صلاح الدين مسلم
القضية الكردية واحدة من أكثر القضايا تعقيداً في الشرق الأوسط، حيث تداخلت فيها العوامل المحلية والإقليمية والدولية. واليوم، يبدو أن أردوغان يواجه مفترق طرق حاسم فيما يتعلق بهذه القضية. فالعرض المقدم له، سواء من الداخل التركي أو من الأطراف الإقليمية والدولية، يتمثل في خيارين لا ثالث لهما: إما حل القضية الكردية سلمياً وفق خارطة الطريق القانونية التي وضعها القائد عبد الله أوجلان، أو أن تفرض الأحداث مساراً آخر يتجاوز إرادة أنقرة ويفرض حلولاً بديلة قد لا تكون في صالحها.
الأطراف العاقلة في المنطقة، سواء كانت تركية، كردية، أو عربية – سورية، تدرك أنّ الحل السلمي هو المسار الأفضل. فاختيار طريق السلام يعني تفادي الفوضى والحروب والمجازر والتقسيم، وهي سيناريوهات سيدفع الجميع ثمنها دون استثناء. لكن؛ المشكلة الحقيقية تكمن في الذهنية السياسية التي تحكم العقلية الحاكمة في تركيا اليوم، حيث لا يزال أردوغان ومعه حقّان فيدان، ينظران إلى السلام على أنه استسلام، وليس كحل مستدام يعزز استقرار تركيا والمنطقة.
على عكس ما يظنه أردوغان، فإنّ الكرد باتوا مستعدين لجميع السيناريوهات. وقد أثبتت العقود الماضية أن الحركة الكردية قادرة على التكيف مع مختلف الظروف والتحديات، وهي تدرك أن الحرب ليست خيارها الأول، بل إنّ السلام هو هدفها الأساسي. ومع ذلك، فإن رفض أنقرة المتكرر الجلوس إلى طاولة الحوار بشكل جاد ومنفتح قد يؤدي إلى تصعيد لا ترغب به، لكنّها مستعدة لمواجهته إذا فرض عليها.
يراهن أردوغان على أن الضغط العسكري والاقتصادي والسياسي سيؤدي إلى إضعاف الطرف الكردي، إلا أن المعطيات على الأرض تشير إلى عكس ذلك. فالتدخل التركي في مناطق مثل سد تشرين في شمال وشرق سوريا لم يحقق النتائج المرجوة لأنقرة، بل أضعف الموقف التركي في المنطقة وأضرّ بعلاقاتها مع العديد من القوى الفاعلة. فاستمرار هذه الحرب العبثية لن يؤدي إلا إلى المزيد من التآكل في النفوذ التركي، وسيدفع أنقرة نحو خيار لم تكن ترغب فيه؛ وهو القبول بالسلام تحت الضغط.
لم تصل الدكتاتورية التركية بعد إلى مرحلة السيطرة الكاملة على جميع مفاصل الحكم، ولا تزال هناك قوى داخل تركيا وخارجها تدفع نحو حل أكثر عقلانية للقضية الكردية، وذلك لانتصار إرادة المجتمعات الكردية والعربية والتركية على السواء. إنّ استمرار نهج التصعيد والمواجهة لن يؤدي إلا إلى تفكيك الاستقرار في تركيا نفسها، وقد تجد أنقرة نفسها في موقف لا تحسد عليه إذا استمر العناد السياسي على حساب الحلول الواقعية.