قامشلو/ ملاك علي – يُعد محمد شيخو واحداً من أبرز الفنانين الكرد الذين تركوا بصمة خالدة في عالم الموسيقا، حيث استطاع بألحانه العذبة وصوته الدافئ أن يجسد معاناة شعبه وأحلامه، لم تكن أغانيه مجرد كلمات تُغنّى، بل كانت رسائل تحمل في طياتها الحب، والنضال، والحنين إلى الوطن، مما جعله رمزاً للأغنية الكردية الحديثة.
وُلد محمد شيخو في بيئة غنية بالتراث والثقافة الكردية، منذ بداياته، سعى إلى تطوير الموسيقا الكردية، فاستلهم من الفلكلور وأضاف لمساته الخاصة، ليخلق لوناً فنياً مميزاً، ورغم التحديات التي واجهته، ظل مخلصاً لفنه، ليصبح صوته جزءاً لا يتجزأ من وجدان الشعب الكردي.
محمد شيخو فنان موسيقي كردي يُعد من أبرز رواد الأغنية الكردية الحديثة، وُلد عام 1948 في قرية “خجوكي” قرب مدينة قامشلو، في إقليم شمال وشرق سوريا، بدأ اهتمامه بالموسيقا في سن مبكرة، حيث تأثر بالتراث الكردي الأصيل وبأغاني الفولكلور التي تعكس معاناة شعبه وآماله.
سافر محمد شيخو إلى عدة دول، منها العراق، ولبنان، وإيران، ليتعلم الموسيقا ويطور أسلوبه وكان لعلاقته بالفنانين الكرد الآخرين، مثل سعيد يوسف، دور في تشكيل هويته الفنية، امتاز أسلوبه الموسيقي بالعفوية والبساطة مع ألحان تعبر عن المشاعر العميقة للشعب الكردي.
قدّم محمد شيخو عشرات الأغاني التي لا تزال تحظى بشعبية بين الكرد، ومنها “Dilberê” و”Ez Xelef Im”، كانت أغانيه تعبيراً صادقاً عن قضايا الشعب الكردي، خاصة فيما يتعلق بالنضال والهوية والحرية.
مجدل شاهين، من قرية عاكولة، يتحدث عن معرفته العميقة بالفنان الراحل محمد شيخو منذ الصغر، حيث كانا صديقين مقربين، محمد شيخو، الذي ولد في قرية خجوكي، لم يعش طفولة عادية كغيره من الأطفال، بل كانت له خصوصية واضحة، إذ كان شغوفا بالموسيقا منذ نعومة أظفاره.
بدأ محمد شيخو العزف على آلة الطنبور، برفقة شخص من بيت الشيخ حميد، لكن مجدل شاهين لا يذكر اسمه بدقة، كانا يعزفان معاً على آلة الكمنجة المصنوعة من التنك، ومنذ صغره كان شيخو معروفاً بعناده، مصرا على الوصول لهدفه، بل كان يفعل ما يؤمن به.
وفي حديثة المستفيض يقول “شاهين” بأن محمد شيخو وصل إلى الصف الثامن، قبل أن يتوقف عن الدراسة بسبب سوء الظروف المعيشية، حيث كان مستأجراً بيتاً في ذلك الوقت مع شخص يدعى عبدو، لم يتمكن من إكمال الصف التاسع بسبب الفقر والضغوط المادية، ما دفعه لاحقاً للسفر بحثاً عن فرص أفضل.
عندما كان مجدل شاهين يدرس في حلب، جاءه محمد شيخو برفقة شخص آخر ليطلب المساعدة في السفر إلى لبنان، فساعده مجدل في ذلك، لكن الحياة في لبنان لم تكن سهلة، حيث واجه الكثير من المشاكل والمنافسة الشرسة بسبب صوته العذب وألحانه الجميلة، مما جعل البعض يحقدون عليه ويحاولون محاربته فنياً.
من بين القلائل الذين ساندو الفنان شيخو في غربته كان الشاعر كمال شمباز، وكانت شهرة محمد شيخو في لبنان بسبب حفلة أقيمت في سينما ريفولي، حضرها رئيس الوزراء اللبناني آنذاك “صائب سلام” في تلك الحفلة، كان الجمهور يعتقد أن فريد الأطرش هو من سيظهر على المسرح بسبب روعة العزف والألحان، لكنهم فوجئوا عندما انفتح الستار بأن العازف هو محمد شيخو نفسه، ما أثار موجة من الحماس والتصفيق بين الحاضرين.
وفي أثناء الحفلة، نهض شخص يُدعى زكي تاج الدين وصرخ بأعلى صوته: “تحيا كردستان”، مما زاد من التفاعل الجماهيري، استمر محمد شيخو بالعزف في لبنان مدة سنتين أو ثلاث قبل أن يعود إلى سوريا، ومن ثم سافر إلى باشور كردستان.
الهجرة إلى إيران والمنفى الطويل
بعد سنتين في العراق، اضطر محمد شيخو” إلى الهجرة إلى إيران عام 1975 بسبب الأوضاع السياسية، حيث قضى هناك ثماني سنوات في المنفى، لاحقاً، تم السماح له بالعودة إلى سوريا وإلى مدينته قامشلو بعد تدخل بعض الشخصيات الاعتبارية في موضوع عودته، حيث عاد إلى سوريا عام 1983.
توفي محمد شيخو عام 1989 في “المشفى الوطني”، بقامشلو ويُقال إن تدهور صحته كان نتيجة الإهمال الطبي، رغم رحيله، لا يزال إرثه الموسيقي حاضرًا في قلوب محبيه، وتعتبر أغانيه جزءًا مهمًا من التراث الموسيقي الكردي.
ويذكر أنه عندما توفي محمد شيخو، تم إغلاق مكتبه بالشمع الأحمر، وسبق للسلطات الأمنية، أن أغلقت محله واعتقلته لمرات عديدة، لأنه كان شخصاً وطنياً مخلصاً لقوميته، ولم يركض وراء المال والجاه، بل كان يسعى لإظهار قوميته وإحيائها من خلال فنه.
أغاني محمد شيخو لم تقتصر على الطابع الوطني فقط، بل غنى أيضاً عن الحب، وعزف في الأعراس، ليبقى إرثه الفني خالدًا حتى يومنا هذا، رغم وفاته، لا تزال أغانيه حية في قلوب الأجيال الشابة، حيث يستمع إليها الكثير من الشباب والفتيات حتى يومنا هذا.
يذكر أن هيئة الثقافة والفن والعديد من المؤسسات الثقافية والشخصيات تحتفي كل عام بذكرى رحيله، ويشهد مزار الهلالية الذي يضم ضريحه قدوم قوافل من الزوار، بينما تقام مراسم تأبينية في عشرات الأمكنة، وقد أطلق اسمه على المركز الثقافي للثقافة والفن في مدينة قامشلو تكريما لعطائه ليكون “مركز محمد شيخو للثقافة والفن” قبلة للفنانين والمهتمين بالثقافة والفن والأدب، كما كان محمد شيخو صوتا ثائرا ولحنا أسر القلوب، وخُلد في ذاكرة الشعب الكردي.