قامشلو/ ملاك علي – لطالما كانت الأحداث التاريخية المفصلية علامة فارقة في تشكيل وعي المجتمعات وتحديد مساراتها المستقبلية، وخاصةً، عندما تكون مرتبطة بقضايا الهوية والحقوق السياسية في سوريا، فقد شكّلت انتفاضة 12 آذار 2004 نقطة تحول هامة في تاريخ الكرد، حيث لم تكن مجرد اضطرابات عابرة، بل كانت تعبيراً عن تراكمات من التهميش والتمييز الذي عاناه الكرد لعقود.
يُعد 12 آذار نقطة تحول في تاريخ الكرد في سوريا، حيث شهدت مدينة قامشلو، أحداثاً دموية تركت أثراً عميقاً في الذاكرة الجماعية للمجتمع الكردي، فقد بدأت الأحداث بمباراة كرة قدم بين ناديي الجهاد والفتوة، لكنها سرعان ما تحولت إلى اشتباكات عنيفة بسبب التدخل الأمني القاسي، ما أدى إلى ارتقاء العديد من المواطنين إلى الشهادة واندلاع موجة من الاحتجاجات امتدت إلى عدة مدن أخرى، الأمر الذي زاد التوترات السياسية والاجتماعية في البلاد.
أوضاع غير مستقرة
وكانت الأوضاع السياسية والاجتماعية في سوريا، متوترة قبل عام 2004، حيث كان يعاني الشعب الكردي من التمييز والتهميش السياسي، بالإضافة إلى استمرار السياسات القمعية، التي حرمت شريحة كبيرة منهم حقوقهم المدنية، مثل الجنسية والتعليم والتوظيف، وكانت هذه العوامل تغذي حالة من الاحتقان الشعبي، الذي انفجر لاحقاً في انتفاضة قامشلو في 12 آذار عام 2004.
وفي ذلك اليوم، جرت مباراة بين نادي الجهاد من قامشلو، ونادي الفتوة من دير الزور في ملعب قامشلو، وأثناء المباراة بدأت مشاحنات بين الجماهير، حيث ردد مشجعو الفتوة هتافات اعتُبرت مهينة للكرد، وليقوموا بعدها برمي الحجارة، ومهاجمة جماهير الجهاد التي كانت خاوية اليدين وتدخلت قوات الأمن بطريقة وحشية، فأطلقت الرصاص على المدنيين، مما أدى إلى جرح واستشهاد العديد من بين الجماهير الكردية.
ونتج عن ذلك انتفاضة واسعة للكرد في مدن عدة، مثل الحسكة، وعامودا، والدرباسية، وكوباني، حيث ندد المتظاهرون بالقمع الأمني وطالبوا بوقف التمييز ضد الكرد، إلا أن النظام البعثي آنذاك واجه هذه الانتفاضة بالقوة، مطلقاً الرصاص على المتظاهرين، كما شهدت دمشق وحلب تظاهرات واعتصامات للكرد السوريين المقيمين هناك، احتجاجاً على حملات الاعتقال، التي شنتها قوات الأمن، والتي استهدفت المئات من الناشطين والسياسيين الكرد، فيما طالت الاعتقالات في دمشق عدداً كبيراً من الطلبة والجامعيين، مما زاد من قلق النظام البعثي تجاه تصاعد الحراك القومي الكردي.
12آذار.. انتفاضة في وجه القمع
وخلّفت انتفاضة 12 آذار تداعيات عميقة على المشهد السياسي الكردي في سوريا، حيث كانت بمثابة شرارة دفعت الكثيرين إلى التفكير في ضرورة النضال من أجل الحقوق السياسية والثقافية، وأثّرت الأحداث في الوعي الجمعي للشعب الكردي، الذين أصبحوا أكثر إصراراً على المطالبة بحقوقهم، خاصة مع استمرار سياسات القمع والإقصاء.
وفي السنوات التي تلت المجزرة، ظلت هذه الذكرى محفورة في وجدان الشعب الكردي، حيث نظمت فعاليات سنوية لإحيائها، رغم التضييقات الأمنية، ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، استلهم الكرد من انتفاضة قامشلو ضرورة التنظيم والدفاع عن مناطقهم، ما أدى لاحقاً إلى تشكيل إدارات الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا بعد اندلاع ثورة التاسع عشر من تموز عام 2012.
ولم تكن انتفاضة 12 آذار مجرد صراع سياسي، بل تركت مأساة إنسانية كبيرة، حيث فقدت العديد من العائلات أبناءها الذين استشهدوا في الانتفاضة، وتم اعتقال المئات، وتعرض المعتقلون لشتى أنواع التعذيب في السجون، كما خلقت الانتفاضة حالة من الخوف والقلق بين السكان، حيث فرضت السلطات إجراءات قمعية مشددة، وأحكمت قبضتها الأمنية على المناطق الكردية.
وعلى الرغم من مرور أكثر من عقدين على المجزرة، إلا أن الجرح لا يزال مفتوحاً، حيث لم يتم تحقيق العدالة للشهداء، وما زالت العائلات تطالب بالاعتراف بما حدث كجريمة سياسية ضد الكرد.
يشار، إلى أن 12 آذار 2004 أحد الأيام الأكثر أهمية في تاريخ الكرد في سوريا، حيث كشف في تلك الفترة، مدى التهميش والاضطهاد الذي يتعرض له هذا الشعب، وساهم في تشكيل وعي سياسي جديد بين الكرد حول أهمية النضال من أجل حقوقهم، وعلى الرغم من مرور السنوات، فإن هذه الذكرى لا تزال حاضرة في وجدان الكرد، حيث تُعتبر رمزاً للمقاومة والرفض لكل أشكال القمع.
وإن هذه الانتفاضة تُظهر بوضوح أهمية العدالة وحقوق الإنسان، وتؤكد أن القمع لا يمكن أن يكون حلاً مستداماً، بل على العكس، فهو يولد مزيداً من الوعي والإصرار على تحقيق الحقوق المشروعة، وما زال الشعب الكردي يحمل ذكرى 12 آذار دليلا على الظلم، وحافزاً للمضي قدماً في نضالهم من أجل الحرية والمساواة حتى يومنا هذا.