ولكن بقدوم جيش الكرد الملليين والإيزيديين أقفل عفر جيسي وجيلو بجيشهم راجعين متخلين عن فكرة الحرب التي توقفت، وظلت المنطقة بما فيها الرقة والحسكة وقامشلو تابعة إدارياً للمليين حتى بدايات القرن العشرين، وسنبحث قادماً في تاريخ الحسكة والرقة بشيء من التفصيل عن ذلك.
أزيزان في جزيرة بوتان
ظهرت هذه الإمارة الكردية قي نهايات القرن العاشر الميلادي على يد العائلة الخالتية (الكالتية) من عشيرة بختي التي صارت بهتي ومن ثم بوتي وحملت المنطقة اسمها منها وصارت جزيرة بوتان، وظلت حتى عام 1848م عاصمتها جزيرة بوتان وامتدت أراضيها من الجزيرة حتى شمال جبل شنكال، وتنازعت في حروب مع بني جلدتهم الإيزيديين على تلك المنطقة.
وبالعودة إلى الدولة الدوستكية الكردية كان موقع باجريق (3) بالقرب من قرية بانة قسر مكاناً لاستراحة القوافل التجارية القادمة والذهبة باتجاه عاصمة هذه الدولة ألا وهي ميافارقين حسب ما أورده المؤرخ الكردي عبد الرقيب يوسف في كتابه الدولة الدوستكية، وبعد هجوم هولاكو على المنطقة واحتلال بغداد 1258م أصبحت المنطقة جزءاً من أيلخانية المغول، ومن ثم ظهرت إمارة بهدينان الكردية التي أصبحت منطقة ديريك جزءاً منها وظل الوضع كذلك حتى اقتحم تيمور لنك المنطقة ودمر دير ديريك القديم 1393م، وبعد أن أصبحت منطقة ديرك جزءاً من الدولة العثمانية 1514م بعد معركة جالديران بين السلطان سليم الأول والشاه إسماعيل الصفوي.
وأيضاً يقول الباحث الكردي عبد الرقيب يوسف في كتابه الدولة الدوستكية الآنف الذكر أن حدود الدولة الدوستكية كانت تشمل جنوبا ًمناطق في روج آفا.
من الجدير ذكره أن الدولة الدوستكية أُسِّست عام 972 وامتدت حتى 1086م وأن مناطق روج آفا المنضوية تحت حكم تلك الإمارة كانت سري كانيه والدرباسية وعامودا وقامشلو حتى ديرك.
إن خارطة محمود كاشغر لكردستان 1076م تضمنت تعريفاً بالكرد في تلك المناطق هذا بالإضافة إلى خريطة الكاتب الدانماركي كريستين نيوبوهر 1764م تظهر مناطق أربع عشائر كردية في روزافا وهي: ملان، وكيكان، ودقوريان، وآشيتان. ويقول في ذلك الباحث روندوت: أن بعض العشائر الكردية منها كيكان كانت موجودة في المنطقة قبل ظهور الدولة الأيوبية على يد الناصر صلاح الدين الأيوبي 1171م.
يذكر اللغوي علي سيدو كوراني في كتابه من “عمان إلى العمادية” أو جولة في كردستان الجنوبية أسماء العشائر الكردية في سوريا الشمالية وكذلك في لواء إسكندرون، ويقول، إن بينهم 5000 إيزيدي و600 يهودي يتكلمون اللغة الكردية، وكذلك تحدث اللغوي كوراني عن كرد جرابلس، ومنبج، والباب، وجبل الكرد، ولواء إسكندرون.
يقول أحمد وصفي زكريا (4)، إن الكرد في شمال بلاد الشام ينتشرون في مناطق مجاورة للحدود التركية عفرين، وجبل الكرد (كرداغ) وسهل العمق أي دشتا أمك، وإعزاز، والباب، وجرابلس، والجزيرة، وفي ذلك يؤكد حقيقة دامغة عندما يقول: هؤلاء كرد أقحاح لم تصل إليهم العربية بشيء.
المصادر
1-الأديب مروان بركات في كتابه جبل الكرد -عفرين عبر العصور-ص 122
2-ملحمة درويشى عفدي وعدولا مللي باللغة الكردية للأديب أيوب كران.
3-كتاب ديرك المدخل الى تاريخ ديرك الحديث -المؤرخ بهجت حسن أحمد-ص 23
4-أحمد وصفي زكريا في كتابه جولة أثرية في بعض أنحاء الشامية سنة 1934م في الصفحة رقم 331
راجع أيضاً في هذا البحث:
د. حكيم احمد خوشناو في كتابه الكورد وبلادهم عند البلدانيين المسلمين ص292
كتاب جبل الكرد –عفرين عبر العصور –للأستاذ مروان بركات ص101
الواقدي –فتوح الشام –ج1-ص390
– تاريخ العظيمي الصفحة 324
-عاشور –بعض أضواء جديدة على إبن عساكر والمجتمع الدمشقي في عصره – ص217
– أبو شامة –تاريخ الروضتين في اخبار الدولتين ج1 ص 48
ـ أ.عمر رسول في مدارات كرد بعنوان الوجود الكردي في سوريا.