روناهي/ الدرباسية – الشهيدة “هيفا عربو”، واحدة من أبرز الشخصيات النسائية التي قدمت تضحيات كبيرة لقضية شعبها الكردي والمقاومة ضد الظلم والاضطهاد؛ حتى استشهدت في سبيل قضيتها، وأكد والد الشهيد هيفا عربو، بأنهم فخورون باستشهادها ومستمرون بالنضال مهما كان الثمن.
ولدت الشهيدة “هيفا عربو”، الاسم الحركي “صالحة فيان”، في قرية دليك التابعة لمدينة الدرباسية بمقاطعة الجزيرة، ونشأت في بيئة مليئة بالظلم والاضطهاد. تحولت إلى رمز للصمود والثبات في وجه الظروف القاسية التي يواجهها شعبها، شاركت في العديد من الفعاليات والنضالات من أجل حقوق شعوب المنطقة، وكانت صوتاً قوياً للضعفاء والمظلومين.
بالرغم من التهديدات والمخاطر التي تعرضت لها، بقيت “هيفا عربو” ملتزمة بقضيتها حتى اللحظة الأخيرة، مما جعلها شهيدةً للإنسانية ورمزاً للمقاومة والثورة الكفاحية ضد ظلامية دولة الاحتلال التركي.
انضمت الشهيدة هيفا عربو إلى صفوف حركة التحرر الكردستانية عام 1997، واستشهدت مع عضو حزب الاتحاد الديمقراطي ديلاور عربو “هوكر درباسية”، في السابع والعشرين من شهر كانون الثاني الماضي في هجوم شنته دولة الاحتلال التركي بطائرة مسيّرة في جنوب كردستان، تاركة إرثاً يتحدث عن شجاعتها وتضحيتها من أجل العدالة والحرية، حيث ألهمت الكثيرين بروحها القوية وإصرارها على المضي قدماً في سبيل الحقيقة والعدالة؛ ما يجعلها مثالاً للنضال والإرادة الحديدية.
الرحلة الوطنية للعائلة
ولمعرفة المزيد عن حياة الشهيدة هيفا، التقت صحيفتنا “روناهي”، والد الشهيدة “عبد الإله عربو”: “تعود أصول عائلتنا إلى باكور كردستان، ويعرف عنا بأننا عائلة وطنية تسعى لتحرير الشعب الكردي من الظلم الواقع عليه من الأنظمة الغاصبة لكردستان، ولذلك، فإننا كنا مشاركين في ثورة الشيخ سعيد بيران في باكور كردستان، ما أدى إلى ملاحقتنا من دولة الاحتلال التركي، فاضطررنا للانتقال إلى إقليم شمال وشرق سوريا، لنكمل نضالنا في سبيل قضية شعبنا بمختلف الأساليب، ومن ضمنها العمل السياسي الذي كنا منخرطين فيه ضمن الحركة السياسية الكردية”.
وأضاف: “أثناء دراسة أخي في مدينة قامشلو، تعرف على أحد المناضلين في صفوف حركة التحرر الكردستانية، والذين كان يطلق عليهم في ذلك الحين اسم “طلبة”، وفي إحدى المرات دعاه أخي لزيارة قريتنا، وكان قيادياً في الحركة في ذلك الحين، ودار بيننا حديث سياسي معمق، وفي تلك الزيارة شرح لنا عن أهداف هذه الحركة ونضالاتها، حيث شرح لنا فكر وفلسفة القائد عبد الله أوجلان بشكل مبسط، والذي يتحدث عن اندلاع الثورة ومراحل تطورها وصولاً إلى انضمام الشعب برمته إلى حرب الشعب الثورية. ونتيجة عدة زيارات أخرى، توصلنا إلى قناعة بأن هذه الحركة هي الوحيدة التي يمكن أن تقدم ما يخدم قضية الشعب الكردي، لذلك بدأنا نقدم لهم مختلف أنواع المساندة والدعم”.
مسيرتها النضالية
وأشار والد الشهيدة هيفا عربو، أنه في بداية عام1991، التقى القائد عبد الله أوجلان جنوبي لبنان، وذلك مع مجموعة من الشبان الوطنيين، وقد أثر فيه القائد بدرجة كبيرة: “لاسيما بعد أن أطلعنا على فلسفة القائد عبد الله أوجلان العميقة وسعة اطلاعه وقدرته على التحليل الدقيق لقضايا المنطقة، وفي نهاية اللقاء معه وعدت القائد بأننا سنكون أنا وعائلتي في صفوف هذه الحركة لطالما كنا أحياء، وبعد ذلك بدأنا بالانخراط بشكل رسمي في صفوف هذه الحركة، وفي تلك الأثناء كانت الشهيدة صالحة تبلغ من العمر ثلاثة أعوام، فحاكت لها والدتها فستاناً من ألوان العلم الكردي، وبدأت منذ مقتبل عمرها بالتحرك بين قرى المنطقة وتعريف أهالي تلك القرى على الرفاق أعضاء هذه الحركة، وفي عام1997، عندما كانت في الصف الثامن، انضمت إلى الحركة بشكل رسمي والتحقت بصفوف الكريلا في جبال كردستان”.
عبد عربو زاد: “لم نعارض انضمامها إلى صفوف حركة التحرر الكردستانية، وقد طلبنا من الرفيقة المسؤولة عنها أن ترافقها في مهماتها، حتى تتعلم منها أصول هذه الحركة وقوانينها وأعمالها، وقد اتفقنا على أن يتم اختبارها مدة ثلاثة أشهر، وبعد ذلك يُقرَر إذا ما كانت ستستكمل التحاقها أم أنها ستعود، ونتيجة لفترة الاختبار تلك، أثبتت الشهيدة صالحة كفاءتها في العمل النضالي، لذلك استكملت نضالها مع رفاقها في جبال كردستان. وقد التقيت معها بعد عدة سنوات، فالتمست ذلك التطور في شخصيتها على المستويات الفكرية والسياسية من خلال مناقشتها القضايا المطروحة آنذاك”.
النضال في جغرافية كردستان
والد الشهيدة هيفا عربو نوّه إلى: “خاضت نضالها على كامل جغرافية كردستان، ومن ضمنها كانت قد استقرت أربع سنوات في روجهلات كردستان، وعلى ما يبدو بأن الشعب الكردي في روجهلات كان قد أحبها كثيراً، فتواصل أحدهم معي قبل عدة أيام ليبارك لي شهادتها، وطلب مني أن أرسل له تسجيلاً صوتياً ليسمعه إلى شعب روجهلات كردستان، حيث أشار إلى أن الشعب هناك تأثر كثيراً بشهادة الشهيدة صالحة، ومن خلال هذا التسجيل سيتم رفع معنوياتهم، وبعد ذلك قال لي إن هذا التسجيل انتشر بشكل كبير بين شعب روجهلات كردستان”.
وأردف: “مع انطلاق ثورة التاسع عشر من تموز في إقليم شمال وشرق سوريا، زارتنا مع مجموعة من الرفاق في المنزل، ومنذ ذلك الحين بدأت نضالها في إقليم شمال وشرق سوريا، وساهمت في تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة الجزيرة، وقد كانت مستشارة ضمن الإدارة الذاتية الديمقراطية لمقاطعة الجزيرة. وبعد ذلك تم تكليفها بخوض النضال بين صفوف النساء في باشور كردستان، وأثناء ذلك النضال، استهدفت دولة الاحتلال التركي السيارة التي كانت تقلهم، ما أدى إلى استشهادها”.
اختتم والد الشهيد هيفا عربو، “عبد الإله عربو”، حديثه: “تلقينا خبر استشهاد الشهيدة صالحة بفخر واعتزاز، حيث أننا على علم مسبق بأن تكلفة النضال في سبيل الحرية ستكون كبيرة، حتى تصل لدرجة تقديم فلذات أكبادنا، إلا أننا مع ذلك أصرينا على خوض هذا النضال، وقد دفعنا هذا الثمن الذي لسنا بنادمين عليه، كما أننا مستمرون في خوضنا هذا النضال حتى تحقيق الحرية والديمقراطية، التي استشهد أبناؤنا وبناتنا في سبيلها”.