قامشلو/ ملاك علي – عبر التاريخ، أظهرت الأزمات قدرتها على اختبار المجتمعات، فحين تضرب المحن وتشتد المآسي، يكون التكافل الإنساني هو السبيل الوحيد للبقاء والاستمرار، ففي سوريا، التي أنهكتها الصراعات والكوارث الطبيعية، لم يكن التضامن مجرد خيار، بل أصبح ضرورة تعكس عمق الروابط بين أبناء الوطن الواحد، بغض النظر عن الجغرافيا أو الانتماءات. وهذا ما أثبتته النساء في إقليم شمال وشرق سوريا بتضامنها مع نساء الساحل السوري.
ورغم حجم المعاناة التي شهدها الساحل السوري، لم تبادر أي جهة بتقديم الدعم والمساندة للمتضررين هناك، حتى جاءت حملة إنسانية من أهالي إقليم شمال وشرق سوريا، في موقف يعكس وعياً عميقاً بوحدة المصير والمسؤولية المشتركة. لم تقتصر هذه الجهود على إرسال المساعدات فحسب، بل رافقها حراك نسائي واسع، حيث تكاتفت النساء في الساحل مع المتطوعات القادمات من إقليم شمال وشرق سوريا، ليشكلن معاً نموذجاً حياً للتآزر الإنساني، لأن هذه ليست مجرد مبادرة إغاثية، بل هي شهادة على أن الأمل لا يزال ينبض في قلوب السوريين، وأن النساء، رغم الألم والفقدان، قادرات على إعادة بناء جسور المحبة والمساندة وسط الركام.
نساء الساحل السوري.. العطاء رغم المعاناة
وفي هذا السياق، تحدثت لصحيفتنا، “فاتن درويش”، وهي من قرية رأس العين في جبلة باللاذقية، عن الوضع الذي عاشته قريتها خلال الأزمة الأخيرة، وأوضحت أن القرية لم تتعرض للحرائق كما حدث في قرى أخرى، لكنها واجهت ضغوطاً نفسية كبيرة بسبب استقبالها عدداً كبيراً من النازحين من المناطق المتضررة.
وأكدت “فاتن”، أن أهل قريتها بذلوا جهوداً كبيرة لمساعدة المتضررين، حيث تطوعت مجموعة من النساء والشباب للمساهمة في تنظيم وتوزيع المساعدات التي وصلت إلى المنطقة، خاصة تلك القادمة من إقليم شمال وشرق سوريا، وشددت على أن النساء كان لهن دور محوري في هذه الجهود، والمشاركة الفعالة في عمليات الإحصاء والتوزيع.
وأضافت فاتن: “شكلنا مجموعة نسائية تحت اسم “يد بيد”، وبدأنا بإجراء إحصاءات للعائلات المتضررة في المناطق التي تمكنا من الوصول إليها، وعند وصول قافلة المساعدات، عملنا على تفريغها، وتعبئتها، وتوزيعها لضمان وصولها إلى أكبر عدد ممكن من المحتاجين، كما تولت النساء مسؤولية توزيع الطحين والسلل الغذائية والمنظفات، كونهن أكثر دراية بهذه الاحتياجات”.
نساء إقليم شمال وشرق سوريا.. تضامن ودعم
من جهتها، تحدثت “هالة فارس”، وهي متطوعة من مدينة قامشلو، في إقليم شمال وشرق سوريا، عن مشاركتها في الحملة الإنسانية لدعم أهالي الساحل السوري، مشيرة إلى أن هذه المبادرة جاءت تضامناً مع النساء اللواتي فقدن أفراداً من عائلاتهن وتأثرن بشدة جراء الأزمة.
ونوهت هالة: “بذلنا جهوداً كبيرة في تجهيز المساعدات قبل إرسالها إلى الساحل السوري، حيث قمنا بتعبئة الأكياس بكل ما تحتاجه العائلات المتضررة، جئنا إلى هنا ليس فقط لنوزع المساعدات، بل أيضاً لنكون إلى جانب النساء المتضررات، ندعمهن مادياً ومعنوياً، ونتكاتف معهن يداً بيد”.
وبينت أن التجربة كانت مؤثرة للغاية، حيث لقي فريق المتطوعات استقبالاً حافلاً من نساء الساحل، اللواتي رغم الألم الذي يعشنه، أظهرن روحاً من التفاؤل والتكاتف الإنساني: “عندما التقينا نساء الساحل، شعرنا بحب كبير تجاههن، ووجدنا أنهن يشبهننا في معاناتهن وصمودهن، رغم الألم كانت الابتسامة لا تفارق وجوههن، مما أعطانا الأمل بأن سوريا، قادرة على التعافي عندما تتكاتف نساؤها وأبناؤها”.
هذه المبادرة الإنسانية ليست مجرد حملة إغاثية، بل هي تجسيد وحدة السوريين في مواجهة الأزمات، حيث أثبتت النساء في الساحل السوري وإقليم شمال وشرق سوريا أن التضامن والعمل الجماعي يمكن أن يكونا طوق نجاة في أصعب الظروف، إنها رسالة أمل بأن سوريا، رغم الجراح، لا تزال تنبض بروح التعاون والتآخي بين أبنائها وبناتها.