لافا خلف
تاريخ المرأة في سوريا حافل ومليء بالإنجازات والنجاحات، التي تخطت الكثير من القيود والقوانين والصور النمطية التي زرعت في الأذهان، فالنساء في سوريا يشكلن تقريباً 49% من سكان سوريا، وهن مشاركات فاعلات ليس فقط في الحياة اليومية بل في المجالات الاجتماعية والسياسية والدبلوماسية وغيرها.
فليدرك الجميع أن المرأة ليست مثل نباتات الزينة، ولا مصدر للحب، والعشق الرخيص، بل هي من أهم المصادر التي تغني الحياة. فالمرأة مصدر للحياة، وهي شريكة وليست هامشاً، والمرأة في المجتمع الشرقي كانت مسلوبة الحقوق، والرجل هو الحاكم والمالك والمستبد، أما المجتمع فهو مزيج من الكتل الهلامية العشائرية القبلية، قيم العيش فيها متناقضة وغامضة، فأعظم أساسيات الحياة هو الحب، ومع الأسف مفهوم الحب لا يتعدى على أنه غريزة حيوانية، والمرأة سلعة رأسمالية في سوق التجارة والتسويق، أو آلة للإنجاب وخدمة الرجل، يعني باختصار المرأة في المجتمع الشرقي هي بكل بساطة شكل للعلاقات الإنكارية البحتة، ومصدر للانحطاط والعبودية.
ففي سوريا كان للمرأة دور في بعض جوانب الحياة كالتعليم والعمل والمشاركة في بعض المؤسسات والبرلمانات، ولكن بنسبة قليلة جداً، بل اقتصرت أدوارها في الكثير من جوانب الحياة العملية وكانت محظورة في الكثير من الجوانب الريادية، ففي سوريا رغم وجود الكثير من الشعوب والطوائف والتنوع العرقي كانت الدولة تتمسك بالدين الإسلامي ذريعة أو حجة لتقييد المرأة، مثلاً المرأة عورة، المرأة كائن ضعيف، المرأة جنس لطيف، لا يليق بها التواجد أو استلام المناصب الإدارية، أو تواجدها في المجالات الديناميكية والعسكرية. فالمرأة تستطيع أن تشغل أي منصب، والكفاءة العلمية والخبرة هي التي تحدد لا توجد مناصب حكراً على الرجال، ومناصب أخرى مسموح للنساء استلامها، فالمرأة متساوية مع الرجل، ويمكنها أن تكون مصدراً أساسياً وركيزة في المجتمع، ولكن للأسف، لم يُعطَ لها مجال لتحدث ثورة في فكرها وروحها، بل وضعوا لها مقاييس ليتم تقييدها، وكانت أبرز هذه المقاييس تحت اسم الدين، ولا يجوز، ولا يسمح، وغير لائق، والكثير من المصطلحات المعفنة.
واليوم بعد سقوط نظام الأسد البعثي، جعلنا نقف في حيرة، والعيش باسم الخوف اللذيذ، والذي أقصده بالخوف اللذيذ، هو أنهم أوهمونا بسقوط أخطر نظام وحشي استغل الشعب ما يقارب الخمسين عاماً، من الظلم والاستبداد والاضطهاد، وسلب الحقوق وكم الأفواه، ومنع التعبير والكثير من الأساليب الفظيعة التي مارسها هذا النظام بحق الشعب، فالجميع أسعده التحرير من هؤلاء الطغاة، والاحتفالات بالنصر الذي مازال مستقبله مجهولاً إلى يومنا هذا، ونسينا من الذي حل مكان هذا النظام القمعي.
فاليوم، سوريا تحررت من الأسد، لكن من حل مكان الأسد، أي بمعنى أوضح ما الفكر الذي سيقود سوريا بدلاً من الفكر البعثي، نلاحظ أن القيادة الجديدة هي من المتعصبين والأشخاص الأكثر طلباً في قوائم الإرهاب العالمية، ولاحظنا في مقابلة أجريت قبل أيام مع أحد القادة، الذي أبدى رأيه بحرية مطلقة عن واقع المرأة السورية، وتحدث على أن المكانة البيولوجية للمرأة لا تسمح لها المشاركة في بعض الأماكن، ولا يمكنها تأدية بعض المهام، التي لا تتناسب مع طبيعتها البيولوجية، مثلاً كاستلامها وزارة الدفاع، وأكد أن المرأة بطبيعتها البيولوجية وكينونتها لا تستطيع أن تؤدي بعض المهام كالرجل، وأيضاً تطرق إلى بعض المواضيع، التي تنص على ارتداء الحجاب في الجامعات، والمؤسسات، والعمل بشكل عام.
هنا أدركنا أن الفكر المتعصب، الذي كان ولازال مع فكرة أن المرأة أم، ومربية وربة منزل فقط، علماً أن المرأة هي ثائرة وشريكة، وناشطة وسياسية، وحقوقية وصحفية وأكاديمية، وعاملة، وأم وربة منزل، وقبل كل شيء هي مواطنة سورية وإنسانة “روح وليست جسداً فقط”.
منطقياً لم تدرس النساء وتناضل وتعتقل وتعمل وتهان، وتهلك من أجل أن تُحصر في داخل أربعة جدران وتطبخ وتربي فقط، ولم تكن المرأة ضعيفة في أي شيء لتكون ضعيفة في الأمور الإدارية، ولا توجد أي دولة لم تخصص للمرأة مكاناً في شؤون الدولة، ليأتوا هؤلاء ويمنعونها من حقها في التواجد بمثل هذه الأماكن.
وأخيراً، واقع المرأة في سوريا في مرحلة الخطر واللاوعي، ويجب إعادة النظر في مثل هذه الأمور، وإلّا سوف نواجه خطراً كبيراً، ولن نستطيع الوصول إلى التفاهم، فمرحلة ما بعد السقوط أهم من السقوط بكثير.