د. علي أبو الخير
قررت وزارة التربية والتعليم في الحكومة السوريّة المؤقتة تعديل المناهج الدراسية السوريّة، في سابقة لم تحدث من قبل، عندما يزول حكم ويسقط ثم يأتي حكم جديد؛ ونعتقد أن هذا التغيير المتعجل، لا يفيد الجيل الجديد، لأنه ربما يُلغي ذاكرة أجيال، وليس جيلاً واحداً فقط.
وهذا التعجل ربما يعود لأسباب، منها عدم وجود وقتٍ كافي، من أجل الدارسة وأخذ آراء المتخصصين ونواب من الشعب، والمواطنين من كافة المذاهب والأديان والأعراق، وهذا التعجل أيضاً من أجل فرض أمر واقع على من يأتون للحكم بعد الفترة الانتقالية.
إن ما يحدث في سوريا يخالف كل القوانين؛ فالحكومة المؤقتة هي حكومة تصريف أعمال في الفترة الانتقالية، ولا تملك صلاحية تعديل مناهج التعليم؛ أو اتخاذ أي قرار سيادي مثل القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية بطبيعة الحال.
تأملات في تعديلات المناهج السوريّة
عندما ندرس هذه التعديلات؛ نجدها كلها لا تصب في صالح سوريا الدولة والمواطن؛ بل إن بعضها فيه نوع من تزييف الوعي الوطني والديني.
وبنظرة متأملة نجد مثلاً أن من أبرز تلك التعديلات الخطيرة، هي اعتماد عبارة الحكم العثماني؛ بدلاً من الاحتلال العثماني؛ وتم تناسي مذابح الأتراك ضد الشعب السوري؛ وباقي الشعوب العربية وغير العربية من كرد وأرمن وغيرهم؛ فلا يمكن نسيان مذابح جمال باشا الجزار ضد ثوار سوريا عام 1916، ونعتقد أن لتركيا دوراً في هذا التعديل التاريخي والسياسي، بحكم كونها تتآمر على سوريا ولها دور فيما يحدث داخل سوريا.
كما قررت الوزارة حذف مادة التربية الوطنية بشكلٍ كامل، وحذف عدة عبارات من المناهج الدراسية، مثل “يا نصيب، حجر النرد، فائدة سنويّة، إله، آلهة، الآلهة الآرامية، الربة الأم… إلخ”؛ وهو ما يتنافى مع المنطق السياسي، لأن تدريس الماضي من أجل فهم الحاضر؛ ويُلتمس فيه روح الوهابية السلفية، بالإضافة إلى فتاوى تحريم وتحليل ليس لها أصل مثل النرد والفائدة وغيرها، ويمكن ترجمة ذلك بأنه تبني للنهج السلفي.
ومثل ذلك عندما نعرف إنه تم استبدال عبارات “أن يبذل الإنسان روحه دفاعاً عن وطنه: بعبارة “دفاعاً عن الله”، و”الصراط المستقيم طريق الخير” بعبارة “طريق الإسلام”، وكذلك عبارة “المغضوب عليهم” بعبارة “ضلوا طريق الخير”، واستبدال عبارة “الضالين بعبارة “اليهود والنصارى”، عبارة “النظافة” بعبارة “الطهارة”، وعبارة “الشجاع يدافع عن تراب الوطن” بعبارة “في سبيل الله”.
وهو ما يُخالف روح الإسلام وما يقول به الأزهر الشريف الذي يعترض مثلاً على إن المغضوب عليهم والضالين ليسوا اليهود ولا النصارى؛ ويؤكد على استشهاد من يُقتل في سبيل الوطن، ولكنها روح داعش تتجلى في المناهج الدينية الجديدة؛ ويطول بنا الحديث لو فندنا كل هذه التعديلات المنهجية الجديدة في سوريا.
كذلك قررت الوزارة حذف عبارة “الشهداء ضحوا للدفاع عن الوطن” بعبارة “في سبيل الله”، استبدال عبارة “نبي الله شعيب” بعبارة “الرجل الصالح”، وعبارة “حرب تشرين التحررية” بعبارة “حرب 1973”. وهو أمر يخالف الوطنية والقومية والدينية، خاصةً أن معركة 1973 خاضتها سوريا ومصر سوياً، وانتصرت الدولتان، ولا معنى لاستبدال حرب بمعركة، والنوايا لا يعلمها إلا الله.
كما أن حذف صور متعددة منها الساحر، صور العلم القديم، صور العملات النقدية السوريّة، صورة الإلهة فورويونا، صورة حمامة ترمز للآلهة، صورة الكرسي الرسولي، صورة نصب الجندي المجهول، صورة الإله مردوك.
كل ذلك من أدبيات المذاهب والأديان في سوريا، خاصةً أن سوريا من أقدم دول العالم، وعرفت المذاهب والأديان والإمبراطوريات، ولابد من دراسة كل هذا التاريخ، وإلا فقدت الذاكرة الجمعية للسوريين ضميرها التاريخي والإنساني، وفي السياق نفسه، قررت الوزارة إلغاء ذكر زنوبيا وخولة بنت الأزور باعتبارها شخصية خيالية، رغم أن الخيال جزء من الواقع لقوم يعقلون.
أما إلغاء كل ما يتعلق بنظرية التطور، وإلغاء تطور الدماغ والتكوين الجيني وعلم الوراثة، يدخل ضمن ما تحرّمه السلفية بفروعها المختلفة، وهو تدخّل سلبي في رفض العلم التجريبي والإنساني معاً.