قامشلو/ فريدة عمر – أكدت الفنانة في إقليم شمال وشرق سوريا “مزكين طاهر”، أن المرأة وعبر التاريخ هي الأكثر نضالاً في ثورة الثقافة والفن، ودعت كافة الفنانين والفنانات لأن يدخروا فنهم وسيلة للنضال في وجه الاحتلال، وفي وجه مخططات الإبادة الثقافية.
كل ثورة تختلف عن غيرها، سواء بالأهداف أو المكتسبات، ومعظمها باءت بالفشل؛ لأنها انحازت نحو تحقيق مصالح شخصية، ولم تحقق للشعب سوى الآهات والويلات، لكن ذلك يختلف في ثورة التاسع عشر من تموز، أو ثورة روج آفا.
اتسمت ثورة روج آفا، منذ أول لحظات انطلاقتها، بالتغيير الجذري على الأصعدة كافة، فكانت ميلاداً جديداً لشعوب المنطقة، وميلاداً للحرية والديمقراطية والتعايش المشترك، وتحديداً ولادة جديدة للمرأة، التي شقت طريق الحرية واستطاعت أن تبصر النور من خلاله.
ساهمت المرأة بعد انطلاق ثورة 19 تموز في شمال وشرق سوريا، في المجالات السياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية، حيث كان لها الدور الطليعي في التقدم بالثورة والمجتمع، إلا أن سرعان ما انخرطت المرأة في هذا الدور؛ فآمنت بالثورة والمكتسبات التاريخية، التي حققتها لشعوب المنطقة، إلى جانب ما حققته للمرأة على الصعيد الخاص في إثبات وجودها في مراكز صنع القرار وميادين المجتمع.
فمنهن من اخترن حمل السلاح للدفاع عن الأرض ضد الاحتلال، فيما اختارت أخريات الانخراط في المجال السياسي لحماية هوية شعبها من الإبادة، أما بعضهن فقد اخترن الريشة والألوان والغناء، لحماية ثقافتهن من الإبادة، حيث أبدع فنانون وفنانات في فنهم الهادف، وصدرت عشرات الأغاني ذات الطابع الثوري والوطني خلال السنوات الـ 14 الماضية، كما نشأت العديد من مراكز الفن في العديد من مدن ومناطق شمال وشرق سوريا، كوسيلة للنضال والصمود في وجه الاحتلال التركي، وجبهة داخلية لمساندة قواتهم وإيصال صوت المقاومة والثورة.
الفن روح الثورة
وبهذا الصدد، أشارت لصحيفتنا “روناهي”، الفنانة من إقليم شمال وشرق سوريا “مزكين طاهر”، عن أهمية الفن في الثورة: “حينما نتحدث عن أي ثورة، يستحق أن نذكر ثورة روج آفا مثالاً، لأنها ثورة حقيقة بكل ما للكلمة من معنى، فاستطاعت هذه الثورة أن تحقق آمال شعوب المنطقة، تلك الثورة التي حققت المكتسبات التاريخية على الأصعدة كافة، فاستطعنا أن نغني بلغتنا الأم، وأن نكتب ونرسم ما نشاء، وأن نعبر عن مشاعرنا وأحاسيسنا دون خوف أو تردد، ليس فقط للكرد، بل أصبح هنالك تمازج بين الثقافات والشعوب، واجتمعت جميعها على مسرح واحد لتمثل الاختلاف والتنوع والتعدد والمحبة، أو الأصح لتكون لوحة فسيفسائية من المشروع الديمقراطي على أرض الواقع، واستطعنا من خلاله أن نجسد الثورة وننقل صوتها وواقعها للعالم أجمع”.
صوت المرأة ليس عورة بل صرخة حرية
في ظل هذه الثورة، كانت للمرأة بصمة خاصة، ففي مجال الفن انفجر بركان الإبداع الذي دفنته المرأة بداخلها عبر سنوات طويلة، نتيجة ما عاشته على يد الأنظمة المستبدة التي عملت على منع صوت المرأة ووجودها، وحول ذلك قالت مزكين: “يمكنني القول إن ثورة روج آفا، كانت معجزة للمرأة، فليس هناك ثورة قدمت وأعطت للمرأة كل هذه المكتسبات، ولا ثورة أنصفت المرأة في حقوقها ودورها ووجودها في كافة المجالات، طبعاً كانت المرأة طليعية وسباقة لأن تحقق كل ذلك، إلى جانب كل ما تحقق، أود أن أنوه إلى مجال الفن، إلى المواهب التي دفنت في المرأة، بسبب الذهنيات التي كانت ترى المرأة ناقصة، لكن اليوم المرأة سياسية وقائدة عسكرية، ومعلمة وفنانة ورسامة، كل هذه المهن والمواهب التي عملت فيها المرأة، تمثل ذاتها وهويتها، وحقيقة لا يمكن إنكار بأن ذلك تحقق نتيجة ثورة روج آفا”.
في خضم ما تعيشه البلاد من الانتقال نحو مرحلة جديدة، بعد سقوط نظام الأسد، صدرت بعض التصريحات من إدارة هيئة تحرير الشام فيما يخص دور المرأة، وعليه أكدت مزكين بأن صوت ومكانة المرأة لا يمكن أن يكون عورة بل صرخة حرية: “أنا امرأة وفنانة، كيف يمكن أن يكون علي لقب عورة أو أن أكون مهمشة، وهذا يخص النساء كافة، وللمرأة في شمال وشرق سوريا بشكل خاص، تاريخ حافل ومسيرة طويلة من النضال، لا يمكن أن يكون دورها مهمشا في مراكز صنع القرار، وتحديداً نحن على أمل بناء سوريا جديدة ديمقراطية، بعد حقبة مظلمة عشناها”.
حماية الثورة الثقافية ومكتسباتها واجبنا
وشددت مزكين على أهمية حماية الإرث الثقافي: “لكل فرد في المجتمع كما له حقوق، لديه واجبات ومسؤولية ملقاة على عاتقه، بالأخص نحن الكرد، نتعرض عبر التاريخ إلى حملات إبادة بمختلف الوسائل، إبادة وجودنا وتاريخنا وهويتنا، وكل ذلك إن لم يتم الحفاظ عليه، بتضحيات ونضال كبير لم نصل إلى هذا اليوم، لذلك واجبنا جميعا كأدباء وشعراء وفنانين وفنانات ورسامات أن نحافظ على الإرث الثقافي للمجتمع، وأن نضمن حماية الثورة الثقافية ومكتسباتها”.
وفي ختام حديثها، ناشدت الفنانة “مزكين طاهر”، المثقفين والفنانين للتحلي بواجب المسؤولية خلال هذه المرحلة: “إلى جانب أننا نشهد تغييرات، هنالك استمرار لاستهداف مناطقنا وارتكاب جرائم حرب من دولة الاحتلال التركي، لذلك علينا جميعا التحلي بروح المسؤولية وأن نقود الثورة الثقافية، وأن نعمل لإيصال صوت مقاومة قوات شعبنا للعالم، وأن يكون الفنانون، كرداً وعرباً وسريان وأشور، يداً واحداً لأننا المرآة التي تؤثر على المجتمع، ومصدر القوة والمعنويات، فقبل أن نكون فنانين يجب أن نكون ثوريين وطنيين”.