No Result
View All Result
المشاهدات 21
د. علي أبو الخير
بعد سقوط نظام بشار الأسد، واستلام الحكم من قِبل جماعات معارضة، بل ومتهمة في ماضيها المسلح، تواجه سوريا اليوم عدة تحولات جذريّة، نتيجة أكثر من عشر سنوات من النزاع المسلح والحرب الأهلية، مما خلّف دماراً واسعاً وتهجيراً جماعياً ولجوء الملايين خارج الدولة، وهو أمر يتطلب أعواماً من الإصلاح، ولعل أعقد التحديات التي تواجه سوريا، هي تحديد موقع سوريا كدولةٍ وطنيةٍ، وتحديد هويتها العروبية والتعددية، خاصةً إن المجتمع السوري متعدد الأعراق واللغات، ويجب احترام هذا التنوع الثري، وسوريا تحتاج تحديد هويتها، بين العروبة والتعددية الاجتماعية، وهي الهوية العربية بجوار الهويات الأخرى من الكُرد والسريان والأرمن، وبدون حساسية بين المذاهب الإسلامية، فلا داعي مثلاً للانتقام من الطائفة العلوية بسبب انتساب الأسد الأب والابن، أو بسبب مذهبهم الشيعي. وخلال الاستعداد لإصدار دستور جديد لسوريا الجديدة، نجد بعض التوصيات، حددتها جماعة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” على موقع https://stj-sy.org/ar/ في عشر توصيات، نجد أن أهم ما يمكن أن يحدد هوية سوريا، من واقع المجتمع السوري، ومن منطلق تحديد الرغبة المتجددة لتحقيق مستقبل أفضل لكافة السوريين، يكون الدستور المنتظر، هو الذي يحدد قواعد المستقبل، والذي يؤثر في كافة دول المنطقة، كما يجب أن يُساهم الدستور الجديد في إفشاء السلام الداخلي.
سوريا بين العروبة والتعددية
لا يوجد خِصام بين الهوية العربية والهويات الأخرى داخل سوريا، بل يوجد وصال ووئام تاريخي واجتماعي، نعم سوريا دولة عربية بلغة عربية وحضارة إسلامية، وهويتها الراسخة هوية عروبيّة، وهذا شيء جيد وليس بجديد، ولكن داخل سوريا توجد هويات أخرى مثل الكُرد، وكل هذا في إطار جغرافي مشترك ويشترك الكُرد مع العرب بمشتركات تاريخية وحضارية وإنسانية، بل وعسكرية أيضاً، ومن ثم لابد أن نرى في الدستور المنتظر ما يحقق حراسة التمايز العرقي واللغوي والديني، ولذلك من الضروري أن يعكس الدستور السوري الجديد التنوع السوري الغني؛ لأن التعددية الثقافية والإثنية في سوريا، هي أحد أهم أسس الهوية الوطنية السوريّة، بحيث تضمن اعترافاً واحتراماً بجميع الجماعات الاجتماعية والإثنية، كما يجب أن يتضمن الدستور الاعتراف باللغات الوطنية إلى جانب اللغة العربية، كلغات رسمية مثل الكردية والسريانية، مما يُكرّس حق المجتمعات المختلفة في الحفاظ على هوياتها الثقافية واللغوية. إنّ مثل هذا الاعتراف سوف يعكس التزام الدولة السوريّة الجدّي بالتعددية والمساواة، ويجب أن يعكس الدستور قيم المساواة والعيش المشترك بين كل الشعوب بما في ذلك ضمان تمثيلها في المناهج التعليمية وفي الفضاء العام، وأن يحمي الإرث الثقافي والتاريخي لكل سوريا، باعتباره عنصراً يجمع بين الماضي والحاضر ويُساهم في بناء مستقبل مشترك، بدون تجاهل أي شعب، وليس مثلما حدث من تغيير مناهج التعليم، بدون إجماع وطني وبالتالي لابد من أن يُلزم الدستور الجديد منع تبديل المناهج، أو إجبار غير العرب على دراسة غير تاريخهم، وهذا يقودنا إلى ضرورة أن يفصل الدستور المنتظر بين السلطات الثلاثة، وأن يكون المجلس التشريعي شاملاً كافة طوائف السوريين.
كما يجب أن يكرّس الدستور السوري الجديد حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، بحيث يتم ترسيخها وإعمالها كجزءٍ أساسي من البنية القانونية للدولة، ويجب أن يضمن الدستور الحقوق المدنية والسياسية لجميع المواطنين، بالإضافة للحقوق الثقافية لكل الجماعات، كما يتعين على الدستور السوري الجديد أن يكّرس التزام الدولة الكامل بجميع الاتفاقيات والمعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان، مثل العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز، وعلاوةً على ذلك، يجب أن يتضمن الدستور نصوصًا صريحة تُلزم بتوافق جميع القوانين الوطنية مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ويجب أن يتم تعزيز حماية المواطنين من أي تمييز، سواء كان قائماً على العرق أو الدين أو اللغة، ويجب أن يرسّخ الدستور السوري الجديد مبادئ العدالة الانتقالية كإطار قانوني وأخلاقي يهدف إلى معالجة آثار النزاع، وتحقيق المصالحة الوطنية.
كل هذا يقود سوريا للسلام المجتمعي، وعندها تكون سوريا الجديدة نموذجاً لكافة دول المنطقة، هوية عروبية متعددة اللغات بتعدد الهويات نعم لسوريا كما نحب أن نراها في المستقبل القريب.
No Result
View All Result