حمزة حرب
استقرار الوضع السياسي في سوريا اليوم سيكون المفتاح الحاسم في مستقبل القضاء على داعش، لأن أي اضطراب جديد، سواء من خلال صراعات داخلية أو تدخلات خارجية ستمنح الإرهابيين والمرتزقة فرصة ذهبية لإعادة تنظيم صفوفهم واستئناف نشاطهم الإرهابي.
خبراء يرون أنه وبعد سقوط النظام السوري شهدت الساحة السورية تعافيا لمرتزقة داعش الذين تم القضاء عليهم في الباغوز عام 2019 وما عزز هذا التعافي هي ممارسات الاحتلال التركي الذي حاول في الأشهر الأخيرة بث الروح مجدداً في عناصر المرتزقة بهدف تعزيز حضوره مجدداً وهذا ما يبدو جلياً من خلال الاعتداءات التي طالت منبج وسد تشرين وجسر قره قوزاق.
داعش يعاود فرض نفسه كخطرٍ عالمي قائم
على الرغم من حديث العديد من التقارير الدولية عن تراجع نشاط مرتزقة داعش بشكل ملحوظ منذ القضاء على مرتزقته وانحسار رقعة انتشاره بعد معركة الباغوز عام 2019 إلا أن دولة الاحتلال التركي تسخر كل أدواتها بهدف إعادة إحيائه وانتشاره حيث شهد العام الماضي تحولاً في عمل المرتزقة التي استطاعت تنفيذ عدة عمليات نوعية كبيرة، أبرزها هجوم موسكو في آذار الذي أوقع 143 قتيلا، وهجوم كيرمان في إيران في كانون الثاني الذي أسفر عن مقتل نحو 100 شخص، وصولا إلى هجوم نيو أورليانز في الولايات المتحدة الأمريكية.
وبحسب تقارير أصدرتها مراكز دراسات مختصة في الشؤون الأمنية، فإن هجمات داعش في سوريا، تضاعفت ثلاث مرات في 2024 مقارنة بالعام الذي سبق، فعناصر مرتزقة داعش طوروا في أساليبهم، وزادت قدرتهم على إيقاع الخسائر، وتوسع انتشارهم جغرافياً وهناك جهات خارجية توفر لهم الظروف اللازمة ليعيدوا ترتيب صفوفهم.
ويعود تجدد خطر داعش إلى عدة أسباب منها عوامل ذاتية ترتبط بمحاولته إعادة ترتيب صفوفه وإعادة تموضعه في منطقة الشرق الأوسط وترتيب بنيته التنظيمية خصوصاً مع التغيرات الجيوسياسية الأخيرة في المنطقة، وخاصة ما حدث في سوريا وصعود تنظيمات ذات طابعٍ متشدد للسلطة وهو ما يعزز وجود داعش في الشرق الأوسط والعالم.
وهو ما تمت متابعته أيضاً على الساحة الأمنية والسياسية في العراق الذي شهد هو الآخر تصاعداً في وتيرة التحديات، ومن بينها تحركات خلايا داعش في بعض المناطق، لاسيما سلسلة جبال حمرين الواقعة شرقي البلاد وبعض المناطق الصحراوية في الغرب والتي يسعى داعش من خلالها إلى استغلالها ملاذات آمنة، أملاً بإعادة تنظيم صفوفه.
فبات من الضروري بحسب الخبراء استقرار الوضع السياسي في سوريا سيكون المفتاح الحاسم في مستقبل القضاء على داعش، لأن أي اضطراب جديد، سواء من خلال صراعات داخلية أو تدخلات خارجية ستمنح الإرهابيين فرصة ذهبية لإعادة تنظيم صفوفهم واستئناف نشاطهم الإرهابي.
ويتركز نشاط مرتزقة “داعش” في سوريا بشكل رئيسي في مناطق البادية السورية، خاصة في دير الزور وحمص والحسكة، حيث يستغل المرتزقة حالة التوتر الذي يفرضها المحتل التركي مما يتيح له مساحة كبيرة لإعادة التموضع والتحرك، ومحاولات إنعاش نفسه مجدداً.
فخطر المرتزقة في إعادة بناء نفسه كان واضحا من الرسالة التي أراد إيصالها في اليوم الأول من العام الجديد 2025، وكأنه يريد أن يقول إنه عاد بقوة، وإنه لا يزال قادراً على تنفيذ عمليات دموية وأنه سيظل قائما طالما استمرت الظروف السياسية والأيديولوجية المغذية له قائمة.
مخاوف حقيقية
كشف الهجوم الإرهابي في نيو أورليانز الأمريكية والذي نفذه جندي أميركي سابق موال لمرتزقة داعش وأودى بحياة 15 شخصا وإصابة 30 آخرين خلال احتفالات رأس السنة، عن استمرار قدرة مرتزقة داعش على تنفيذ هجماتٍ إرهابية وزعزعة الأمن والاستقرار في أي بقعة من بقاع العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي وحتى بعض الدول العربية وكل ذلك بعد إن تراجعت سيطرة داعش جغرافياً.
هذا الحادث الإرهابي الأخير في الولايات المتحدة، يأتي بالتزامن مع تصاعد المخاوف من محاولات التنظيم المتطرف إعادة بناء نفوذه في سوريا، خاصة بعد انهيار نظام بشار الأسد، في الثامن من كانون الأول الماضي، والفراغ السياسي والأمني الحاصل في البلاد.
ويعيد هذا الوضع إلى الأذهان ذكريات مؤلمة في كل من سوريا والعراق، حيث سيطرت مرتزقة “داعش” على مساحات شاسعة من أراضي البلدين عام 2014، معلناً ما أسماها “دولة الخلافة” التي أثارت الرعب في المنطقة والعالم واليوم وبعد القضاء عسكرياً على داعش تتصاعد أنشطته بفضل البيئة المناسبة التي يوفرها الاحتلال التركي لإعادة لملمة أوراقه وترتيب صفوفه واستعادة نشاطه لتنفيذ عملياتٍ إرهابية وصفت بالنوعية داخل سوريا والعراق وخارجهما ليصل تأثيره مجدداً إلى الغرب.
ومنحه انهيار نظام الأسد المفاجئ فرصة جديدة، إذ استولى على مخزونات من الأسلحة والمعدات التي خلفتها النظام السوري السابق ووفقا لتقارير وخبراء عسكريين، تعمل مرتزقة داعش حاليا على تدريب مجندين جدد وحشد قواتها في الصحراء السورية، في محاولة لإحياء مشروعها الإرهابي.
وفي مواجهة هذا التهديد المتجدد، سارعت قوات التحالف الدولي إلى شن هجمات مكثفة على مواقع المرتزقة في سوريا غير أن هذا التحرك يأتي تزامنا مع اعتداءات تنفذها دولة الاحتلال التركي وتشكل متنفساً لداعش لأن القوات الشريكة للتحالف منشغلة في الدفاع عن مناطقها على جبهات القتال في سد تشرين وجسر قره قوزاق ضد المحتل التركي ومرتزقته.
ولطالما حذرت قوات سوريا الديمقراطية من أن هجمات الاحتلال التركي على شمال وشرق سوريا تستهدف زعزعة أمن المنطقة وقد تؤدي إلى خلق بيئة مناسبة لإحياء “داعش”، وتؤثر على الحرب ضد مرتزقة داعش لكن المجتمع الدولي كان يتغاضى على الرغم من هذه التحذيرات عن جملة التحذيرات التي تطلقها قسد في خضم رفع الاحتلال التركي من وتيرة هجماته على مناطق شمال وشرق سوريا.
ترامب وملف داعش المقلق
ومع قرب تولي الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، مهامه هذا الشهر، تبقى الاستراتيجية الأميركية المستقبلية للتعامل مع المتغيرات الجديدة غير واضحة المعالم، خاصة في ضوء مواقفه السابقة المشككة في جدوى نشر قوات في الخارج، وأيضاً تصريحاته بأن الولايات المتحدة يجب ألا تتدخل في الصراع في سوريا. ومن هذا المنطلق يضيف مختصون أن الوجود العسكري الأميركي المحدود بالاعتماد على الشركاء الحقيقيين (قسد) نجح في إنقاذ العالم برمته وكبح قوة مرتزقة داعش التي هددت دول العالم بما فيها الولايات المتحدة حيث نفذ الإرهابيون في السنوات المنصرمة عدة عمليات أودت بأرواح العشرات فأي قرار متسرع بسحب هذه القوات قد يؤدي إلى عودة ظهور المرتزقة من جديد.
وفي خضم هذه التطورات وهشاشة الموقف العسكري والسياسي في المنطقة يستوجب الإبقاء على قوة عسكرية وإن كان محدوداً لكنه ضروري لمنع عودة داعش وحماية الأمن والسلم الدولي في المنطقة ومنع دولة الاحتلال التركي من تحقيق أهدافها في إحياء المرتزقة من خلال التخطيط المستمر لاستهداف المخيمات التي تأوي عوائل مرتزقة داعش أو حتى مراكز الاحتجاز التي تحوي عناصر خطرين وإرهابيين من جنسياتٍ مختلفة.
وتنشر الولايات المتحدة ما يقارب الـ 2500 جندي في العراق، ونحو 900 في سوريا المجاورة وسط معلوماتٍ عن زيادة هذا العدد دون تأكيداتٍ رسمية في إطار التكتل العسكري الدولي لدرء خطر داعش لكن بعد أشهر من المحادثات بين واشنطن وبغداد بشأن مستقبل التحالف، تم الاتفاق على إنهاء مهامه “في موعد لا يتجاوز نهاية أيلول 2025”.
تحديات داعش والاحتلال التركي
ومع تصاعد التهديد الذي تمثله مرتزقة داعش يبرز دور قوات سوريا الديمقراطية كخط دفاع أول في مواجهته غير أن هذه المهمة الحساسة تواجه تحديات متزايدة في ظل ضغوط للاحتلال التركي المستمر على منطقة إقليم شمال وشرق سوريا حيث تتزايد المخاوف من إن استنزاف هذه القوات في مواجهة الاعتداءات الخارجية قد يضعف قدرتها على تأمين مناطقها من خطر داعش كما كان الحال عليه سابقاً مما قد يفتح الباب أمام عودة عناصر داعش للفرار وإعادة تجميع صفوفهم وهيكلة نفسهم.
حيث يثير إعلان قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة المتعلق بسيطرة مرتزقة داعش على بعض المناطق في البادية السورية، الكثير من التساؤلات بشأن مدى قدرة داعش على إعادة تنظيم صفوفه واستغلال التطورات المتسارعة في الساحة السورية للحصول على مكاسب ميدانية.
وكان مكتب المفتش العام في وزارة الدفاع الأميركية، وهو جهاز مستقل للاستقصاءات، في تقريره الذي أصدره، إن “داعش استغل التوغل التركي والخفض اللاحق للقوات الأميركية لإعادة بناء قدراته وموارده داخل سوريا وتعزيز قدرته على التخطيط لهجمات في الخارج”.
وتوضح العديد من التقارير أن قوات سوريا الديمقراطية مستمرة في أداء مهمتها رغم كل هذه التحديات، وأنها تمكنت حتى الآن من منع أي اختراقات كبيرة لهذه السجون، لكنها تحتاج إلى دعم دولي أكبر لتعزيز قدراتها في مواجهة هذا التحدي الأمني الخطير.
وفي الوقت الذي تواجه فيه قسد هذه التحديات المتزايدة في احتواء خطر داعش على شمال وشرق سوريا، يتجه داعش نحو استراتيجية أكثر تقدماً تقوم على تنويع مناطق نفوذه وتحديث أساليب عمله، إذ يعمل داعش على ترسيخ أقدامه في القارة الأفريقية وتطوير شبكات مالية عابرة للحدود.
فبعد خسارة مرتزقة داعش مناطق سيطرته جغرافياً في كلٍ من العراق وسوريا بات يركز على ثلاثة محاور رئيسية لتنفيذ عمليات نوعية ضد أهداف عسكرية وأمنية، واستهداف المرافق الاجتماعية والدينية، وتكثيف جهود التجنيد الإلكتروني وتحريك خلايا خارج سوريا. حيث باتت منطقة الساحل الأفريقي تمثل ساحة جديدة لتمدد داعش، حيث يعمل على تعزيز علاقاته مع الجماعات المتطرفة المحلية، مستغلا هشاشة الأنظمة السياسية وضعف التنمية والأمن فهذا التوسع مدعوم بقدرات مالية لا يستهان بها، رغم خسارة داعش لمعظم موارده التي كان يمتلكها خلال سيطرته على مساحات واسعة في العراق وسوريا لكن من جند وجيش مرتزقة داعش في بداياته لا زال يتحكم بالقدرة على تحريكه وتوجيهه.
ووفقا لتقرير حديث نشرته مجلة” CTC Sentinel” المتخصصة في شؤون مكافحة الإرهاب، فإن مرتزقة داعش في العراق وسوريا يحتفظ بسيولة تتراوح بين 10 و20 مليون دولار، معظمها على شكل نقد ورغم أن هذا المبلغ يقل كثيرا عما كان يمتلكه في ذروة قوته، إلا أنه يكفي لتمويل عملياته الحالية الإرهابية منخفضة المستوى وتقديم الدعم المالي لفروعه المنتشرة عالميا.
لكنه اليوم وبعد انهيار نظام بشار الأسد ودخول سوريا في حالة من الضبابية المتعلقة بمصير البلاد إلى جانب ممارسات الاحتلال التركي وجه مرتزقة داعش بوصلتهم نحو 50 ألف من إرهابي من داعش محتجزين في مراكز احتجاز ومخيمات شمال وشرق سوريا لتشكل مجدداً قنبلة موقوتة أقرب من أي وقتٍ مضى للانفجار خاصة مع انتشار الفوضى في البلاد ما ينذر بعودة داعش الإرهابي في المنطقة بحسب الخبراء.
فالنظام التركي له اليد الطولى في محاولات إحياء مرتزقة داعش التي استغلت الوضع الراهن ونفذت سلسلة هجماتٍ عدائية ضد قوات سوريا الديمقراطية خط الدفاع في مقارعة داعش من التحالف الدولي بقيادة واشنطن خلال فترة القتال والتي تمتد لعقد من الزمن.
كما أن من اعتلى سدة الحكم في البلاد كانت قد نشأت من جناح لتنظيم القاعدة، لكن ليس من الواضح كيف ستتعامل مع الدول الأخرى خاصة الولايات المتحدة، التي تعتبرهم جماعة إرهابية، ومن غير الواضح أيضًا ما الذي تخطط له الجماعة للبلاد وكيف سيتعامل المجتمع الدولي مع ملف داعش وخطره الكبير.
ففي نهاية المطاف يشدد متابعون على أنه من الضروري اليوم الالتزام العسكري في دعم موقف الشركاء الحقيقيين في القضاء على داعش لأن أي خلل في هذه الاستراتيجية سيعرض المنطقة والعالم لخطرٍ كبير قد يفتح الباب على مصراعيه على جحيم داعش مجدداً ويدخل المنطقة في دهاليز الإرهاب والتطرف من جديد.