تزود مبادرة “جيم المخيم” النازحات في قطاع غزة فرصة استعادة عافيتهن الجسدية والنفسية، وخلق مساحة آمنة تُمكّنهن من تجاوز تبعات النزوح والحرب.
في ظل أهوال الحرب وتبعات النزوح القاسية، جاءت مبادرة “جيم المخيم” فسحة أمل يضيء حياة النازحات اللواتي يعانين من تحديات جسدية ونفسية يومية.
مسار والقدرة على الاختيار.. فكرة من رحم المعاناة والألم
وتقف خلف هذه الفكرة الملهمة “سحر مهدي”، منسقة المبادرة، التي جمعت بين خبرتها في العمل الإنساني من خلال مشروعي “مسار” و”القدرة على الاختيار” التابعين لمؤسسة “أوكسفام”، ورؤيتها في الاستفادة من الرياضة كوسيلة لتمكين النساء اللواتي يعانين من تبعات النزوح والحرب.
وعن الدوافع التي قادتها لإطلاق هذه المبادرة، قالت منسقة مبادرة “جيم المخيم” سحر مهدي: “خلال الحرب الجارية، كنت أفكر في كيفية تقديم شيء ملموس للنازحات اللواتي تضررن جسدياً ونفسياً، ولاحظت أنهن يفتقرن إلى أبسط مقومات الحياة، إذ باتت حياتهن تتمحور حول البحث عن الحطب وجلب المياه وتأمين قوت أسرهن”.
وتابعت: “هذا النمط المرهق ألقى بظلاله على صحتهن الجسدية وسلامتهن النفسية، فكرت طويلاً في كيفية الخروج بحل عملي يساعدهن على استعادة جزء من حياتهن الطبيعية، وبعد بحث عميق، وجدت أن الرياضة يمكن أن تكون وسيلة فعّالة لتغيير هذا الواقع، فأطلقت مبادرة جيم المخيم”.
وأوضحت، أن فكرة المبادرة “جيم المخيم”، جاءت نتيجة حاجة النساء إلى مساحة آمنة تساعدهن على تجاوز الضغوط الهائلة التي تراكمت بسبب الحرب، خاصة وأن معظم النوادي الرياضية أُغلقت بسبب الظروف الصعبة، ومن هذا المنطلق تم التركيز على فئة النساء الحوامل واللواتي أنجبن خلال فترة الحرب، نظراً لما تعرضن له من صعوبات أثناء الولادة فضلاً عن سوء التغذية وقلة الرعاية الصحية.
وأضافت: “اخترنا هذه الفئة لأنهن الأكثر تأثراً حيث تعاني الكثيرات مضاعفات خطيرة بسبب قلة الدعم والرعاية الصحية، الرياضة هنا أداة للتخفيف من معاناتهن ومساعدتهن على تحسين صحتهن الجسدية والنفسية”.
نشاطات المبادرة
وتتميز المبادرة بتقديم أنشطة رياضية متنوعة تهدف إلى استعادة الصحة البدنية والهدوء النفسي للنساء، وشملت المرحلة الأولى اختيار ثلاثين امرأة من المخيمات النازحة، تم تقسيمهن إلى مجموعات صغيرة لضمان تقديم التدريب بأفضل شكل ممكن.
وأشارت “سحر”: “لقد ركزنا في تصميم الأنشطة على الجمع بين الرياضة التي تعزز اللياقة البدنية وتلك التي تهتم بالجانب النفسي مثل (الكارديو واليوغا)، هذه التمارين لا تُحسن فقط اللياقة البدنية، لكنها تساعد النساء على التخلص من الطاقة السلبية المتراكمة نتيجة الظروف الصعبة، الفكرة ليست فقط في التمارين بل في خلق مساحة يمكن للنساء فيها أن يشعرن بالتحرر من الضغوط اليومية، ولو لبضع ساعات”.
كما وتتضمن المبادرة تقديم نصائح طبية يومية تتماشى مع حالة كل امرأة وظروفها الصحية، الهدف هو تزويد النساء بالدعم اللازم ليس فقط خلال جلسات الرياضة ولكن في حياتهن اليومية بشكل عام.
وأوضحت، أن كل امرأة ستحصل على برنامج يتضمن 15 جلسة رياضية مخصصة، بالإضافة إلى مكملات غذائية تعوض نقص التغذية الذي تعاني منه معظم النساء في المخيمات، عند انتهاء هذه الجلسات، سيكون هناك فرق واضح في حياة المشاركات من حيث تحسين حالتهن الصحية واتباع نظام منظم يدعم صحتهن على المدى الطويل.
أثر الحرب على صحة النساء
وتشير الإحصائيات إلى أن النازحات يواجهن تحديات صحية ونفسية متعددة بسبب النزوح والعيش في ظروف قاسية داخل المخيمات، ومع إغلاق معظم النوادي الرياضية بسبب الحرب، تراجعت الفرص المتاحة أمامهن للحفاظ على صحتهن.
وبينت سحر، أن النساء الحوامل أو اللواتي أنجبن خلال الحرب يواجهن صعوبات مضاعفة، إذ لا تقتصر معاناتهن على نقص التغذية والرعاية الطبية، بل تمتد لتشمل مضاعفات ما بعد الولادة مثل الترهلات الجسدية: “النساء في المخيمات عانين من استنزاف كامل للطاقة، لم يعد هناك وقت أو فرصة للاهتمام بأنفسهن، ما أدى إلى تراكم المشكلات الصحية والنفسية، كان لا بد من التدخل بشكل عملي ومباشر لتحسين أوضاعهن، وهو ما حاولنا تحقيقه من خلال هذه المبادرة”.
تحديات التنفيذ ونتائج ملموسة
وعلى الرغم من التحديات الهائلة التي واجهتها المبادرة، استطاعت سحر مهدي وفريقها التغلب عليها بفضل الإصرار على تحقيق الهدف، حيث أفادت: “إن البداية لم تكن سهلة، توفير الأدوات والمواد المناسبة في ظل ظروف النزوح كان تحدياً كبيراً، بالإضافة إلى صعوبة إقناع بعض النساء بالمشاركة بسبب مخاوفهن أو عدم إدراكهن لأهمية الرياضة في تحسين حياتهن، لكن بمجرد انخراطهن في الأنشطة، بدأنا نلاحظ تغييراً واضحاً في حالتهن النفسية والجسدية”.
وأضافت: “فبعد الجلسات الأولى، كانت ردود الفعل إيجابية بشكل غير متوقع، النساء شعرن بأن لديهن أخيراً مساحة يمكنهن من خلالها التخلص من ضغوط الحياة اليومية واستعادة جزء من طاقتهن المفقودة، هذه المبادرة هي بداية لخلق ثقافة جديدة تعزز دور الرياضة في تحسين جودة حياة النازحات”.
رسالة إلى الجهات الداعمة
وفي ختام حديثها وجهت منسقة المبادرة “سحر مهدي”، رسالة إلى المؤسسات الإنسانية والجهات الداعمة: “هذه المبادرة أظهرت بوضوح أن الاستثمار في الرياضة يمكن أن يكون له أثر كبير في تحسين حياة النساء، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يفرضها النزوح والحرب، نحن بحاجة إلى دعم أكبر لتوسيع نطاق هذه الفكرة وتقديمها لمزيد من النساء في المخيمات، الرياضة ليست رفاهية إنما حاجة أساسية يجب أن تُدمج ضمن الجهود الإنسانية”.