حنان عثمان
تتصاعد يوماً بعد يوم، الحوادث التي تسلّط الضوء على التحدّيات التي تواجه النساء في المجتمعات، خصوصاً اللواتي اخترن التميّز والريادة في مجالاتهن المختلفة. مأساة العثور على جثمان الدكتورة “رشا ناصر العلي”، الكاتبة والناقدة والأديبة السورية المعروفة، مقطوعة الأصابع، مقتولةً على يد مجموعة مسلحة إرهابية في مدينة حمص، أثناء توجهها إلى عملها كأستاذة جامعية، إذ يمثل هذا المشهد صورة قاتمة لما تواجهه النساء من عنف وقمع، لا لشيء سوى بسبب شجاعتهن ورأيهن أو تحديهن للواقع.
تتعرض النساء المثقفات والرياديات لأنواع متعددة من العنف، بدءاً من التهديد والتشهير، وصولاً إلى الاستهداف الجسدي والقتل والتنكيل، إن الهدف الواضح من هذه الأفعال هو كتم أصواتهن وإخضاعهن لدائرة الصمت المفروضة على المرأة في كثير من الدول، خصوصاً تلك التي تنظر إلى التعبير الحر كتهديد لنظامها السلطوي أو الفكري.
إن العثور على جثمان الدكتورة “رشا العلي” بهذه الطريقة الوحشية -مقطوعة الأصابع – ليس مجرد جريمة عادية، بل هو رسالة تعكس رغبة القتلة في زرع الخوف في قلوب كل من يتجرأ على الكتابة النقدية، فالأصابع التي كانت تكتب بها الأبحاث، وتخطط بها لمستقبل أفضل، كانت تمثل تهديداً للبعض ممن يرون في فكر المرأة وريادتها خطراً على مصالحهم أو معتقداتهم.
ليست هذه الصورة القاتمة جديدة علينا، نحن النساء، فما تزال صورة التنكيل الوحشي بالريادية السياسية الكردية “هفرين خلف”، الأمين العام لحزب سوريا المستقبل، ماثلة أمام أعيننا، وحية في ذاكرتنا، وهناك العشرات أمثالها من الرياديات الكرديات والعربيات، ممّن نُكِّلَ بهنّ وتم قتلهن، فقط لأنّهن يرسمن مستقبل شعبهن، بل وشعوب المنطقة جمعاء.
إنّ مثل هذه الجرائم لا تنفصل عن سياق أوسع من قمع الحريات في السلطات التي تسعى فيها القوى الرجعية والظلامية إلى إسكات الأصوات التي تطالب بالإصلاح والتغيير، النساء بشكل خاص، وبخاصة الرياديات منهن، يتعرضن لضغوط اجتماعية ونفسية متزايدة، وفي بعض الأحيان يواجهن عنفاً مميتاً، يُنفذ لإسكاتهن أو لإرسال رسائل تهديد لكل من يفكر في السير على نفس النهج.
إلّا إن هذا الاستهداف، رغم قسوته، لم ولن يوقف صوت النساء. فالعديد من الرياديات قدمن تضحيات كبيرة لتبقى كلمتهن حاضرة، وأصبح نضالهن مصدر إلهام لجيل جديد من النساء اللواتي أدركن أن مواجهة الظلم تتطلب الإصرار والشجاعة. إن تحقيق العدالة للدكتورة رشا ولكل من سبقها ممن دفعن أرواحهن ثمناً لشجاعتهن ليس مجرد مطلب، بل هو مسؤولية أخلاقية تقع على عاتق الجميع. فإذا لم تتحقق العدالة في مثل هذه القضايا، فإنها ستظل وصمة عار على جبين الإنسانية، وستكون بمثابة رسالة مفادها بأن القمع والعنف يمكن أن ينتصرا على الحرية والإبداع، وهذا ما يخالف روح التاريخ والطبيعة الإنسانية.
وعليه، يجب أن نقف جميعاً ضد هذه الجرائم، وأن نطالب بحماية النساء عموماً والمثقفات والرياديات والفاعلات خصوصاً في كل مكان. فصوت المرأة ليس تهديداً للمجتمع، ولا هو عورة، بل إنّه مفتاح النهوض بالمجتمعات. قد يطفئ القمع نوراً هنا أو هناك، لكنّه لن يوقف شروق شمس التغيير.