شروق العصفور
صدر عن دار دجلة، ناشرون وموزعون في عمّان للدكتورة إنعام زعل القيسي كتاب «قِراءَات نَقْدِيَّة في الْخِطابِ الشِّعريِّ الأرْدنِيِّ: نَماذِج وقضَايا مُخْتَارَة»، ويقع الكتاب في مائتي صفحة من القطع الكبير، ويتضّن ثلاثة فصول، تناول الفصل الأول بُنية عتبة الإهداء ودلالاتها في ثلاثة من دواوين الشاعر هشام عودة، هي: “حواريّة الجُمّيز والحجارة”، و”أسئلة الوقت”، و”أقتفي خطو ذاكرتي”، ووضحت هذه الدراسة دلالات هذه الإهداءات وامتداداتها في ثنايا نصوص الأعمال الشعريّة الثلاثة، وكشفت عن أنَّ هذه الإهداءات جاءت بصيغ نثريّة قصيرة، وحمَّالة لأوجه ودلالات متعددة لا تقل أهمية عن نصوص قصائد الدواوين، التي تلتها وذات صلة وثيقة بها، كما عبّرت إهداءاته عن اهتمامه الكبير بقضايا الأمة الراهنة، وعكست الحالة الخاصّة التي يعيشها الشاعر عودة المُثقل بهموم الأمة؛ حيث تداخل همّ الشاعر الخاص مع الهمّ العام ولم ينفصل عنه.
أما الفصل الثاني فقد تمحور حول “تجليات التناص في ديوان /وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهِ/ للشاعر حسن جلنبو”، وكشفت الدراسة عن إسهام ذاكرة الشاعر الثقافية في تشكيل نصوص قصائده التي ضمها هذا الديوان على مستويي الرؤيا والتشكيل الفني، فقد استطاع أنْ يوظف مخزونه الثقافي الواسع في نصوصه الشعريّة، من خلال إقامة علاقات تناصيّة مع آيات القرآن الكريم وقصصه والشعر العربي القديم والحديث، والأمثال العربية القديمة والأقوال السائرة والتراث الشعبي العربي، إضافة إلى تناصه مع بعض أشعار الشعراء المعاصرين التي وظفوا فيها بعض الأساطير مثل طائر الرُّخ وغيره، وغدت هذه العناصر الثقافية رافدًا أساسيًا من روافد التجربة الشعريّة في الديوان على مستويي اللفظ والمعنى، وهو يعتمد في ذلك على توظيف تقنيات التناص المختلفة كالتكثيف والتحويل والتحوير والمخالفة وغيرها، بطريقة تشير إلى قدرته الفنية على تشرب تلك النصوص وامتصاصها وإعادة إنتاجها بما يتناسب مع تجربته الخاصة التي تمحورت حول الغربة والوطن والشوق والذكريات والأمنيات، فشكلت بؤرة الموضوعات التي تَركّزَت حولها قصائد الديوان.
وقام الفصل الثالث على تناول «شعريَّة الظل وتمثُّلاته في ديوان “أنا لستُ ظلِّي” للشاعر خالد السبتي»، فقد أضفى حضور الظِّلِّ في عمله الشعري خيالاً لافتًا يجسد معاني الجمال، وظفه الشاعر للتعبير عن خلجات نفسه ومشاعره، وإكساب نصوصه الشعريَّة معاني وأبعادًا ودلالات عميقة، تتجاوز الدلالات المعجميَّة والطبيعيَّة، وتتوافق مع رغباته في إيصال أفكاره ومعانيه، وبيَّنت الدراسة أيضًا أنَّ السبتي قد استلهم كثيرًا من معاني قصائده الظِّلّية التي دارت حول الظلّ من قصائد محمود درويش التي دارت حول الموضوع ذاته على مستويي التراكيب والمعاني، وذلك للتعبير عن تجربته الذاتيّة مما منح قصائده أبعادًا شعريَّة لافتة.
وتبدو أهمية هذه الدراسة التي ضمها الكتاب في أنَّها أضاءت جوانب من التجربة الشعريَّة لدى الشعراء الأردنيين الثلاثة؛ إذ إنها لم تحظ باهتمام كبير لدى النقاد والباحثين الذين وقفوا عند أعمالهم الشعريَّة. كما تبدو أهميَّة هذه الدراسة في أنَّ الباحثة حرصت–قدر المستطاع–أن تكون نصوص الإهداءات وقصائد الدواوين موضوع القراءات أساس النظر، ومحل التأمل والمتابعة، ومنطلق بناء الأحكام وتدوين وجهة النظر المبنيَّة على الأدلة والبراهين التي قامت على الإفادة من عدد من المناهج النقديَّة، كان في مقدمتها المنهج الوصفي التحليلي، والمنهج الاستقرائي، ونظرية التلقي والتأثير التي تعتمد على المؤلف والنص والمتلقي، وغيرها من المناهج التي اقتضتها طبيعة دراسة الظواهر الفنيّة والتقنيّة موضوع الدراسة، لقد أوضحت الدراسة أنّ تجارب الشعراء الثلاثة في القضايا المضمونيّة، والفنيّة التي تمت مناقشتها جاءت معبِّرة عن مقدرةٍ شعريّةٍ فذة لدى كلٍّ منهم، وحاولت كل تجربة أن تؤسِّس لذاتها مكانًا في أفق الشعر الأردني خاصة والشعر العربي عامة، في مجال العتبات النصيَّة وتخصيبها بالرؤى والأفكار والدلالات العميقة وفي مجال توظيف المقروء الثقافي في بناء القصيدة، وفي مجال شعريَّة الظلّ وتمثلاته في القصائد، وتمثّل تجربة كل واحد منهم في الظاهرة الفنيَّة أو الشعريَّة التي وقفت عندها الدراسة تجربة شعريّة وإبداعيّة غنيّة لها بنيتها الشكليّة والمضمونيّة، التي تعكس قدرةً فنيّةً لدى كلٍّ منهم تتجلَّى فيها فضاءات أسلوبيّةٍ، وبنًى لغويّة، ورؤًى فكريّة، تجسّدت في نسيج نصوصهم الشعريَّة موضوع الدراسة.
