الشدادي/ حسام الدخيل ـ تتربع قرية الرشيدية على ضفاف نهر الخابور في منطقة الحسكة، على بعد عشرة كيلومترات شمالي مدينة الشدادي، وهي واحدة من القرى، التي تحمل في طياتها تاريخًا اجتماعيًا واقتصاديًا يعكس هوية منطقة الجزيرة السورية.
أُسِّست قرية الرشيدية عام ١٩٠٠، ولكن جذورها تمتد إلى حقب أقدم، وسُميت القرية بالرشيدية نسبةً إلى فخذ “الرشيد” من عشيرة الهزيم العربية، التي استقرت فيها مع عشيرة القلعيين، ليشكلا معًا نسيجًا اجتماعيًا فريدًا يعتمد على الزراعة وتربية المواشي، لكنه يواجه اليوم تحديات بيئية تهدد استقراره.
من الناعورة إلى الحداثة
وتعود أقدم الشواهد الحضارية في المنطقة إلى ثلاثينات القرن الماضي، مع بناء “ناعورة الرشيدية”، التي كانت تُعدُّ قلب القرية النابض، فقد استخدمت هذه الناعورة، المصنوعة من خشب الصفصاف والأحجار المحلية، لرفع مياه نهر الخابور إلى الأراضي الزراعية عبر قنوات بدائية؛ ما سمح بزراعة القمح والشعير وتأمين الطحين للسكان، حسب كبار السن: “كانت الناعورة تُدار بقوة الدواب، وتُشكل مكانًا للاجتماعات اليومية”، مما يجعلها رمزًا للتراث التقني والاجتماعي.
ومع دخول المضخات الحديثة في سبعينات القرن الماضي، توقفت الناعورة عن العمل، لكنها بقيت شاهدةً على إبداع الأجداد في التعامل مع البيئة.
أما هويتها السكانية، فينتمي إليها أبناء عشيرة الهزيم، وسميت القرية على اسم فخذ الرشيد، الذين كانوا أول من استقر فيها، وقد سكنتها عوائل من عشيرة القلعيين واستقروا فيها، فشكلوا مع عشيرة الهزيم خليطاً اجتماعياً متجانساً.
موارد طبيعية بين الخصب والملوحة
وتعتمد الحياة الاقتصادية في الرشيدية على ثلاث ركائز:
أولاً: الزراعة: حيث تُزرع مساحات شاسعة من الأراضي المحيطة بالنهر بالقمح، والقطن والذرة، بفضل تربة “الجزيرة” الخصبة، فيما تواجه الزراعة تهديدات بسبب تراجع منسوب نهر الخابور، الذي انخفضت تدفقاته بنسبة 100 بالمائة خلال العقد الماضي، بسبب الجفاف وسدود أعالي النهر في تركيا.
ثانياً: تربية المواشي: حيث امتلك كل بيت تقريبًا قطعانًا من الأغنام والماعز، التي تُربى لبيع لحومها وأصوافها، ومع ذلك، أدى شح المياه إلى تقليص أعدادها، حيث قال أحد الرعاة: “كنا نخرج بقطعاننا إلى مراعي تمتد عشرات الكيلومترات، أما اليوم على الأغلب لن تجد رأساً واحداً من الماشية، نتيجة الجفاف بالإضافة إلى جفاف نهر الخابور كلياً”.
ثالثاً: استخراج الملح: وتُعدُّ مملحة الجبسة، الواقعة على بعد 800 متر من القرية، مصدرًا للدخل عبر تبخير المياه المالحة في أحواض طينية لاستخلاص الملح، وعمل عدد لا بأس به من أبناء القرية والقرى المجاورة في عملية استخراج الملح، ولكن بأجور زهيدة لا تسمن ولا تغني من جوع.
التحديات البيئية.. المياه بين الشح والتملح
وتعد أزمة المياه من أبرز المشاكل، التي تواجه القرى الواقعة بالقرب من مملحة الجبسة، حيث تعد المياه الجوفية مالحة جداً ولا تصلح لا للشرب ولا للحيوانات ولا للزراعة، ولا حتى للخدمة المنزلية؛ ما زاد من معاناة أهالي القرية وخاصة بعد جفاف نهر الخابور، حيث يضطر سكان القرية لشراء مياه الشرب من الصهاريج بأسعار مرتفعة، فقد وصل سعر المتر المكعب الواحد من المياه بمبلغ يتراوح بين ٧٠ إلى ١٠٠ ألف ليرة سورية، الأمر الذي أثقل كاهل السكان المحليين، وخاصةً مع غياب الدعم الحكومي لهم، وعدم توجيه المنظمات الإنسانية للقرى التي تقع شرقي نهر الخابور وتأثرت بوجود المالحة.
آفاق المستقبل.. هل تنجو القرية من التحولات؟