أسعد العبادي
بعد أن اجتمعت المجموعات المُسلحة في دمشق، وانعقاد مؤتمرها تحت عنوان “مؤتمر النصر”، وفي قرار صادر عن المؤتمر يهدف إلى استعادة الاستقرار في سوريا ومعالجة التحديات السياسية، الاقتصادية، ومنها التحدي الأمني المتفاقم، تم “تعيين” أحمد الشرع رئيساً انتقالياً لسوريا في مشهدٍ غابت عنه قوى ومكونات الشعب السوري الأخرى.
يأتي هذا القرار في ظلِّ أوضاعٍ مُعقدة تتطلب حلولاً جذرية لضمان الأمن وتحقيق التوافق الوطني، وبما أن هذا المؤتمر انعقد تحت عنوان “التغييرات الجوهرية” بعد اجتماع موسّع لقياداتٍ سياسية وعسكرية، فقد أُعلن عن تعيين الشرع رئيساً انتقالياً لسوريا، بهدف قيادة المرحلة المقبلة التي ستشهد تغييرات جوهرية في بنية الدولة في غياب ممثلي الشعب السوري الآخرين، وتحت مظلة هيئة تحرير الشام التي تشكلت منها الحكومة الانتقالية، إلا أن الذي حصل هو صدور “قرارات”، وإن هذه القرارات التي أصدرها المؤتمر تحتاج إلى قرارٍ برلماني وتصويتٍ من قِبل الشعب!
إذ شملت هذه القرارات حل البرلمان السابق، تشكيل مجلس تشريعي جديد، إلغاء دستور عام 2012 وتعديلاته وملحقاته، كما تم حل مجمل المؤسسات العسكرية والأمنية، وإعادة هيكلتها لتتماشى مع متطلبات المرحلة الانتقالية، وفقاً لصحيفة “الجارديان البريطانية”.
وفي خطوةٍ أخرى (لتعزيز) الأمن الوطني، صدر قرار بدمج جميع المجموعات المسلحة في الجيش الوطني الجديد وفي غيابٍ واضحٍ لقوات “قسد”، وقوات أخرى مدعومة من تركيا، تم ذلك بحجة ضمان تحقيق استقرار أمني شامل ومنع الفوضى…!!!
في هذا الصدد صرّح الشرع؛ بأن الأولويات الحالية تتمثل في “إرساء الأمن، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وضمان انتقال سياسي سلس”، وإن القرارات شملت إعادة هيكلة المؤسسات وشملت التغييرات السياسية مختلف المؤسسات، حيث تم تعيين شخصيات (وطنية) في مناصب حكومية وإدارية حيوية لضمان تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار. وعلى الرغم من تعهد الحكومة المؤقتة بإجراء انتخابات في غضون أربع سنوات وإعادة صياغة الدستور خلال ثلاث سنوات وهي فترة طويلة نسبياً.
إذ إن التحديات الأمنية والسياسية ستبقى قائمة لحين تشريع الدستور من قبل برلمان مُنتخب يتمثل فيه جميع السوريين بدون تهميش أو تمييز.
اجتمع الشرع؛ مع المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، لبحث آليات دعم الاستقرار ونيل اعتراف دولي بالحكومة الانتقالية، كما تسعى الحكومة إلى عقدِ مؤتمر للحوار الوطني لتعزيز المصالحة الداخلية، إلا أن هذا المؤتمر تم تأجيله عدة مرات بسبب الأوضاع الأمنية في الساحل السوري ومناطق سوريّة عدة منها حمص، والسويداء وأماكن تواجد (الشعوب الأخرى) التي باتت تشعر بالقلق في غياب ثقافة المواطنة المتساوية وتغليب ثقافة اللون الواحد والتطرف الديني.
هناك قضايا معقدة تنتظر الحكومة المؤقتة بقيادة الشرع، وإحدى القضايا الأكثر تعقيداً تكمن في إنهاء حالة الانقسام العسكري، حيث تم اتخاذ خطوات لدمج المجموعات المسلحة تحت مظلة الجيش الوطني الجديد، وغفلت إدارة هيئة تحرير الشام عن مدى أهمية قوات سوريا الديمقراطية في بناء سوريا، فهي تتمتع ببنية تنظيمية حديثة وحررت سائر المناطق المحتلة من داعش وسائر المجموعات المرتزقة الموالية لدولة الاحتلال التركي.
إن سقوط النظام السابق ترك وراءه كميات كبيرة من الأسلحة المنتشرة في أنحاء البلاد، وهو ما يستلزم ضبطها وإدارتها لضمان عدم وقوعها في أيدي جماعات غير منضبطة، كما تسعى الحكومة إلى فرض سيطرتها الكاملة على المؤسسات الأمنية والعسكرية لضمان حماية البلاد من أي تهديدات داخلية أو خارجية، هذا ما يوحي به إعلام العهد الجديد وهو الأمر الذي لا يجد فيه المتابع للأحداث، أي فرصة للتحقق بسبب افتقاره إلى دعم الشعوب السوريّة وممثليها الشرعيين.
هناك تداعيات إقليمية ودولية تراقب المشهد السوري بحذرٍ، خصوصاً مع محاولات الحكومة الانتقالية تأمين دعم دولي يساعد على إعادة بناء الدولة، وفي هذا الصدد فقد شملت الجولات الدبلوماسية للحكومة زياراتٍ إلى السعودية وتركيا، في مسعى لتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي وضمان اعتراف دولي بالحكومة الجديدة. وعلى الصعيد الداخلي، تفاوض الحكومة مع قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من مكونات الشعب السوري في شمال وشرق سوريا، التي تُدير مناطق واسعة من شمال شرق البلاد، إلا أن هذه المفاوضات معقدة بسبب مطالبة قوات قسد بالحفاظ على استقلالية عسكريّة، وهو أمر ترفضه الحكومة الانتقالية التي تسعى إلى توحيد جميع القوى العسكرية تحت قيادة موحدة.
وتتصدى قوات سوريا الديمقراطية لهجمات مرتزقة الجيش الوطني التابع للمحتل التركي، فضلاً عن الانتهاكات التي تقوم بها تركيا بحق شعوب شمال وشرق سوريا “روج آفا” وقصفها بالطيران والمدفعية لمناطقهم.
