كوباني/ سلافا أحمد – “من غرفة صغيرة إلى جامعات تدرس بلغتنا، مئات الطلبة يتخرجون من جامعات يدرسن باللغة الأم بأقسام مختلفة، لقد حققنا ثورتنا بلغتنا الأم”، بهذه الكلمات استذكرت نساء من مدينة كوباني مسيرة اللغة الكردية في شمال وشرق سوريا، وشددن على أهمية الحفاظ عليها والاعتراف بها حقاً مشروعاً في سوريا الجديدة.
على الرغم من السياسات القمعية التي اتبعتها الأنظمة الاستبدادية والمحتلة، حافظ الشعب الكردي على لغته الأم، وحقق في ثورة روج آفا، نهضة واسعة في مجال الحفاظ على اللغة الأم وتطويرها، والتي بدأت بالتدريس في المنازل، وصولاً إلى الأكاديميات وافتتاح جامعات في إقليم شمال وشرق سوريا.
وتعرضت أجزاء كردستان خلال تاريخها لحملات الاضطهاد والقمع والإنكار والصهر والتمييز من الأنظمة الاستبدادية الحاكمة، التي حظرت اللغة الكردية، وفرضت سياسات التتريك والتعريب، بهدف القضاء على مقومات وجود الشعب الكردي. إلا أن نضال وإصرار الشعب الكردي، والمثقفين، أمثال ملاي جزيري، وفقي تيران، وأحمدي خاني، ومير جلادت بدرخان، ونور الدين ظاظا، وعثمان صبري وجكر خوين، ومسري خان خسروي ساهموا كلهم في حماية اللغة الكردية، ووصولها إلى ما هي عليه اليوم.
إلى جانب نضال الشعب الكردي في إقليم شمال وشرق سوريا، الذي رغم عمليات الصهر والإبادة التي مارست بحقه، قد حافظ على إرثه ولغته، واستمر ذاك النضال بوتيرة أقوى خاصة بعد ثورة روج آفا، حيث استطاع الشعب الكردي تدوين تاريخ جديد للغته، فافتُتحت العديد من المراكز والمؤسسات لتعليم اللغة الكردية، إضافة إلى افتتاح المدارس والمعاهد والجامعات، لتصبح اللغة الكردية لغة رسيمة.
ويصادف الـ 15 من أيار من كل عام يوم اللغة الكردية، والذي قرر تعين هذا اليوم في المؤتمر القومي الكردستاني KNK، في 15 أيار عام 2006 يوماً للغة الكردية، والذي يصادف تاريخ صدور العدد الأول من مجلة “هاوار”) باللغة الكردية من الأمير جلادت بدرخان، سنة 1932 في العاصمة السورية دمشق.
أهم مكتسبات ثورة روج آفا
وبمناسبة هذه الذكرى التاريخية لدى الشعب الكردي، التقت صحيفتنا “روناهي”، حماة اللغة الكردية، أمهات من مدينة كوباني، وقد حافظن على اللغة الأم من الصهر والإبادة، ونقلنها من جيل لجيل، منهن الأم “عائشة أفندي“، من الأمهات المناضلات في ثورة التاسع عشر من تموز “روج آفا”، والتي كانت لها بصمتها التاريخية في الثورة، وكانت من الأمهات الأوائل، وهي مارست وتعلمت اللغة الكردية مع بدايات الثورة. وشبهت عائشة ثورة اللغة الكردية في شمال وشرق سوريا، بحفر بئر بالإبرة: “بفضل مقاومة أبناء هذه الرقعة المقدسة، الذين ضحوا بأغلى ما لديهم في سبيل حماية أبناء المنطقة من سياسات القمع والصهر وتحصيل حقوقهم المشروعة، إننا نحيي اليوم بكرامة وحرية، لذا المكتسبات والتطورات التي حققنها على مدار أعوام الثورة في إقليم شمال وشرق سوريا، لم يكن بالهين، إنما دفعنا حقها دماء أبنائنا الطاهرة”.
وأضافت: “عقود والشعب الكردي يعاني من حملات الصهر والإبادة، لكن رغم الحملات والضغوطات، التي كانت تستهدف هويتنا ولغتنا ووجودنا، ناضلنا وقاومنا في سبيل حماية إرثنا التاريخي على مر العقود المنصرمة، وبالفعل نجحنا في ذلك”.
ونوهت إلى: “قمع النظام السوري السابق الشعب الكردي، وفرض عليه الذهنية الواحدة بلغة واحدة وثقافة واحدة، حيث سعى بالقمع إلى استبعاد اللغة والثقافات المختلفة، وصهرها ضمن الثقافة العربية، وإلى جانب ذلك كان يمارس الشعب الكردي حياة مشتركة بالرغم من الضغوطات وممارسة ثقافته ولغته، بطرق المخفية”.
وأشادت عائشة بدور المرأة الكردية في الحفاظ على اللغة وإيصالها إلى الأجيال: “لم يكن من السهل الوصول إلى هذه المكتسبات بسهولة، لقد كنا نعاني من سياسيات القمع والصهر، وكنا محرومين من ممارسة لغتنا الأم بين بعضنا، كل شيء كان ممنوعاً للكردي، لكم واصلنا نضالنا في حماية لغتنا ووجودنا، وكانت المرأة الكردية هي الفئة الأكثر محافظة على لغتها، لأنها عُدَّت حافظة للغة في المجتمع الكردي، بتمسكها بلغتها وتعليمها لأطفالها، لقد كانت تمارس تراثها وثقافتها بعمق، عندما كانت تغني لأطفالها الأناشيد والتراتيل الكردية، بتلك الطريقة بقت لغتنا الأم حية ليومنا هذا”.
من غرفة صغيرة إلى نظام تعليمي موسع
وتطرقت: “حينما كان الجميع ينتظر اللحظات الأخيرة للشعب الكردي، والقضاء على وجوده، تمكن القائد عبد الله أوجلان بفكره وفلسفته الديمقراطية من إنعاش الروح مرة أخرى في الشعب الكردي، وإنقاذه من الإبادة، لقد كان فكر القائد الروح لنا في ظل سياسات القمع والصهر”.
تروي عائشة، مسيرة اللغة الكردية في بداياتها في المنطقة: “في حي الشهيد سرحد الذي كان يسمى في ذاك الحين حي الجمارك، افتتحنا مدرسة باسم الشهيد أوصمان دادلي، مؤلفة من غرفة واحدة فقط، كان تعطى في تلك المدرسة دروس اللغة الكردية لأبناء عدة عائلات بمبادرة من معلم من مخمور آنذاك، كنا نقصدها أيضاً، لنتعلم لغتنا الأم، وتعلمناها حينها، في وقت كان الجميع يسخر منا، ويقولون لنا بأربعة أطفال ستفتحون مدرسة، ويعلمهم شخص لا يعرف الكردية، هل تعتقدون بأنكم ستنجحون بهذه الطريقة، كانوا ينظرون إلينا نظرة سخرية واستهزاء، بينما كنا على ثقة تامة بأننا يوماً سنصل إلى مرادنا ونحقق المستحيل في ثورتنا”.
وتابعت: “لقد قطعنا عهداً على أنفسنا واليوم نوفي به، اعتقادنا وإيماننا الذي بدأ بأربعة أطفال، وصل إلى مرحلة تعليم الآلاف من الطلاب في المدارس والجامعات، في غضون سنوات عديدة قمنا بتطوير أنفسنا من الناحية الجغرافية والتنظيمية، يمكن لكل دين ولغة وثقافة في هذه المنطقة الجغرافية الحفاظ على وجودها بسهولة، كما ويمكنها العيش بسهولة من خلال لغتهم”.
وأعربت “عائشة أفندي” في ختام حديثها عن فخرها واعتزازها بالمكتسبات التي حققتها ثورة 19 تموز: “لقد خلقنا من العدم كل شيء، من غرفة صغيرة إلى جامعات تدرس بلغتنا، مئات الطلبة يتخرجون من جامعة اللغة الكردية بأقسام مختلفة، لقد حققنا ثورتنا بلغتنا الأم، فخورين بهذه المكتسبات العظيمة والمقدسة”.
إصرار لحماية اللغة الأم
أما الأم “فاطمة حج إبراهيم” البالغة من العمر40 عاماً، والدة لخمسة أطفال، في كل يوم في الساعة الثانية عشرة ظهراً، تتجه مع رفيقاتها، حاملات دفاترهن وأقلامهن إلى مؤسسة اللغة الكردية “SZK” في مدينة كوباني، ليتعلمن لغتهن الأم بعد حرمانهن على مر العصور، معبرة عن فرحتها بتعليم لغتها الأم حتى بعد تقدمها في السن، وتقول بفخر: “قبل اندلاع شرارة ثورة روج آفا، كنا محرومين من تعلم لغتنا الأم بحرية، لذا وبعد أن سنح المجال أمامي، باشرت قبل سبعة أشهر لتعلم لغتي الأم، أنا الآن في المرحلة الثالثة لتعلمي لغتي، وأنني فخورة بنفسي، وأشعر وكأنني أنجزت أصعب مهام حياتي”.
وزادت: “جميعنا أمهات، وقد أتينا اليوم من أجل أن نتعلم القراءة والكتابة بلغتنا، لقد ضحينا كثيراً من أجل اللغة الكردية، وبعد نضالنا ومقاومتنا اليوم نحن نتعلم بلغتنا وهذا لنا أكبر نصر على أعدائنا الذين أرادوا تصفية وجودنا وهويتنا”.
وفي ختام حديثها، شددت “فاطمة حج إبراهيم”، على أهمية التعلم باللغة الأم واجباً لحماية اللغة والهوية: “لقد تأخرنا كثيراً في تعلمنا لغتنا الأم، ولكننا الآن نقرأ بلغتنا، كما علمنا أطفالنا القراءة والكتابة باللغة الكردية، فيجب على الأمهات تعلم لغتهن للحفاظ عليها من الإبادة”.