الدرباسية/ نيرودا كرد – في عالمٍ مليء بالكلمات العذبة والأحاسيس العميقة، يتجول الشاعر كالفارس الوحيد بين أفق الشعر وسطور الحياة. تتلاعب قصائده بأوتار القلوب، ترسم لوحات من المشاعر والأحلام، تتغنى بالثورة وتستفيض بالحب. إنه الشاعر الذي أحب الحياة وعانى منها، الذي خلق من حروفه عالمًا ينبض بالجمال والعمق.
تنطلق قافية الشعر كفجر جديد في حياة الشاعر، تتسلل كلماتها إلى أعماق الوجدان، تشكل من رماد الفرح والحزن قصيدة جميلة تروي حكاية الحياة. يعيش الشاعر بين كلماته، يتنقل بين مشاعره بحروف من السخاء والجمال.
تتراقص ذكريات الشاعر وأفكاره في رقصة حميمية على أوتار القصيدة، ينثر جواهر العاطفة والشجن في كل بيت، يصيغ الحب بروح الشاعر ويخرج الحزن بحنجرة الشاعر. في عدستنا اليوم، نلتقط لحظات من حياة هذا الفنان، نسلط الضوء على رحلته بين ضفاف الكلمات وغيوم الإلهام.
قد يمر الزمن وتنسى ألحان الغروب وقصائد الفجر، لكن يبقى الشاعر واقفًا كالصخرة في عاصفة الحياة. يحمل قلبه المرهف وروحه الخلاقة، يخلق الصمت سلامًا والكلام شعرًا. حياة الشاعر تعلمنا الكثير عن الجمال والألم، عن العشق والثورة، عن قدرة الكلمة على تحويل الحياة أبيات شعرية تحتضن أعماق الإنسان.
استلهام الشعر من وحي الثورة
سليمان حج رشيد، ابن قرية تورات التابعة لمدينة الدرباسية، ذو الستين عاما، شاعر من الشعراء الذين كانت لحركة التحرر الكردستانية تأثيرا في شعرهم. التقت صحيفتنا الشاعر سليمان حج رشيد للحديث عن تجربته في عالم الشعر، فحدثنا عن البدايات وعوالمها: “بدأت بكتابة الشعر عام 1984، وقد بدأت من خلال قراءة كتب ودواوين الشاعر الراحل جكر خوين، كما أنني كنت أكتشف شيئا فشيئاً، بأنني أميل داخليا إلى كتابة الشعر، حيث أن الشعر والأدب بشكل عام، لا يمكن أن يكتسبا من خلال التعلم فقط، بل إنهما فطرة يحملها الإنسان معه منذ ولادته، وما المتابعة والتدريب إلا وسائل لصقل هذه الموهبة، وهذا يتطلب جهدا كبيرا يجب أن يبذله الفنان والأديب”.
حج رشيد أشار إلى تأثره العميق بفكر وأدبيات حركة التحرر الكردستانية: “ترافق شغفي بالشعر وميولي إليه مع بروز حركة التحرر الكردستانية، وما شجعني أكثر هو أن قريتنا منذ بدايتها هي حاضنة شعبية لحركة التحرر الكردستانية، فبدأت أُجذَب أكثر فأكثر إلى الشعر الثوري، وقد تناولت من خلاله قضية شعبي والظلم الذي وقع عليها منذ قرون بعيدة، إلى جانب الأنماط الأخرى من الشعر، وفي هذا الإطار، كنت أقدم أشعاري في حفلات النوروز التي تقام في مناطقنا، الأمر الذي جعلني عرضة للاعتقال من الأجهزة الأمنية البعثية لأكثر من مرة، وفي كل مرة كنت أبقى قيد الاعتقال شهوراً طويلة، وكل ذلك في سبيل تراجعي عن هذا النهج، إلا أنني لن أتراجع في أي يوم وتحت أي ظرف كان”.
ديوانان بانتظار النشر
وتابع حديثه عن تأثره بالشاعر خالد جكر خوين ونتاجه الشعري: “كنت قد بدأت الشعر بأسلوب مقارب لأسلوب الشاعر جكر خوين، إلا أن قصائدي كلها، والتي يبلغ عددها اليوم ما يقرب من 300 قصيدة، هي من نتاجي، وليست من قصائد غيري، وقد بقيت على هذا الأسلوب حتى كتبت ديواني الأول عام 1986، أما الديوان الثاني، والذي أنجزته عام 1991، فحرصت على أن أبرز فيه أسلوبي الخاص في كتابة القصائد، فابتعدت عن أسلوب الشاعر الكبير جكر خوين. ولكن؛ مع الأسف الأوضاع التي تحيط بنا شكلت عائقا أمام طباعة دواويني، وهي حتى الأن لم تُنشر. إضافة إلى بعض القصائد التي لا أزال أكتبها، والتي أنوي البدء بها بديوان ثالث، ولكن طباعة ونشر هذه الدواوين مرهون بالظرف العام الذي نمر به”.
الشعر يعيدنا إلى حقيقتنا، هكذا يرى الشاعر سليمان حج رشيد جوهر الشعر: “لقد عاد الشعر عليَّ بفائدتين أساسيتين، الأولى ثورية، والثانية عاطفية، فعند إلقاء القصائد العاطفية يشعر الشاعر بالحيوية والنشاط دائما، وأرى أنه يبتعد أكثر عن الشيخوخة ومتاعب الحياة، أما الفائدة الثورية، فهي عندما جعلني الشعر أقرب إلى حقيقة شعبي، والمظالم التي تعرض لها، أي أن هذه القصائد الثورية كانت وسيلتي لشق طريقي في النضال الثوري والدفاع عن حقوق شعبي، وهي وسيلة تجعل المرء أكثر استعدادا للدفاع والتضحية في سبيل شعبه وقضيته. وأيضا من خلال هذه القصائد الثورية نحيي ذكرى شهدائنا الذين ضحوا في سبيلنا وفي سبيل قضيتنا”.