دجوار أحمد آغا
لا يمكن لأي شعب في العالم أن ينتصر وينال حقوقه المشروعة دون نضال، قال الشيخ الشهيد محمد معشوق الخزنوي 1958 ـ 2005: “إن الحقوق لا يتصدّق بها أحد، إنما الحقوق تُؤخذ بالقوة”، والكرد هم من الشعوب، الذين لم يحصلوا على حقوقهم المشروعة إسوة بشعوب العالم في العيش بحرية وكرامة فوق تراب وطنهم الأم كردستان.
من أجل الوصول إلى هذه الحقوق المشروعة، وهذا الهدف الأسمى لدى أبناء الشعب الكردي، اندلعت الكثير من الثورات والانتقاضات في مختلف أجزاء الوطن الجريح والمقسّم إلى عدة أجزاء وملحق بالعديد من الدول، فلم يتوقف الشعب عن المطالبة بحقوقه والنضال من أجلها بالوسائل المتاحة بما فيها الكفاح المسلح، ونضال حزب العمال الكردستاني الذي بدأ في 27/11 /1978 لم يتوقف حتى الآن، وهو يكافح ويناضل بمختلف الوسائل (السياسية، الثقافية، الدبلوماسية، والعسكرية)، ففي هذه المقالة نتحدث عن واحدة من رائدات مقاومة حركة حرية كردستان والنضال الكردي العريق، الشهيدة “فيان صوران”.
عشيرة الجاف الكردية
وتُعّد عشيرة الجاف كبرى العشائر الكردية التي تتمركز في موطنها الأصلي في روجهلات “جوانرود”، وقد عبر طاهر بك مع 400 أسرة من الجاف نهر سيروان، وسكنوا في الضفة الغربية في موقع دربندخان في باشور كردستان، وتتفرع منها العديد من الفروع الرئيسية مثل “الكلالي، الهاورني، زردوئي، بيرة، ضياء الدين” وغيرها، والجاف لم تكن مجرد عشيرة كردية كبيرة فحسب، بل كانت عبارة عن اتحاد قبلي يضم الكثير من العشائر والقبائل والأفخاذ، حتى أن البعض منهم كانوا من معتقدي عقيدة اليارسان، وقد حافظت هذه العشيرة على تماسكها، وكانت دوماً تستمع لرأي زعمائها البكزادة.
ووصف الكثير من المستشرقين الذين زاروا كردستان للاستكشاف، فسيسل أدموندز 1889 / 1979 فقد وصف أبناء عشيرة الجاف بالكرد الأصلاء، وأنهم أعظم قبيلة في باشور كردستان، فيما أشار باسل نيكيتين 1885 / 1960 أن الجاف هم الكرد المشهورون بصيتهم وشجاعتهم، أما الميجر سون 1881 / 1923 فقد ذكر في كتبه التي ألفها عن الكرد وكردستان بأن الجاف قد احتفظوا بوحدتهم وتماسكهم وإدارتهم الشبه مستقلة في مناطق تمتد من قزلرباط جنوباً وصولاً إلى بنجوين شمالاً في باشور كردستان، المستر كلوديس ريج سنة 1820 الذي أبدى أعجابه الشديد بطبيعة حياتهم وهيبتهم وحرية نسائهم الواضحة للعيان، وحسن استقبالهم الضيوف، كما أثنى على أميرهم وقتها كيخسرو بك الذي كان عنده ألفا فارس وأربعة آلاف مقاتل مشاة، في حين كان عدد أسر الجاف تتراوح بين عشر إلى اثني عشرة ألف أسرة.
من هي فيان صوران..؟
وكانت ابنة عشيرة الجاف الكردية العريقة والأصيلة، (ليلى والي حسين) المولودة في السليمانية، تلك المدينة الكردستانية الجميلة، خلّدت اسمها في تاريخ الكرد المعاصر تحت اسم “فيان صوران”.
ولدت فيان في العام 1981 لعائلة اقطاعية ذات عقلية قبلية، أكملت دراستها الابتدائية في مدرسة “هاورمان” والإعدادية في مدرسة “بيمان” في مدينة السليمانية، فقد أحبت الدراسة والمدرسة كثيراً مما أكسبها حب المعلمين ورفاقها على حد سواء، فيما عانت الأمرين في رحلة بحثها عن الحقيقة المتمثلة بالحرية، وخاصةً أنها عاشت في زمن كان المجتمع الكردي يعاني من أزمات عميقة ولا يعطي أية أهمية لحقوق المرأة، وهذه الأزمات والمشاكل التي كان يعاني منها المجتمع الكردي في باشور كردستان على وجه الخصوص دفع الشهيدة فيان إلى البحث المستفيض عن إجابات وحلول لهذه المشاكل والأزمات، ولكن دون جدوى.
الالتحاق بحركة الحرية
وتعرّفت فيان على حركة حرية كردستان وعلى فكر وفلسفة القائد “عبد الله أوجلان”، ورأت فيها طريق الحرية والوصول إلى الحلول التي كانت تبحث عنها، وفي ربيع 1997 انضمت بشكل رسمي إلى الحركة، لم يدم بقاؤها طويلاً، إذ طلبت من الحركة أن تتوجه الى جبال كردستان الشماء لتشارك في مقارعة الأعداء، فيما طالبت عائلتها من الحركة آنذاك بإعادتها كونها كانت ترفض مشاركة المرأة في القتال، وكررت طلبها أكثر من مرة، لذا أعادت قيادة الحركة الشهيدة فيان إلى عائلتها مرتين، لكنها رفضت ذلك وأصرّت إلى للانضمام إلى صفوف الكريلا لأنها شعرت بذاتها الحرة هناك بين الرفيقات والرفاق، كيف لا وهي التي قالت: إن “فلسفة القائد عبدالله أوجلان هي التي تنير ظلام الليل الدامس”، وكثيراً ما كانت تردد بأنها كلما تعمّقت في القراءة، ازدادت إشراقاً وشعرت بكل مآسي الشعب الكردي والمرأة الكردية بعمق أكثر.
كفاحها ونضالها الدؤوب
ومنذ اللحظة الأولى التي قررت فيها الشهيدة “فيان” الانضمام إلى صفوف حركة حرية كردستان، وهي تعمل بفعالية ونشاط كبيرين من أجل تقوية نفسها وتدريباتها الفكرية والعسكرية على حد سواء، فكانت متواضعة وجريئة بالوقت نفسه، وكانت تعشق الدبكة الكردية، كما أنها تميّزت بابتسامتها الدائمة والمفعمة بالتفاؤل، وقد أولت أهمية كبيرة لدور المرأة في مختلف مجالات الكفاح والنضال، وشاركت في النشاطات، التي كانت تقيمها حركة الحرية في مكان تواجدها.
وقد أصبحت فيان صوران مقاتلة صلبة ذات شخصية قيادية قوية، فاكتسبت قوة شخصيتها من قوة فكرها المستند إلى فلسفة القائد العظيم “عبد الله أوجلان”، خاصةً في مجال حرية المرأة، لذا فقد اختارها القائد مع 11 شخصاً من أجل إعادة تأسيس حزب العمال الكردستاني عام 2004 في مواجهة التصفويين، وقد اكتسبت صفة قيادية في وحدات المرأة الحرة YJA – STAR ، وساهمت في انضمام الكثير من شباب وشابات باشور كردستان إلى صفوف الثورة، وكانت تقول: “إن هؤلاء المقاتلين الجدد مثل العجينة، يمكن تشكيلهم بأي شكل كان ولكن بشرط أي يتحلوا بالإرادة القوية”.
الاستشهاد والخلود
وكنوع من الرد على المؤامرة الكونية المستمرة بحق القائد “عبد الله أوجلان” من خلال العزلة المشدّدة المفروضة عليه في معتقل جزيرة إمرالي، قامت الشهيدة “فيان” بعملية فدائية، فقامت بإشعال النار في جسدها الطاهر في منطقة “حفتانين” بجنوب كردستان.
وقد أيقظ استشهاد فيان صوران، الكثير ممن كانوا في نوم عميق ولا ينتبهون لما يدور من حولهم من مؤامرات ودسائس من أجل القضاء على الكرد، وبشكل نهائي عبر إنهاء وجود القائد “عبد الله أوجلان”، من خلال الاستمرار في المؤامرة الكونية، التي بدأت في العاشر من تشرين الأول 1998 وانتهت مرحلتها الأولى في 15 شباط 1999 لدى تسليم دولة الاحتلال التركي القائد “عبد الله أوجلان”، ووضعه في معتقل جزيرة إمرالي. فالنار التي اشتعلت بجسد الشهيدة “فيان صوران”، جعلتها شعلة لحرية خالدة، ومتقدة دوماً في ذاكرة الشعوب المناضلة من أجل الحرية والسلام وليس فقط الشعب الكردي، وقد أطلقت المئات من النساء الكرديات في مختلف أجزاء الوطن المقسم اسم “فيان” على مولوداتهن في إشارة واضحة إلى أن فيان لم تمت وإن استشهدت فيان فهناك المئات والآلاف من فيان صوران.