قامشلو/ ملاك علي – شهدت مناطق إقليم شمال وشرق سوريا انعقاد الكونفرانس الأول لوحدة النساء الكرد، بمشاركة واسعة من النساء من مختلف المؤسسات والتنظيمات، إضافة إلى شخصيات مستقلة، جاء هذا المؤتمر تتويجاً لنضال طويل خاضته المرأة الكردية منذ عقود، حيث لعبت دوراً ريادياً في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية، ما مكّنها من تحقيق العديد من المكتسبات.
في 21 كانون الأول 2024، أُعلن في مؤتمر صحفي عن بدء التحضيرات لعقد اجتماع كردي موسع يشمل مختلف الأطراف الكردية، بهدف صياغة رؤية موحدة تعبر عن حقوق ومطالب الشعب الكردي في سوريا، هذا الاجتماع، الذي دعا إليه “المؤتمر الوطني الكردستاني”، يهدف إلى تشكيل لجان تمثيلية تعمل على تمثيل الشعب الكردي والتواصل مع الأطراف المعنية داخلياً وخارجياً.
بالإضافة إلى ذلك، في 22 نيسان 2024، أصدر 33 حزباً وتنظيماً سياسياً في إقليم شمال وشرق سوريا، بياناً مشتركاً ضد هجمات الدولة التركية، ودعوا إلى عقد كونفرانس من أجل وحدة الصف وإرسال وفود للتباحث مع الجهات المعنية في دمشق وبغداد، وأكدوا على ضرورة توحيد الموقف الكردي لمواجهة التحديات المشتركة.
وضمن هذه الجهود، وتحت شعار “بريادة المرأة الكردية سنضمن الوحدة الوطنية الكردية” وبهدف توحيد رؤية وصفوف النساء الكرديات من أجل ضمان سوريا ديمقراطية، عقد الكونفرانس الأول للنساء الكرديات في إقليم شمال وشرق سوريا في حديقة “آزادي” بمدينة قامشلو، يوم الأحد 23 آذار الجاري بحضور نحو 300 عضوة وإدارية عن الحركات والأحزاب السياسية الكردية، والمبادرات النسائية الكردية.
ريادة المرأة لتوحيد الصف الكردي
وبهذا الصدد، التقت صحيفتنا “روناهي”، آراء مشاركات في الكونفرانس، حيث أشارت عضوة مجلس الشعوب في إقليم شمال وشرق سوريا، فاطمة لكتو: “تناول الكونفرانس الأوضاع السياسية الراهنة في سوريا، والتغيرات التي طرأت على سلطة دمشق، حيث أن المرحلة الحالية تتطلب توحيد الصف الكردي، خاصة أن المرأة كانت في طليعة ثورة روج آفا، وأصبحت رائدة في المجالات العسكرية، والسياسية، والدبلوماسية، والاقتصادية، والثقافية”.
وأضافت: “الكونفرانس جاء لتعزيز وحدة المرأة الكردية، والذي سيسهم في توطيد العلاقات بين الشعوب الأخرى، خاصة بين الأحزاب الكردية استعداداً للمؤتمر المقبل، كما ناقش الكونفرانس سبل تمكين المرأة سياسياً واجتماعياً، ودورها في صياغة دستور جديد يضمن حقوق الجميع في سوريا المستقبلية”.
وأوضحت “فاطمة” أن المرأة الكردية أثبتت قدرتها على حماية مناطقها من التهديدات الخارجية، رغم المحاولات المستمرة من بعض القوى الإقليمية لزعزعة الاستقرار: “إن تنظيم المرأة الكردية فكرياً ومؤسساتياً وعسكرياً جعلها قدوة للنساء من مختلف القوميات، مما دفع العديد من النساء العربيات وغيرهن للانضمام إلى صفوف نساء روج آفا”.
وأكدت أن سلطة دمشق الحالية لا تعترف بمشاركة المرأة في إدارة شؤون البلاد، مما يتطلب تكثيف الجهود لتمكين النساء عبر الحلول الاستراتيجية المقترحة للدستور القادم، وأن الكونفرانس ناقش كيفية توظيف الخبرات النسائية في روج آفا لإنقاذ النساء والمجتمع السوري من الأزمات التي يعاني منها.
النداء التاريخي للقائد عبد الله أوجلان وتأثيره على مسيرة المرأة
تطرقت “فاطمة” إلى النداء الأخير للقائد عبد الله أوجلان، واصفته بـ “التاريخي” مشيرةً أنه فتح أبواباً دبلوماسية وسياسية جديدة أمام المرأة، حيث أن مجتمعات الشرق الأوسط لطالما عانت من أنظمة قمعية استهدفت النساء بشكل خاص، حيث تعرضن للقمع الاجتماعي والثقافي وحتى للعنف الجسدي.
وبينت أن فلسفة “المرأة، الحياة، الحرية” التي تبناها القائد عبد الله أوجلان كانت مصدر إلهام للنساء في الشرق الأوسط، ما دفعهن إلى النهوض لمواجهة الأنظمة القمعية، كما هو الحال في إيران، حيث تواجه النساء القتل والإعدام لمجرد المطالبة بحقوقهن.
رغم سقوط النظام البعثي السابق وتشكيل حكومة جديدة، ترى “فاطمة” أن جوهر النظام السابق ما زال قائماً: “لا تزال الحكومة تحمل طابعاً أحادي اللون والدين واللغة، مما يجعلها لا تمثل الشعوب السورية، وإن الحل يكمن في التحول إلى نظام ديمقراطي تعددي يضمن مشاركة المرأة وكافة القوميات في إدارة شؤون البلاد”. ونوهت إلى: “أن النساء في إقليم شمال وشرق سوريا، يعملن على تعزيز الحوار والعلاقات الدبلوماسية لتحقيق هذا الهدف، من خلال المطالبة بإصلاحات سياسية تضمن حقوق المرأة والشعوب الأخرى في سوريا، كما أن المرأة في روج آفا لعبت دوراً بارزاً في محاربة الإرهاب، كما أنها أصبحت قوة دبلوماسية فاعلة، حيث نجحت في بناء علاقات مع جهات خارجية لتعزيز دور المرأة الحرة في سوريا”.
وشددت على أن نجاح المرأة في روج آفا امتد إلى باقي المحافظات السورية، حيث تسعى النساء في “السويداء، والساحل، ودمشق” إلى التواصل مع نساء روج آفا للاستفادة من تجاربهن التنظيمية والسياسية، إضافة إلى أن المرأة الكردية لم تكتفِ بالعمل داخل سوريا، بل باتت تمثل نموذجاً للتحرر النسوي على المستوى العالمي، حيث تساهم في تشكيل سياسات تضمن حقوق النساء في المجتمعات التي تعاني من القمع والتمييز.
وتابعت: “إن المرأة الكردية لطالما كانت في طليعة النضال ضد الأنظمة القمعية، حيث خاضت معارك على الجبال دفاعاً عن حقوقها، وانضمت إلى الحركات التحررية التي منحتها الخبرة السياسية والعسكرية، فالنساء في روج آفا كنّ على استعداد لاستغلال الفرصة التاريخية التي أتاحتها الثورة، مما مكّنهن من النجاح في كافة المجالات، إن نساء روج آفا يعملن على نقل تجاربهن إلى باقي المحافظات السورية، مثل “حمص، ودمشق، والساحل” حيث تواجه النساء تحديات جسيمة بسبب غياب التنظيم والدعم، إلى أن النساء في روج آفا مستعدات لدعم جميع النساء المضطهدات في سوريا، والعمل على تمكينهن لضمان مستقبلهن”.
واختتمت عضوة مجلس الشعب في إقليم شمال وشرق سوريا “فاطمة لكتو” حديثها: “إن المرأة الكردية تواصل نضالها لضمان حقوق النساء وحمايتهن من العنف والاضطهاد، ومن الضروري تعزيز تنظيم المرأة ومواصلة النضال من أجل بناء مجتمع ديمقراطي تعددي في سوريا”.
وحدة المرأة الكردية.. خطوة أساسية نحو سوريا ديمقراطية
ومن جانب أخر، أكدت عضوة مجلس المرأة السورية “عريفة بكر”، أن انعقاد هذا الكونفرانس جاء بعد فترة طويلة من النضال والمقاومة التي خاضتها المرأة في روج آفا منذ الثمانينات وما قبلها، بريادة المرأة الكردية وأضافت :”لقد ناضلت المرأة في الميادين كافة، من السياسة إلى الاقتصاد، و المجال العسكري، والدبلوماسي، حتى استطاعت تحقيق الكثير من المكتسبات، اليوم، يأتي انعقاد هذا الكونفرانس كخطوة استراتيجية انتظرناها طويلاً، بحضور جميع الأحزاب والمنظمات والشخصيات المستقلة، ليكون بداية لتوحيد النساء الكرد، وهو أمر ضروري لحل الأزمة السورية، إن لم يتحد الشعب الكردي، فلن يتوحد الشعب السوري، لذلك فإن اتحاد المرأة الكردية هو الخطوة الأولى نحو تحقيق سوريا ديمقراطية ولا مركزية”.
وسلطت “عريفة” الضوء على الدور الذي يجب أن تلعبه المرأة في سوريا المستقبلية: “أن النساء لن يقبلن بدستور يُكتب بيد الرجال وحدهم، بعد كل هذه التضحيات والنضال، لا يمكن أن نسمح بكتابة دستور جديد لسوريا بيد العقلية الذكورية ذاتها، لقد قاومنا، وواجهنا القمع، وسُجنا، وقدمنا شهداء، لهذا، يجب أن تكون المرأة طرفاً رئيسياً في كتابة الدستور الجديد، لضمان تثبيت حقوقها وعدم إقصائها من المشهد السياسي والاجتماعي”. وأشادت بتجربة النساء في إقليم شمال وشرق سوريا: “إن ما حققته النساء في روج آفا أصبح نموذجاً عالمياً يُحتذى به، لقد أثبتت تجربة المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا نجاحها، وهي التجربة الديمقراطية الوحيدة التي تضمن حقوق النساء بشكل حقيقي، نحن الآن، كمجلس المرأة السورية، نسعى لنقل هذه التجربة إلى جميع المحافظات السورية، ومن ثم إلى الشرق الأوسط، لأننا نؤمن بأن هذا النموذج يمكن أن يكون الحل لمجتمعات تعاني من الظلم والتمييز ضد المرأة”.
في ختام حديثها، أكدت عضوة مجلس المرأة السورية “عريفة بكر”: أن نضال المرأة لن يتوقف عند هذا الكونفرانس، بل سيستمر حتى تحقيق الحرية الكاملة: “لقد حاولت الأنظمة الفاشية، سواء النظام السوري البعثي، أو النظام التركي، أو النظام الإيراني، أن تعيد المرأة إلى العبودية مرة أخرى، لكن بفلسفة الحرية والتنظيم الذاتي، استطعنا كسر هذه القيود، وسنواصل النضال للحفاظ على مكتسباتنا وضمان حقوقنا في الدستور والحكومة المستقبلية، لن نسمح لأي قوة بإلغاء دور المرأة بعد كل ما قدمناه من تضحيات”.
والجدير ذكره اختتم الكونفرانس ببيان ختامي تضمن جملة من المخرجات منها: -الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني كردستاني شامل على مستوى كردستان، والتأكيد على الدور الفعال للمرأة في صياغة الاستراتيجيات الأساسية، والعمل لعقد المؤتمر القومي الثالث للمرأة الكردية على مستوى كردستان في روج آفاي كردستان.
بالإضافة إلى الإسراع في عقد مؤتمر قومي للقوى الكردية في روج آفا، ليكون بمثابة منصة لتوحيد الرؤى والجهود السياسية والاجتماعية من أجل حل القضية الكردية في سوريا والذي يعد ذا أهمية ضرورية وعاجلة، مع ضمان تمثيل المرأة.
ـ رفض الإعلان الدستوري الصادر عن الحكومة المؤقتة في سوريا ودعوتها للعمل وفق القرار الأممي 2254 كمطلب جامع لكل النساء والمكونات والشعب السوري. التأكيد على اتخاذ مشروع الإدارة الذاتية نموذجاً يمكن البناء عليه كحل لكامل الجغرافيا السورية بكافة مكوناتها والتأكيد على ضرورة مشاركة المرأة في العملية السياسية ومراكز صنع القرار وبنسبة لا تقل عن 50% لضمان بناء سلام مستدام وبناء سوريا ديمقراطية.
ـ العمل والنضال من أجل اعتماد المواد الواردة في العقد الاجتماعي لشمال وشرق سوريا، المتعلقة بالمرأة في الدستور السوري القادم. العمل معاً مع النساء من باقي المكونات السورية وبناء التحالفات الديمقراطية معاً للمحافظة على حقوق المرأة وتضمينها في الدستور الجديد. والتأكيد على أن الدفاع الذاتي المشروع حق وواجب على كل امرأة.
ـ حث المرأة الكردية عبر تنظيماتها على لعب دور طليعي في النضال والوقوف في وجه كافة أشكال العنف والإبادة بحق النساء السوريات وتقديم المساندة والدعم اللازم لهن، والتعريف بتجربة المرأة في شمال وشرق سوريا للنساء في باقي المناطق السورية. والتأكيد على تأمين عودة آمنة للمهجرين قسراً من عفرين وسري كانية وتل أبيض والشهباء وباقي المناطق المحتلة إلى مناطقهم الأصلية، وضرورة تطبيق العدالة الانتقالية لجبر الضرر والتعويض عن الانتهاكات التي مورست بحقهم.