بدرخان نوري
حالة قلق وترقّب تسود مناطق الساحل السوريّ، خشية استمرار عمليات الانتقام ضدهم من قبل مسلحين مجهولين وأشخاصٍ متشددين ملثمين يدّعون أنّهم من عناصر الأجهزة الأمنيّة التابعة للسلطة الجديدة، وقد ارتكبوا انتهاكات عديدة يتم تداولها رسميّاً على أنّها جرائم جنائيّة وسلوكيات فرديّة، لتجنبِ إسباغ أيّ توصيفٍ رسميّ عليها، فيما ترتفع أصوات أبناء الساحل مطالبة بالمحاسبة وفرض إجراءاتٍ تضمن الأمن وإسقاط توصيف دعم النظام السابق عنهم، فهم ضمنيّاً ضحايا النظام ووجودهم في مؤسساتِ الدولةِ كان بغايةِ تحصيلِ لقمةِ العيش.
عقلية الثأر لا تبني الأوطان
أكد وزير الخارجية في إدارة هيئة تحرير الشام أسعد الشيباني الاثنين 13/1/2025، التزام الإدارة السوريّة الجديدة بإجراء العدالةِ الانتقاليّة واستمرارِ محاسبة المتورطين بقضايا القتلِ الجماعيّ والتعذيب الممنهج واستخدام السلاح الكيماويّ ضد الشعب السوريّ، وقال الشيباني، إن “ما خلّفه النظام السابق من إرثٍ ثقيلٍ من فساد إداريّ وماليّ وهياكل مؤسساتيّة متهالكة يتطلب منا جهداً استثنائياً لإعادة البناء”، وأشار الشيباني إلى أنّ إدارة هيئة تحرير الشام ملتزمة بتحقيقِ التقدم في مجال حقوق الإنسان وضمان العدالة والمساواة لجميع المواطنين على اختلاف انتماءاتهم السياسيّة والدينيّة والعرقيّة.
في مقابلة بثّها الأحد 12/1/2025 اليوتيوبر جو حطاب قال قائد إدارة هيئة تحرير الشام أحمد الشرع: “كل ما قمنا به خلال هذه المعركة الكبرى كان تحت شعار: اللهم نصرٌ لا ثأرَ فيه. العقليات الثأريّة لا تبني الأوطان. في هذه اللحظة، لا يمكننا أن نبحث عن كلِّ مظلمةٍ فرديّة لاسترجاع الحقوق، ولكن يجب أن نركّز على القضايا الواضحة والفجّة. الدماء التي أُريقت خلال المعارك الكبرى تُهدر أحياناً بشكلٍ عام، إلا في الحالات الخاصة التي تتطلب تدخّل القضاء والقانون”.
وأضاف: “القانون هو الضامن لحق الجميع، سواء الضحية أو الجاني، حتى الجاني له حقوق عندما يدخل السجن، لأنه إذا تُرك الأمر للانتقام الفرديّ، فسنتحول إلى شريعة غاب، نحن بحاجة إلى القضاء العادل لضمان حقوق الجميع وتحقيق الاستقرار”.
وقال: “لا يمكننا أن ننتصر ثم نسحب الناس من بيوتهم ونحاسبهم على ما مضى، لأن ذلك سيضرُّ بمصداقيتنا، عندما أُعطي كلمة للناس، يجب أن ألتزم بها. العفو العام كان ضرورة لتحقيق التوازن بين الحقوق الفرديّة والعفو الجماعيّ”.مطالبة بالحماية
عُثِر الأحد 12/1/2025، على جثة الشاب الصيدلانيّ قصي حمزة عبود من قرية قرفيص التابعة لبانياس، مقتولاً ومقيّداً، وذكرت مواقع التواصل أنّ مجموعة مسلحة ادّعت أنها من عناصر الهيئة وترتدي لباسها، اقتحمت الغرفة الزراعيّة في منطقة السن بجانب الكتيبة التابعة للعمليات العسكرية وقيّدت الموجودين، واقتادت المغدور قصي بعد سؤاله عن طائفته، وقامت بذبحه وطعنه عدة طعنات في صدره وبطنه والتنكيل بجثمانه، وأخذوا الشاب يزن علي صالح ليدلهم على مكانِ وجود “ذهبٍ” مطمور في قرية قرفيص، ولكن يزن استطاع الهرب بعد ضرب مسلحٍ في وجهه أثناء الحفر، ونجا من إطلاق النار عليه أثناء فراره، ولجأ إلى الأمن العام في بانياس، وتعرّف على الجناة.
وأشار صالح منصور شيخ الطائفة العلويّة في كلمة أمام جموعٍ احتشدت لتشييع جنازة “قصي” اليوم التالي، إلى أنّ تهمة الفقيد الوحيدة أنّه مسلم “علويّ”. وذكر حالة المجاعة التي بدأت، وأنّ انضمام أبناء الطائفة العلويّة إلى الجيش كان لضمانِ لقمةِ العيشِ، وبسبب التجويع، التي تستمر وكانوا حينها يتبعون المؤسسة العسكريّة ويأخذون رواتب، واليوم لا مؤسسات عسكريّة ولا مدنيّة، والثورة تقوم بتصحيح الحال من حال سيء إلى حال جيد، وهم يرون الحال يزيد سوءاً ثم سوءاً، وقال إنّه يتحدث بموافقةِ شيوخ الطائفة العلويّة الذي ينضوي تحت عباءتهم. وأضاف: “إذا استمر الخطف وقتل أبنائنا بتهمة أنهم علويون ناطقون بالشهادتين سنتقدم بوثيقة تضمّ تواقيع الملايين من الطائفة العلويّة إلى الأمم المتحدة نطلب الحماية من الحكومة الفرنسيّة لضمان حقوقنا، وسأتواصل مع الأيدي التي مُدّت إليّ من خارج سوريا، كمرصد حقوق الإنسان وشيوخ الطائفة العلويّة في تركيا، وسنطلب الحماية ريثما يتم تشكيل دولة، ولن نسمح أن تستمرَ حالات القتل والاختطاف، على أبنائنا في كلّ قرانا”، وأكدّ منصور أنّهم أيّدوا وباركوا ووضعوا أنفسهم جميعاً تحت تصرف الدولة وقيادة الثورة وأكد التأييد والولاء لقيادة الثورة، ولكنهم وجدوا أنفسهم يُقابلون بالقتل والاختطاف.
شكوى إلى الأمم المتحدة
رئيس التيار الوطني السوريّ بالداخل سمير الهواش قال في لقاء على قناة سوريا: “العلويون في سوريا في أسوأ حالاتهم، وأسوأ حالة خوف، مما يحصل على الأرض ومما سيأتي في المستقبل، وتساءل حول الشعار الذي رُفع بداية الثورة “واحد واحد واحد الشعب السوريّ واحد” قائلاً: أين الشعب السوريّ الواحد؟”.
وحول موضوع التمثيل بالجثث، والقتل على الهوية، قال: “توجد أدلة على الأرض ومقاطع مصوّرة سُلمت إلى منظمات الأمم المتحدة في جنيف تتضمن 181 حالة قتل بالذبح والإعدام الميدانيّ دون محاكمة، موثقة بالأرقام والأسماء والمقاطع المصوّرة والمناطق”، وأشار إلى أنّ الحالات شملت حوادث اقتحام منازل وحقول من قبل مسلحين موجودين مع الهيئة يتحدثون باللغة العربيّة الفصحى، البعض منهم سحنتهم غير سوريّة، لكنهم أعضاء في تنظيمات مسلحة موجودة على الأرض السوريّة. وأكّد الهواش أنّ السبب الأساسيّ لهذه الحوادث فقط لأنّ الضحايا علويون، والهيئة وصفت هذه الحالات بأنّها فرديّة.
وبحسب الهواش؛ فإنّ هذه العناصر المسلحة تتبع لمجموعات دخلت مع الهيئة إلى مناطق الساحل، وفي بعض الحالات التي وقعت في محافظتي اللاذقية وطرطوس تم التواصل مع الهيئة والتي حضرت، واشتبكت معهم، وذكر الهواش ما حصل في شاطئ الأحلام، حيث دخلت مجموعاتٌ مسلحةٌ ترفع راياتٍ غير العلمِ السوريّ، وقامت بأعمالِ قتلٍ وسلبٍ بالقوةِ وكمائن، واشتبكت مع عناصر الهيئة ما تسبب بمقتل وإصابة عناصر منها. في أبسط الأمثلة اقتحم مسلح يضع سلاحه على كتفه مطعم سومر في مدينة اللاذقية، وتوجّه بخطبة إلى الحاضرين واتهمهم بأنهم كفار وراح يهديهم للإسلام، وبعد خمسة أيام على الحادثة تم تداول خبر القبض على هذا المسلح.
ونشرت وكالة الأنباء “سانا” الأحد أنّ الأمن العام اعتقل عصابة سرقة بريف جبلة، وقالت إنها انتحلت صفة عسكريّة وتمادت في الانتهاكات.
أنت خنزير
وجاء في تقرير نشرته فرانس 24 في 12/1/2025، “ينتاب القلق والخوف العلويين في مدينة طرطوس السوريّة منذ سقوط نظام بشار الأسد، فأفراد الطائفة يخشون من عمليات الانتقام بحجة أنهم ساندوا الرئيس السوريّ السابق خلال الثورة. حياة الكثيرين منهم تغيرت وأصبحوا يخشون الخروج حتى إلى الشارع، لكن مدير التسوية التابع لهيئة تحرير الشام في المدينة أكّد أن العلويين الذين لم يرتكبوا جرائم لن يمسهم أحد، وهم جزءٌ من النسيج الاجتماعيّ السوريّ، مشيراً إلى أنَّ الأسد استخدمهم كـ”خزانٍ بشريّ وخزان تشبيح”.
وأورد التقرير حادثة اعتقال لشاب اسمه أحمد (اسم مستعار) أثناء محاولته الذهاب إلى دمشق لتسوية وضعه الإداريّ، وعند توقيف الحافلة على أحد الحواجز سُئِل من عنصر الحاجز فيما إذا كان علوياً، فأجاب بالإيجاب، ليصعد مسؤول الحاجز ويدعى أبو وليد، ويسأله مجدداً ويُنزله من الحافلة ويتعرض له بالضرب المبرح، ويقول له: “أنت مش علويّ أنت خنزير”.
وفي انعكاس مباشر لحالة الفرز في المجتمع السوريّ تم اتخاذ إجراء موسّع عبر إيقاف صرف رواتب كلّ المتقاعدين العسكريين ومن عملوا في المؤسسات الأمنيّة، وفيما ارتفعت الأصوات مطالبةً بصرف الرواتب، أبلغتِ المصارف المتقاعدين أنّه ستتم دراسة أوضاع هؤلاء، ومن أُحيل للتقاعد قبل عام 2011 قد يحصل على راتبه دون تأكيد ذلك، وفي كثير من مفاصل العمل الإداريّ والمدنيّ خارج إطار العمل العسكريّ والأمنيّ، أُبلغ الموظفون العلويون بالعودة إلى منازلهم وقالوا لهم: “لم نعد بحاجة لموظفين علويين”.
حادث مروريّ غامض
في 7/1/2025، أعلن عن وفاة ثلاثة وجهاء من محافظة طرطوس في حادث مروريّ غامضٍ على طريق طرطوس – دمشق، وقالت الهيئة إنّ الثلاثة توفوا بحادث سيارة وليس باستهداف مقصود، والضحايا هم: رئيس المبادرة الوطنيّة للمصالحة الشيخ جابر محمود عيسى، والشيخ هيثم معلا، والشيخ محمد وطفة، وكان الضحايا بصددٍ مساعٍ للإفراجِ عن 9 آلاف عسكريّ وضابط من النظام السابق محتجزين في سجون عدرا وحماة وحارم، وفيما قال المرصد السوري لحقوق الانسان، إنّ الشيخ جابر ومرافقيه تعرضوا لاغتيالٍ بالرصاص، لم يتطرق النعي الرسميّ للشيخ، إلى “الاغتيال”، وورد في نص النعي الرسميّ، إنّ الشيخ قضى “إثر حادث جسيم”.
قتلٌ عائليّ
في 7/1/2025 اغتيل الشيخ علي عبد اللطيف ديب أبو رامي، وزوجته ناريمان حديد، من أبناء الطائفة العلويّة في قرية دنيبة بريف السلمية، وقد اقتادهما مجهولون بعد تفتيش القرية إلى مكانٍ مجهولٍ، ليُعثر على جثتيهما اليوم التالي على طريق فرعيّ قرب قرية سنيدة المجاورة، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، وأظهرت معاينة الجثث أنَّ الزوجين تعرضا لإطلاق نار مباشر في الوجه من مسافة قريبة، ويشار إلى أنّ “جيش العزة” هو من دخل القرية في الفترة الماضية، وفرض حظر التجول وارتكب انتهاكات ضد المدنيين، وأثارت هذه الحادثة استنكاراً واسعاً بالمنطقة.
في 8/1/2025 تعرضت عائلة تعمل في تقليم أشجار في حقل للزيتون قرب قطعة عسكرية (اللواء 107) في ناحية عين الشرقية بمنطقة جبلة، وذلك بإطلاق نار من قبل مسلحين آسيويين، وقُتل ثلاثة أشخاص: وهم: الأب: عمار عز الدين وابنه: موسى عمار عز الدين وابن شقيقته محمد عيسى ــ طالب بكالوريا). ووُجدت الجثث مشوهةً بأدواتٍ زراعيّةٍ حادة في محاولةٍ لإخفاءِ أثر الرصاص.
وخلال مراسم التشييع، خرجت مظاهرة حاشدة شارك فيها الآلاف نادت بإخراج المرتزقة الأجانب من المنطقة، معبرين عن استيائهم من حالة الفلتان الأمنيّ التي تهدد استقرار المنطقة وأمن سكانها، وبعد الصلاة كان هناك مطالب شعبية وتم تحديد مهلة لتنفيذها حتى 1/2/2025، ومنها: محاسبة الفاعلين علناً في ساحة البلدة، وسحب المجموعات المسلحة من اللواء 107 وعين الشرقية بالكامل، ونزع اللثام والأقنعة عن وجوه عناصر الهيئة، وإخراج كافة المعتقلين من كافة السجون والمعتقلات في إدلب وحماه وعدرا وغيرها، وطُرح السؤال حول تهمتهم والتحقيق، كما طالبوا بعدم استخدام المعتقلين ورقة ضغط ضدهم، وإصدار عفو عام وفتح صفحة جديدة للتعاون في بناء الدولة الجديدة.
مزيد من الحوادث
في 11/1/2025 عُثر في حي النزهة بمدينة حمص على جثة الشاب عبد الله حسام الدين الناعم، (24 سنة)، مقتولاً برصاصة بالرأس، وذلك بعد يومين من اختطافه تهم من أمام منزله في حي النزهة.
في 10/1/2025 العثور على جثة الشاب عزيز ممدوح أحمد (سنة خامسة ــ كلية الصيدلة) بعد يوم من اختطافه في منطقة الدبلان، مقتولاً بطلق ناري في الرأس ومرمياً في ساقية الري، وجرى آخر اتصال معه البارحة صباح الخميس 9/1/2025 حيث كان في شارع الدبلان بمدينة حمص، ونُقل جثمانه الى مشفى حي الزهراء وتشييعه إلى بلدته القبو بريف حمص الغربيّ.
في 9/1/2025 قتل مجهولون الشاب “عيسى ياسر العيسى” من قرية أصيلة بريف حماة بعد شهر من اختطافه في بلدة خطاب.
في 8/1/2025 عُثر في أطراف قرية بري الشرقي بريف السلمية على جثتي شخصين هما قصي هيثم العيسى وابن شقيقه هيثم عبدو العيسى وعليهما آثار كدمات وإطلاق نار في الصدر، بعدما استدل عليهما راعي غنم، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي قال إنهما اختطفا في 17/12/2024، ويعملان على سيارة نقل وتوجها للعمل بعد طلبهما من قبل أشخاص من قرية المخرم الفوقاني بريف حمص.
وفي 7/1/2025 قتل الشاب علي محلا، من أبناء القرداحة بإطلاق مسلحين الرصاص عليه في سيارة الأوتوستراد الدولي بين مدينتي القرداحة وجبلة.
وفجر الأحد 5/1/2025 اقتحمت مجموعة مجهولة، منزل المغني الشعبيّ “بهاء اليوسف”، في حي جب الجندلي بمدينة حمص واعتدوا على من البيت باستخدام السكاكين، ما أسفر عن مقتل امرأتين، وفارق شاب الحياة لاحقاً متأثراً بجراحه ليصبح عدد القتلى ثلاثة. وهم شقيقتا بهاء وابن شقيقته.
وقال اليوسف في منشور على مواقع التواصل: “أنا فنان شعبيّ قد يختلف البعض على محبتي وقد يتفق البعض لكن من المؤكد أنّي لم أحمل سلاحاً، لم أقتل أحداً، لم أجرح أحداً لو في الكلام حتى، ومن يعرفني يعرف هذا جيداً”. وذكر تعرضه منذ فترة للتهديدات وعبارات الشتائم والتشبيح و”جايينك بالدبح”، وتساءل عن سبب الحقد على فنانٍ شعبيّ لم يؤذِ أحداً!”.
مساء الخميس 2/1/2025، قُتل الشاب يوسف الكيبي وأصيب الشاب علي صقور برصاص مسلحين، وتضاربت الروايات حول الحادثة، وأفاد مسؤول بمكتب العلاقات العامة في السلطة الانتقالية بأنّ الحادثة وقعت أثناء مداهمةٍ لفلول النظام المخلوع، وتبادل لإطلاق النار وأسفر عن مقتل شخص، ونفى قطعيّاً الشائعات المتداولة حول وجود عناصر “داعش” بالمنطقة.
بحسب المرصد السوريّ لحقوق الإنسان بلغ عدد الجرائم منذ مطلع العام الحالي في سوريا متفرقة 55 جريمة وعدد الضحايا 103 أشخاص (95 رجلاً، 6 سيدات، طفلين).