د. علي أبو الخير
إن الحديث عن مستقبل سوريا؛ مازال حاضراً مُلبداً بغيوم سياسية واجتماعية وثقافية؛ نود لها أن تنقشع؛ ونرى ما حدث عبارة عن زلزال سياسي، حيث انقلب الحال إلى الضد، والوفود من الدول الكبرى تتوالى في زيارات ومقابلات مع من يحكم البلاد وقد اعترفت برئاسة أحمد الشرع في الفترة الانتقالية، فقد جاءت وفود رسمية من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ثم الولايات المتحدة الأمريكية، وزار الشرع السعودية في شكل اعتراف دولي به؛ جاؤوا ليحددوا مستقبل سوريا، ومن ضمنها الكرد في شمال وشرق سوريا مع باقي الشعب السوري، حيث يقوم الرئيس التركي أردوغان بالعمل على إحباط أي دمج بين الكرد وبين باقي أطياف الشعب السوري، فهو الممول الأول والداعم الأكبر للحكام الجدد في سوريا؛ ومن ثم يريدها فتنة للتوسع على حساب سوريا، وهو سبب الفتنة بجانب أمريكا وإسرائيل؛ لأن أردوغان يعلم جيداً إن حصول الكرد في سوريا على حقوقهم ثم دمجهم في العملية السياسية، سوف ينعكس حتماً على الكرد في تركيا، ويطالبون بالمطالب نفسها، والكرد يجاهدون منذ عقود في الحصول على حقوقهم، ويطالبون بالإفراج عن القائد عبد الله أوجلان دون أن يستجيب أردوغان.
وفي بادرة حُسن نيّة، أعلنت الإدارة الذاتية قرارها رفع علم الاستقلال السوري، الذي رفعه السوريون منذ خروجهم في مظاهرات سلمية مناهضة لدمشق عام 2011، على جميع مقراتها ومؤسساتها، معتبرةً أنه «يحق للسوريين الاحتفاء بانتصار إرادتهم في إسقاط هذا النظام الجائر”.
وجاء قرار الإدارة الذاتية بعد تأكيد الجنرال مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، جناحها العسكري، إن «التغيير فرصة لبناء سوريا جديدة… تضمن حقوق جميع السوريين بعدما عانوا خلال حكم عائلة الأسد من تهميش وقمع طوال عقود”.
بنى الكرد خلال سنوات الأزمة إدارة ذاتية في شمال وشرق سوريا ومؤسسات تربوية واجتماعية وعسكرية، بعدما شكّلوا رأس حربة في التصدي لداعش.
فشل الهجوم التركي على كُرد سوريا
لقد حاول أردوغان استباق الأحداث، فقام ويقوم بشن غارات عشوائية دموية على الكرد السوريين، وفشلت هجماته الاحتلالية، فقد تصدت له قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وقُتل المئات من الجيش التركي الغازي، والمعلوم بالضرورة أنه وبعد سقوط بشار الأسد، تسعى تركيا إلى إضعاف قوات سوريا الديمقراطية، تمهيداً لاحتلال شمال وشرق سوريا.
ومازالت تركيا أردوغان تستمر في فرض ضغوط كبيرة على الكرد في سوريا، (حسب تقرير في موقع سكاي نيوز عربية بتاريخ 18 كانون الأول 2024 تحت عنوان كُرد سوريا بين أمن تركيا القومي ووحدة الأراضي السوريّة)، معتبرة أن أي تمكين لهم في النظام السوري الجديد، يُمثّل تهديداً مباشراً لأمنها القومي، ويتزايد هذا القلق التركي (كما يكذب أردوغان) بسبب العلاقة بين بعض الكرد في سوريا وحزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره أنقرة تنظيماً إرهابياً، لا لشيء إلا لأنهم يطالبون بحق تقرير مصيرهم بالطرق السلمية، وحديث أردوغان كاذب لأن يفرض القيود على كرد تركيا ولا يريد السماح بوجود حل سلمي في سوريا ودمج الكرد ضمن العملية السياسية ووضعهم في الدستور المقرر سنّهُ مستقبلاً.
الكُرد… اتصال وليس انفصال عن الدولة السوريّة
الشعب الكردي شعب ثوري بطبيعته، ولكنه أيضاً محب للسلام، وكل مطالبه هي الإنصاف السياسي والاجتماعي، وهو ما أكده الباحث السياسي رستم محمود، في حديثه لـشبكة “سكاي نيوز عربية”، بأن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ليست مجرد قوة وظيفية أو عميلة، بل هي قوة نشأت للدفاع عن المنطقة بعد توسع داعش في سوريا، وإن “قسد” وفية للمبادئ السوريّة، لأن الكرد في سوريا لا يسعون للانفصال، بل يسعون لبناء وطن سوري شامل لجميع الشعوب السوريّة، لأن “قسد” تُمثل قيم الثورة السوريّة، لأنها لعبت دوراً محورياً في تحرير المناطق من داعش، وإن كل الدلائل تُشير إلى أن “قسد” مستعدةً للقبول بأي شروط تهدف إلى الحفاظ على السلام في المنطقة، خاصةً في سوريا، ومن حق الكرد التحسّب لمستقبل الكرد، ربما ليس في سوريا وحدها، بل مع باقي طموحات باقي الشعب الكردي، وهو ما يُقلق أردوغان.
نظرة مستقبلية
باستشراف المستقبل، نجد أن قسد تواجه تحديات كبيرة في تحقيق توازن بين المطالب الإقليمية، والضغوط الدوليّة، والحفاظ على وحدة الأراضي السوريّة، أي التواصل وليس الانفصال.
هذا بالإضافة إلى إنه يوجد تحالف بين قسد ودول كبرى، خاصةً الولايات المتحدة، وتحاول أمريكا المواءمة في العلاقة الجديدة مع سلطة دمشق الجديدة، ولذا ترى الإدارة الأمريكية وجود دور مهم للغاية للكرد، لأن دور مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية حيوي، لمنع عودة داعش إلى الظهور مرةً أخرى بعد الإطاحة ببشار الأسد، وإن الولايات المتحدة ستواصل حماية مواقعها في شمال وشرق سوريا للتصدي لجهود (داعش) وحفاظاً على سلامة قوات سوريا الديمقراطية، وتلبية مطالبهم والإفراج عن القائد عبد الله أوجلان، الرمز المناضل لكل الشعوب.
