حمزة حرب
في ظل ما حققته قوات سوريا الديمقراطية المحتضنة ضمن صفوفها أبناء جميع شعوب المنطقة، من تعزيز للأمن والاستقرار في إقليم شمال وشرق سوريا، متصديةً لهجمات دولة الاحتلال التركي ومرتزقة داعش، باتت النموذج الأمثل، لتكون نواة جيش سوري وطني جامع.
أصدرت قوات سوريا الديمقراطية بيانها الأول يوم 11 تشرين الأول 2015 معلنةً عن اتحاد تشكيلات ووحدات عسكرية مختلفة لتشكيل قوة عسكرية وطنية موحدة لكل السوريين، تجمع العرب والكرد والسريان والآشور، وكافة الشعوب الأخرى على الجغرافية السوريّة وهذا ما عملت عليه طيلة السنوات المنصرمة وحملت على عاتقها مهمة إنشاء سوريا ديمقراطية يتمتع في ظلها المواطنون السوريون بالحرية والعدالة والكرامة من دون إقصاء لأحد من حقوقه المشروعة.
اعتبرت القوات مظلة جامعة لعدد من الوحدات والتشكيلات العسكرية الكردية والعربية في شمال وشرق سوريا وكانت نواة التشكيل الجديد هي وحدات حماية الشعب والمرأة، هذه الوحدات التي انصبَّ تركيزها على قتال مرتزقة داعش منذ عام 2014 عندما كانوا يحاولون احتلال كوباني لتخوض القوات حينها مقاومة أسطورية، وكانت أولى انكسارات مرتزقة داعش في المنطقة.
قسد وتوليفة التكوين
تتكون قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، من خمس مجموعات رئيسية يتخطى عدد عناصرها بحسب بعض الإحصاءات 150 ألف مقاتل من مختلف شعوب المنطقة العرب والكرد والسريان والآشوريين والشركس وغيرهم ممن يتعايش على الأرض في إقليم شمال وشرق سوريا وحتى سوريا ككل وكذلك المقاتلين الأممين. وبناءً على مفاهيم سياسية أبرزها العيش المشترك وأخوّة الشعوب، وهو ما كان الركيزة الأساسية للتشكيل وحملته قسد على عاتقها لحماية المنطقة، ومن أبرز تشكيلاتها العسكرية التي انضوت تحت مظلتها هي وحدات حماية الشعب YPG ووحدات حماية المرأة YPJ إلى جانب قوات الصناديد والمجلس العسكري السرياني السوري MFS، والمجال العسكري لكل مقاطعة.
كما تضم القوات جيش الثوار الذي يضم “لواء المهام الخاصة، ولواء 99 مشاة، وقيادة سرايا النخبة، ولواء الحمزة، ولواء القعقاع، وأحرار الشمال وكتائب شمس الشمال، ولواء شهداء الأتارب، ولواء السلطان سليم، وجبهة الأكراد وكتائب القادسية والفوج 777 وجميعهم ينحدر من مناطق إدلب وحلب وحمص والساحل السوري” كما تضم قسد جبهة ثوار الرقة.
وخاضت وحدات حماية الشعب وحماية المرأة إلى جانب القوى والألوية الأخرى المنضوية في هذا التحالف معارك طاحنة وشرسة ضد مرتزقة داعش أدت جميعها إلى كسره ودحره من المدن والقرى التي كان يحتلها الأخير، حيث كانت هذه القوات رأس الحربة في مقارعة مرتزقة داعش.
وخلال مقاومة كوباني والمقاومة الشرسة التي أبدتها وحدات حماية الشعب والمرأة حظيت القوات بدعمٍ من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الذي شُكِّل بالتزامن للقضاء على داعش، حيث التمس التحالف الإصرار والقوة في مقارعة داعش من قبل هذه القوات.
وبعد القضاء على داعش عسكرياً بقيت مهمة قسد المتمثلة بحماية السكان السوريين في مناطقها هدفاً رئيسياً بعد تأكيدها المستمر على أنها ماضية في حماية السكان وهو ما تعمل عليه من خلال تصديها لمحاولات الاحتلال التركي بضرب أمن واستقرار المنطقة وأي اعتداءاتٍ أخرى تطال الشعوب والمكونات في المنطقة.
اعتداءات الاحتلال التركي تُهدي قُبلة الحياة لداعش
بعد القضاء على مرتزقة داعش عسكرياً ودحرهم في الباغوز السوريّة بقي هناك ملفات عالقة أبرزها مراكز الإيواء لعوائل المرتزقة ومراكز الاحتجاز للعناصر، والتي تُثقل كاهل قسد في الحفاظ على ضبط الأمن ومنع عودة مرتزقة داعش من النهوض مجدداً وتهديد الأمن والسلم في المنطقة سيما وأن خطر عودة داعش لا يزال قائماً مع تصاعد اعتداءات الاحتلال التركي وهذا الخطر ليس مجرد توقع أو تهويل، بل هو خطر داهم حيث أن المرتزقة متواجدين في شمال سوريا وشرقها، وتنتشر خلاياهم النائمة في مختلف مدن تلك المناطق وأريافها ويتلقون الدعم والتمويل والتخطيط من الاحتلال التركي الذي يسعى لتنفيذ مخططاته من خلال تحكمه بأبرز أدواته ألا وهو مرتزقة داعش.
ومن هنا؛ فإن المسؤولية الأولى في وقف التصعيد الحاصل ومنع استثماره من قبل التنظيمات الإرهابية، تقع على عاتق واشنطن بوصفها قائدة التحالف الدولي ضد داعش، والذي يعتمد برياً في سوريا وبشكلٍ شبه كامل على قسد لملاحقة فلول الدواعش، ومنعهم من تجميع صفوفهم مجدداً.
فالتنظيم الإرهابي والمجموعات من المرتزقة لا يهددون فقط أمن المنطقة وسوريا، وإنما يهددون العالم برمته وعلى وجه الخصوص أوروبا التي عانت ما عانته من إرهاب داعش. لذا؛ فإن الهجمات الاحتلالية التي يفرضه المحتل التركي يؤثر سلباً على ملف مكافحة الإرهاب الدولي، وسط تحذيرات من أن داعش هو المستفيد الأول مما يحصل من نذر حرب واسعة، إثر الاعتداءات التركية في المناطق الشمالية والشرقية من سوريا.
لكن ومع كل ذلك قسد التي لم تعتدِ ولو بإلقاء حجرة باتجاه الحدود التركية لا تزال متمسكة في مهمة الدفاع عن أمن المنطقة ومكوناتها وحماية مكتسبات شعبها الذي قدّم لأجلها أغلى ما يملك وهو دماء أبنائه وبناته من كل الشعوب على الأرض لذلك تتصدى بكلِّ بسالة لأي اعتداءاتٍ تنفذها دولة الاحتلال.
وبحسب وصف مراقبين؛ فإن الالتزام الأخلاقي للتحالف الدولي تجاه قوات سوريا الديمقراطية يجب أن يكون في مستوياتٍ عالية لأن التخاذل الدولي سيؤثر كثيراً على جهود محاربة الإرهاب، خصوصاً إذا ما قررت القوات إيقاف أو تعليق عملياتها ضد الخلايا والعناصر الإرهابية في سوريا.
ومن هذا المنطلق يجب تقديم كل الدعم بحسب خبراء لهذه القوات كون أن لديها باع طويل بمقارعة التنظيمات الإرهابية والتكفيرية المختلفة والمجموعات من المرتزقة، وتملك قدرات وإمكانيات قتالية هائلة في هذا السياق، ونتذكر هنا ما حصل في كوباني قبل سنوات، حينما تمكنت من دحر داعش هناك وهو في أوج قوته آنذاك، كما وأن قسد ساهمت بالعديد من العمليات القتالية والاستخباراتية النوعية ضد الدواعش طيلة السنوات الماضية، وعلى الأرض لديها قدرات لا يمكن الاستهانة بها.
وهكذا فهذه الهجمات التركية المتكررة في سوريا، لن تقود لنتيجة سوى ولو جزئياً لإنعاش داعش وتمنحه قُبلة الحياة التي كافح المجتمع الدولي لنزعه إياها وإبقائه ميتاً ولو سريرياً خصوصاً في الأراضي التي تمتلك قسد فيها النفوذ والتي تُقدّر بحوالي 25.6% من الأراضي السوريّة، وتشمل مناطق في دير الزور والرقة والحسكة وحلب.
سقوط النظام وإعادة الهيكلة
مع إعلان الإدارة السوريّة الجديدة حل جميع الفصائل المسلحة، لا تزال قوات سوريا الديمقراطية “قسد” بانتظار إجراء حوار مباشر مع دمشق لأنها ترى أن انضمامها لقوات موحدة للجيش السوري، يجب أن يكون بإجراء حوار مباشر يضمن حقوق المنطقة وحقوقها كشعب رئيسي دافع وحمى وحافظ على إقليم شمال وشرق سوريا.
وأعلنت سلطات الحكومة السوريّة المؤقتة التوصّل إلى اتفاق مع “جميع الفصائل المسلحة” يهدف إلى حلها واندماجها تحت مظلة وزارة الدفاع فيما عبّرت قسد عن إمكانية أن تكون جزءاً من الجيش السوري الجديد ولا تمانع في ذلك لأنها في نهاية المطاف هي قوات سوريّة وهدفها حماية السوريين والحفاظ على وحدة البلاد واستقلالها لكن ذلك يأتي في الحوار المباشر.
بينما يسعى الاحتلال التركي إلى عرقلة أي مساعي للتفاهم بين قسد والسلطة الجديدة في دمشق لذلك وجهت مرتزقتها مؤخراً لاحتلال منبج وإبقاء الجبهات مشتعلة كي لا تتفرغ قسد للحوار والتفاهم في هذه اللحظات المفصلية على مبدأ سياسية الإلهاء العسكري وهو ما ساهم في تأخر أي حوارٍ جدّي مع حكومة دمشق الجديدة. إلا أن تقارير إعلامية مستندة لمصادر وصفتها بالخاصة أكدت لقاء بين الحكومة السورية المؤقتة وقسد واصفةً اللقاء بأنه إيجابي ومثمر واقتصر على التنسيق العملياتي بعد غياب قوات سوريا الديمقراطية عن الاجتماع الموسع الذي عقده قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع، مع قادة الفصائل العسكرية في دمشق نهاية العام الماضي. فاللقاء بين قيادة قسد وقيادة الحكومة تناول الأمور العسكرية فقط وبحث آلية التنسيق والقضايا المشتركة ووصف اللقاء بأنه الأول من نوعه منذ الإطاحة ببشار الأسد في 8 كانون الأول العام الفائت، في وقتٍ تجري معارك بين قسد التي تمتاز بالانضباط والخبرات التي تم ذكرها آنفاً.
قسد نموذج سوري مُصغّر
يؤكد خبراء عسكريون أن التركيبة التي نشأت عليها قسد بتكوينها نموذج سوري مصغر من خلال التحالف الذي تم تشكيله من الشعوب والأطياف السوريّة يجب أن يكون نواة عسكرية لجيش وطني سوري حقيقي وهي تجربة فريدة على الساحة السورية من خلال التماسك والالتزام والانضباط والخبرة الكافية في الميدان والقتال وبسط الأمن والأمان.
ذلك إلى جانب أنها تحظى بالتفاف جماهيري وشعبي كبير حولها وداعم لها ورافد بشري كبير لصفوفها سيما وأنها حظيت بثقة كبيرة لشعوب ومكونات وطوائف المنطقة التي تتواجد فيها وهو ما يجب أن يكون عليه أي جيشٍ جديد لسوريا جيش يكون عوناً للسوريين لا معيناً عليهم كما حدث في السابق زمن النظام الذي سقط شعبياً قبل أن يسقط عسكرياً.
فبعد أن بارك السوريون في إقليم شمال وشرق سوريا تحرير سوريا من النظام السابق الذي لم يسلم منه البشر والحجر والشجرة، وهو ما بينته الجرائم في سجن صيدنايا وغيره من المعتقلات والسجون التي كانت مسالخ بشرية للسوريين وشكّلت عامل رعبٍ وترهيب لهم طيلة سنواتٍ طويلة.
لذا؛ بات التكاتف والتلاحم واجب لكل سوري نحو سوريا موحدة وهو ما تهدف إليه قوات سوريا الديمقراطية من خلال حفاظها على الحالة الوطنية التي بُنيت عليها منذ البداية للدفاع عن الشعوب والأديان كافة وكان لها الدور الأكبر في تحرير المنطقة من ظلم واستبداد وإرهاب داعش وأخواتها.
وهذه القوات المكونة من العرب والكرد والأرمن والسريان والآشوريين والتركمان والشركس مسيحيين ومسلمين وإيزيديين تستطيع أن تؤكد للعالم أجمع أن سوريا متنوعة متعددة الألوان والأطياف وقدمت شهداء من كافة الشعوب والأديان وامتزجت دمائها الزكية الطاهرة في تراب شمال وشرق سوريا وانتصرت على كل أعدائها وهي اليوم تناضل في سبيل الوصول إلى سوريا تُلبي تطلعات كل السوريين دون تمييز أو إقصاء.