عبد الرحمن محمد
في ظل الصراع المتنامي في ساحات كثيرة في هذا العالم الواسع، والذي يراه البعض صغيرا وضيقا لسعة أطماعهم وضيق آفاقهم الفكرية، تتعاظم وتكبر الصراعات ليس من أجل البقاء، بل لأجل توسيع دوائر النفوذ والسيطرة، ويصبح تطوير الذات والاهتمام بميادين الثقافة والأدب والفن أمرا ثانويا للأسف إن لم يصبح في عداد الأمور الهامشية.
من هنا تأتي أهمية الفعاليات الثقافية والأدبية والفنية، ومن أبرز هذه الفعاليات يأتي معرض القاهرة الدولي للكتاب، والذي افتتح قبل أيام دورته السادسة والخمسين، وهو المعرض الأبرز على مستوى الشرق الأوسط، والثاني على مستوى العالم من حيث الأهمية بعد معرض فرانكفورت، حيث يشارك في المعرض نحو 1345 ناشرا من 80 دولة، و600 فعالية ثقافية ترفيهية.
وتعدُّ المشاركة في مثل هذا المعرض فرصة ثمينة وهامة لكل ناشر وكاتب، ومن بين المشاركات كانت مشاركة نسائية متميزة لأديبتين سوريتين، وهما الأديبة الشاعرة والناقدة ريما آل كلزلي المقيمة في السعودية، والأديبة والشاعرة فيروز مخول المقيمة في السويد.
تألقت الكاتبة والشاعرة والناقدة ريما آل كلزلي بحضورها الأدبي اللافت في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025، ومشاركتها بعملين أدبيين يعكسان عمق تجربتها الإبداعية، وتنوع اهتماماتها الفكرية. ريما، التي تتميز بأسلوبها المتفرد وقدرتها على تناول القضايا الإنسانية والاجتماعية بلغة أدبية راقية، قدمت لجمهورها إضافة نوعية من خلال إصداراتها المميزة التي تبرز مكانتها كواحدة من الأصوات الأدبية النسائية المؤثرة، في رواية “شموس الطين” التي تقول عنها: “تسلط الرواية الضوء على قضايا إنسانية تخص اللاجئين العرب عموما والسوريين والكرد خصوصا من خلال حبكة درامية متقنة، وشخصيات نابضة بالحياة. تُظهر الرواية قدرة ريما على الغوص في أعماق النفس البشرية، مستعرضةً صراعاتها وآمالها بأسلوب سردي يشد القارئ منذ البداية وحتى النهاية، وتطرح تساؤلات مُلهمة لفهم الواقع والتعبير عما يجول في خواطر النفس الإنسانية بشكل أفضل”.
أما مشاركتها الثانية فقد قدمت مجموعة نصوص نثرية بعنوان “في ظلال النور” كعمل عمل أدبي مليء بالتأملات العميقة والنصوص النثرية التي تجمع بين جمال اللغة وعمق المعاني. يعكس الكتاب روح الشاعرة المرهفة التي تطمح إلى إيصال رسائل إنسانية تمس القلوب وتُلهم الأرواح.
عن التجربة الأدبية لريما آل كلزلي، يمكننا القول: إن ريما ليست فقط شاعرة وروائية، بل أيضًا ناقدة أدبية تمتلك رؤية تحليلية متميزة. لقد ساهمت أعمالها النقدية في إثراء الساحة الأدبية بتقديم قراءات معمقة للأعمال الأدبية المختلفة، مما يبرز قدرتها على فهم النصوص وتحليلها من زوايا متعددة. تجمع ريما في مسيرتها بين الإبداع الأدبي والنقد؛ ما يمنحها حضورًا شاملاً في المشهد الثقافي.
والتي توصل رسالتها الأدبية التي تسعى من خلال أعمالها إلى ملامسة قضايا الإنسان والمجتمع، مع التركيز على جوانب الأمل والنور رغم ما قد تحمله الحياة من تحديات. أعمالها ليست مجرد نصوص أدبية، بل دعوة للتأمل والتغيير.
المشاركة الأخرى اللافتة في المعرض هي مشاركة الأديبة السورية المغتربة في السويد فيروز مخول والتي تشير إلى أهمية المشاركة في مثل هذا المعرض بداية:
“يعد صدور كتاب لمؤلف بمثابة فرحة خاصة، لا تضاهيها أية فرحة، ومشاركته بإصداره في معرض القاهرة الدولي للكتاب تتويج للفرحة، من هنا جاءت مشاركتي بديوانين في الدورة السادسة والخمسين من معرض القاهرة الدولي للكتاب، والديوانان هما، “المرأة التي أسكنها” و”تلك النوارس أخبرتني”، وصدرا عن المصرية المغربية للنشر والتوزيع”.
وعن كتابها “المرأة التي أسكنها” كتب الكاتب والناقد السوري عبد الوهاب بيراني “في هذا الكتاب/المرأة التي أسكنها/ نقرأ للأديبة السورية فيروز مخول نصوصاً امتلكت العمق، والبؤرة المحورية التي اعتمدت تيمة /المرأة -الوطن/ حيث الوطن الذي تسكنه ويسكنها في الغربة، ومشاعر الأنثى بكل ما تمتلك من دفء وقدرة على لملمة التصدع في لغة الحب وحرية الحلم، فيغدو الحلم آلية دفاعية ورغبة ممكنة على أرض الواقع، في بنية نصية تكثف الصور وتعمل على تحررها من الكبت وتصعيد الفكرة دراميا نحو آفاق الانعتاق”.
وتعد فيروز مخول من المبدعات العربيات الفاعلة في المهجر، وهي واحدة من أهم كاتبات قصيدة النثر العربية، كما أنها تشرف على العديد من الأنشطة الثقافية بالسويد منذ استقرارها هناك في منتدى الثقافة العربي، والتي عقدت وناقشت فيه العديد من الفعاليات الثقافية.
وتجربة فيروز مخول تجربة متميزة في كتابة قصيدة النثر كما تكتب الشعر العمودي وعن خصوصية معرض القاهرة الدولي للكتاب تضيف فيروز مخول: “معرض القاهرة الدولي للكتاب هو أقدم وأكبر معارض الكتاب في الشرق الأوسط، وثاني أكبر معرض بعد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب. حيث يعد محفلاً دولياً للكتاب والفعاليات الثقافية منذ إقامته عام ٦٩ ١٩ تجتمع فيه الأطياف والأفكار ليس في مصر والوطن العربي فقط، بل على مستوي العالم وقد شهد مشاركات مبدعين من دول عربية وأوروبية. وتواجد خمسة وسبعين شاعرًا وشاعرة من شتى أنحاء العالم، إضافة إلى مائتي شاعر من مصر يمثلون التيارات الشعرية والأقاليم كافة”.
الأديبة فيروز مخول أضافت: “تتيح هذه المشاركات الفرصة للتعرف على أحدث الإصدارات الأدبية والفكرية من مختلف الثقافات، وتعزز التبادل الثقافي والمعرفي بين الدول. كما تسهم في فتح آفاق جديدة للتعاون بين الناشرين والكتاب والمثقفين من مختلف أنحاء العالم”.