صلاح الدين مسلم
تشهد تركيا موجة من التظاهرات التي تعكس الغضب الشعبي تجاه قمع الحريات والأزمات الاقتصادية، في ظل تراجع قيمة الليرة، وارتفاع معدلات التضخم. ومن بين المتظاهرين، هناك من يتعاطف مع حزب الشعب الجمهوري (CHP) المعارض، ومن يناضل ضد السلطوية المتزايدة لحزب العدالة والتنمية.
السؤال المحوري هنا: هل ستتحول هذه الاحتجاجات إلى حراكٍ شامل يؤدي إلى تغيير جذري في تركيا، أم أنها مجرد ورقة ضغط مؤقتة سيتم استيعابها كما حدث في احتجاجات غيزي بارك عام 2013؟ الإجابة تعتمد بشكلٍ كبير على كيفية تعامل أردوغان مع الكرد، إذ لطالما كانت المسألة الكردية عنصرًا حاسمًا في استقرار تركيا أو اضطرابها.
إذا أبدى الرئيس التركي نية حقيقية في تحقيق السلام مع الكرد، فمن المرجح أن تفقد الاحتجاجات زخمها، لأن الكرد لن يندمجوا في حراك لا يخدم مصالحهم الاستراتيجية، لكن إذا استغل القضية الكردية لمصالحه السياسية، كما فعل في مراتٍ سابقة، فإنه بذلك يكرر تكتيكه المعتاد: تهدئة الكرد مؤقتًا من أجل القضاء على المعارضة التركية، ثم استئناف حربه ضدهم بعد أن يستعيد السيطرة. غير أنّ هذه اللعبة الخطرة لم تعد تنطلي على الكرد، الذين أظهروا وعيًا استراتيجيًا في التعامل مع الأوضاع المتغيرة. فاعتراف DEM PARTÎ بمشروعية الاحتجاجات لا يعني بالضرورة الانخراط فيها بلا تحفظ، بل يعكس موقفًا حذرًا يوازن بين دعم النضال المجتمعي وتجنب الوقوع في فخ المعارضة التي لم تقدم بعد رؤية واضحة حول مستقبل القضية الكردية.
إن تمسك تركيا بذهنيتها القومية المركزية، واستمرارها في عبادة تمثال أتاتورك، يجعلها على شفير كارثة وشيكة، فالتاريخ يثبت أن الدول التي تقمع التنوع وتحكم بقبضة مركزية مصيرها الانهيار، وتركيا ليست استثناءً. وإذا انهارت تركيا، فالعواقب لن تقتصر عليها فقط، بل ستجتاح المنطقة بأكملها، من سوريا إلى العراق وإيران، في طوفان دموي أشد من فيضانات دجلة والفرات.
رغم تعقيد المشهد، إلا أن هناك طريقًا وحيدًا للخروج من هذا المأزق: مشروع الأمة الديمقراطية، الذي يطرح بديلاً عصريًا يتجاوز القومية الضيقة والدولة المركزية السلطوية، هذا النموذج لا يسعى إلى خلق قومية جديدة، بل يقوم على التعايش المشترك واحترام التعددية الثقافية والدينية، وهو الحل الوحيد القادر على إنقاذ تركيا والمنطقة من دوامة العنف والصراع.
الكرد، الذين تعلموا من تاريخهم الطويل مع القمع والخداع السياسي، لن يسمحوا بأن يكونوا وقودًا لصراعات الآخرين. إنهم ليسوا رومانسيين حالمين يسعون خلف أوهام الدولة القومية، بل يدركون أن الحل يكمن في نموذج ديمقراطي شامل، يحقق السلام العادل والاستقرار الحقيقي.