روناهي/ دير الزور ـ قبل ستة أعوام، نفضت “بلدة الباغوز” عنها غبار الحرب، التي كانت آخر معاقل مرتزقة داعش الإرهابي، فتحولت حياة سكانها، وخاصة النساء من العنف والأعمال الإجرامية إلى إعادة الإعمار والسلام.
لطخ داعش صورة الإسلام بتشويه متعمد، مستخدماً الدين ستاراً لإخفاء أعماله الوحشية، وخاصةً سياسته القمعية ضد المرأة. فبينما يُعلي الإسلام من شأن المرأة ويمنحها حقوقاً وواجباتٍ مُصانة، انتهك داعش هذه الحقوق بشكلٍ صارخ، مُشيراً إلى تفسيراتٍ دينية مُنحرفة لتبرير أفعاله.
تجلت هذه السياسات الظالمة في جوانب مُتعددة من حياة المرأة، بدءاً من حريتها الشخصية، حيث فُرض عليها لباس مُحدد “النقاب” وحُرمت من حقها في التعليم والعمل والمُشاركة في الحياة العامة، وصولاً إلى التعدي على كرامتها الإنسانية بعقوباتٍ وحشيةٍ لا تمت بصلةٍ لأحكام الشريعة الإسلامية، كالجَلد والرجم بتهمٍ مُلفقة.
لم يكتفِ داعش بتقييد حركة المرأة ومُشاركتها الاجتماعية، بل عمل على تهميش دورها الفكري والثقافي، ومنها من التعبير عن رأيها أو مُمارسة أي نشاطٍ يُسهم في تنمية مُجتمعها. عاشت المرأة تحت حكم داعش في خوفٍ دائم، خاضعةً لأحكامٍ مُتطرفة لا تستند إلى أي أساسٍ ديني سليم، بل تُمثل انحرافاً خطيراً عن تعاليم الإسلام السمحة.
ومن إحدى المناطق التي عاشت فترة تحت سيطرة داعش، في بلدة الباغوز، والتي تحررت في الثالث والعشرين من آذار 2019، فأعلنت قوات سوريا الديمقراطية، تحرير آخر المناطق الجغرافية الخاضعة لسيطرة داعش في بلدة الباغوز بريف دير الزور، لتتغير معها حياة الأهالي تغييراً جذرياً.
عشنا حياة مأساوية
“هدى المحمد”، امرأة من بلدة الباغوز، عاشت هذه المرحلة التي شهدت فيها بلدة الباغوز، واحدة من أعنف المعارك والأعمال الإجرامية التي مارسها داعش، وفي لقاء خاص لصحيفتنا “روناهي”، تروي هدى معاناتها: “عانينا قمعاً شديداً وقيوداً خانقة، حُرمنا من أبسط حقوقنا كالخروج دون محرم أو التوجه للسوق. أُجبرنا على ارتداء النقاب، حتى داخل منازلنا، وحُرمنا من التعليم والعمل والمشاركة في الحياة العامة. سيطر فكر داعش المتطرف على كل تفاصيل حياتنا”.
وأضافت بحزن: “عشنا في خوف دائم، تحت رحمة أحكام قاسية كالجَلد والرجم، لا تمت بصلة للإسلام. حتى داخل أسرنا، عشنا ضغطاً مستمراً، فرجالنا أُجبروا على الانخراط مع داعش، بينما حُصرت حياتنا في المنازل، هذا العزل والتهميش أثّر علينا نفسياً، وأشعرنا بالعجز والقهر”.
زرع الفكر المتطرف
وأشارت إلى مراقبة “الحسبة الصارمة”، التي كانت تفرضها داعش آنذاك، والتي يقصد بها بحسب ما قالته هدى: “أي خروج عن قواعد داعش، كعدم ارتداء الكفوف أو النقاب أو الخروج دون محرم، يعرضنا للعقاب، عشنا حياة مأساوية، مليئة بالقهر، حتى تمنينا الخلاص”.
ونوهت هدى إلى أنهم أجبروا على العديد من الأمور بغرض زرع الفكر المتطرف في عقولهم: “أجبرنا داعش على حضور دورات “شرعية” و”استتابة”، بحسب ما كانوا يسمونها، غُرست فيها أفكارهم المتطرفة. هذه الممارسات خلفت ندوباً نفسية، لا تزال تؤثر على بعضنا، خاصة العائدات من الهول، اللواتي عشن لسنوات تحت سيطرة داعش، واستُخدمن كدروع بشرية”.
ولادة جديدة
ثم تحدثت عن التغيير الذي جاء مع تحرير بلدة الباغوز: “مع تحرير الباغوز، تنفست نساؤها الصعداء، بدأت الحياة تعود، وأصبح بإمكاننا الخروج بحرية، والتعليم والعمل والمشاركة في الحياة العامة، لم يعد النقاب فرضاً، ونختار لباسنا”.
وأشادت بجهود الإدارة الذاتية الديمقراطية ودعمهم للمرأة: “تُقدم الإدارة الذاتية الدعم النفسي للنساء لتتجاوز آثار حكم داعش والاندماج في المجتمع، تُشجعنا على المشاركة في بناء مجتمعنا، بعيداً عن القيود والتطرف. بدأنا نستعيد حقنا في الحياة الكريمة، ونشارك في بناء مستقبل أفضل”.
واختتمت هدى المحمد حديثها: “ما زالت التحديات موجودة، خاصة فيما يتعلق بالنساء العائدات من الهول، واللواتي يحتجن دعماً مكثفاً للتخلص من أفكار داعش، لكن الأمل موجود في بناء مجتمع مسالم وعادل، تتمتع في
ه المرأة بكامل حقوقها”.