شرافة الأزمي حسني (أديبة مغربية)
أرتشف قهوتي مع ذلك الصمت الصباحي المعتاد بهدوء لا ينطق إلا إصغاء لزيد النفس ترتوي بخوالج مخيلتي، جسد يتحرك في كسل يختار ماءه ويعزله في سلام مبتكر مع الروح، وهي تنتشي في صعود لتلامس زرقة السماء من شرفة المكان، أسكب الماء في إناء نحاسي صغير ذي لون داكن أصفر مائل إلى البني ساري اللمعان، أضعه على نار خفيفة، أصنع بيدي مشروبي الأسود،
“صمت رهيب
ومن مثلي
يفهم عذرية الصمت،
فرائحة القهوة
لا تتذوق
الأصوات التي تفسدها،
إلا إن كانت
نغمات خافتة تحاكي
همس الروح وصدى النفس”
جلست على أريكة مريحة أشرب عطر قهوتي، وكتاب هوس الوجدان مفتوح على ما يحمله النهار من أسرار ساحرة، يلفها غموض مغلف بمسحة أمل تطرد الوساوس المتراكمة التي تحملها أيقونة صغيرة، لا تستوعب ومضات التاريخ المتناقضة تكشف خبايا لا يستطيع فكري ضبط سيطرته على هدا الازدحام، والاصطفاف غير العادي، الذي يقف في تباث ليشوش عليَّ صفاء وجمالية اللحظة وعذوبة كأس شاردتي
وأنا أتصفح الأخبار من خلال هاتفي، وبينما أنا على تلك الحالة، تصلني رسالة من صديق تثير دهشتي واستغرابي، مما جعلني في شرود للحظات طوال، لم يقطعها غير ذلك الصوت القوي القادم من الشارع لأسرع اتجاه شرفة إطلالتي وناظري نحو السماء، تجمهُر من الناس على حافة النافذة.
“جموعا وفرادى من كل ناحية
تتعالى صيحاتهم مسجلة
سمفونية الفوضى
في المكان
ورقصة الأفعى
في تأهب، وتراجع للهجوم
كان المسرح من حولي
غريبا
والمشهد
أثار الرعب بداخلي”
أغلقت نافذتي وعدت أتسول داخل ذاكرتي مضامين العبث والفوضى، لا يهدِّئها إلا رشفة قهوة مع قطعة حلوى.
“اختلطت اللهجات داخل مخيلتي
التي أصبحت مغلقة
لكن قلمي يناديني
بصوته الدافئ والخافت
يناديني ويقول:
أنت: اختلست لحظة
من وقتك
تتأملين نظرة عينيك
وبوح نفسك.
تعرفين جيدا أنه هنالك
حيث تبتدئ الحكاية
من رحم الموقف والنهاية،
لكن…
دعوني أعيد لحظة
إلى حيث
هنالك صياح
وأصوات تتعالى
بلهجات الغضب!!!!!
قمت من مكاني وقلمي
يختزن وحشية جمودي
وهوس عزلتي عن الموقف”.
تأملت نافذتي ونظرتي الثاقبة تكاد تكسر زجاج النافذة، حيث تنفلت الذات تلوح في الأفق ترغب في لمسة تتعمق في معنى المشهد ….
“فيلسوفة أنا ومغرورة
لكن غروري يعجبني”
غليان من حولي وأنا القابعة وراء جذران غرفتي، أختلس النظر من خلف النافذة، لمحت عيناي قصة صراع وغليان، وأشياء كثيرة أخرى، قضيتي وقضيتك، انتفاضة الجميع، ألا تعيش البلاد ديمومة القهر والجوع والتخلف والحرمان، ألا تعيش الجامعة أزمة نظام وفكر، ألا تعرف الثقافة والإبداع حصارا شاملا، ألا تعرف الكلمة اختناقا في زمن سرقت فيه كل الأحلام،
ألا تُسْتغل الأديان والمعتقدات في تسريب الدمار والخراب.
سأجوب بذاكرتي وأنبش ذاتي، وأبحث وسط أفكاري عن اسم يسع مضمون مأساة تحتاج أن تبرز بكل اللغات إلى الوجود، يتحدث عنها العادي والبادي وكل عابر سبيل، يطلب الانضمام إلى خرافة المشهد حين ينطق حقيقة، انطلقت من المهد إلى غياهب اللحد.
أستعطفك أيتها المحبة، أيها الجمال، كما هو مرسوم في إبداع خالق الأكوان، أنقذي أطفالا وصبايا من عالم الوهم والخديعة، أنقذيهم من وشم الحقد والضغينة، أبعديهم عن غدر خوفهم وأسرهم، ولا تدعي قلوبهم تجف مع صلابة الحقيقة.