سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

مشاركات أساسيات…لا متفرجات

لينا بركات –

عانت المرأة طيلة تاريخها نوعاً من التمييز النوعي على مدى عدة قرون، مما أعاق انخراطها في عملية التنمية وقطاعات العمل المختلفة حتى وقت قريب، كونها كانت أداة لإنجاب الأطفال تعجز عن مواكبة الحياة أو العمل المنتج في الميدان الاقتصادي أو الإبداع الثقافي في الميدان الاجتماعي.
وليس للعملية التحررية والحضارية التي ينبغي علينا العمل في صلبها غير أن نعطي للمرأة دوراً أكبر مما نعطيه لها الآن، حيث أن المرأة لا تعني مجرد نصف المجتمع بل هي أساس الإنسانية، وإن تم ربطها بالتحول الديمقراطي والتحرر فسوف يعني ذلك التغيير الجذري لكل بنيات المجتمع بكافة أولوياته وتفاعلاته.
إن الواقع في منطقة الشرق الأوسط يحمل في طياته الكثير من أشكال قهر الإنسان: في هويته وفي أرضه وقوميته وفي استقلال بلاده وحريتها وفي كرامته أخيراً كمواطن وحريته في الفكر والعيش والعمل. ويشاركه في تحمّل هذه الأعباء جميعا وأكثر المرأة، التي تلعب دوراً مزدوجا فهي تتعرض لشكل معقد من القهر، ذلك الذي يقع على الرجل مباشرة والآخر الذي يقهرها به الرجل من انعكاسات القهر الواقع عليه أيضاً.
إن المطلب الحقوقي النسوي في مجتمع لا زال يعاني من القهر هو مبحث ضائع. فالمجتمع الذي يفتقر إلى العدالة والمساواة وأحياناً إلى شتى أشكال الحرية والديمقراطية سوف يعجز عن تلبية المطالب النسوية العادلة في التحرر وممارسة الحقوق الاجتماعية التي هي رهن أصلا بتحرر الرجل وانعتاقه هو أيضاً عن كل واقع التخلف بكل رموزه الإنتاجية والثقافية.
لكن مكانة المرأة هنا ليست فريدة في مثل هذا القهر، فالنساء على مستوى مناطق كثيرة جداً من العالم هنَ الفريق المغبون وتعترض المعوقات سبيلهن بغلبة التقاليد العريقة وفقدان التمويل لتحسين الأوضاع مع ضياع الإرادة السياسية التي يمكن لها أن تقوم بعملية تغيير الأوضاع في مجال التنمية والمساواة على الأقل.
إن نسبة كبيرة من النساء تنشغل لفترة طويلة من حياتهن في الإنجاب حيث أن مستوى الإنجاب لدى المرأة في المنطقة يعتبر من أعلى معدلات الإخصاب في العالم أجمع، أي أن المرأة عموما منهكة في النشاط المنزلي والمسؤوليات العائلية الناجمة عن وضعية الزواج والإنجاب التي تستمر لفترة طويلة من حياتهن.
إن مشكلة المرأة لا تخص المرأة وحدها، بل هي قضية مركزية اجتماعية يكمن سببها التهميش وانعدام المشاركة الجدية. ومن واجب المرأة المشاركة في بناء الديمقراطية المبنية على أساس احترام الفرد وقيمة الإنسان مهما كان نوعه. لكن يجب على هذه المرأة أن تتخلص من ازدواجية: العمل كالرجال والمجتمع التقليدي الذي يطالبها بعدم التقصير في مهام المنزل والأولاد.
إن التعليم ليس هدفاً والعمل ليس هدفاً في حد ذاته، فهما وسيلتان لِتكتشف بهما المرأة نفسها وتقدر ذاتها وتفرض هذا الاحترام على المجتمع. إن العمل والعلم وسيلتان للاحترام المتبادل بحيث تتغير العلاقات الاجتماعية ولا تتصرف المرأة وكأنها بحاجة إلى الوصاية على أساس الحق لا على سبيل المنة. وذلك هو ما يجعلنا في القرن الحالي مشاركين أساسيين لا على هامشه كمتفرجين.