هيفيدار خالد
استقبل السوريون أول يوم من العام الجديد الذي كان من المفترض أن يكون مختلفاً عن الأعوام السابقة، بقرار جديد صدر عن الحكومة المؤقتة في دمشق، التي أثارت معظم قرارتها منذ تسلمها السلطة في البلاد جدلاً واسعاً في الأوساط الشعبية، ألا وهو إجراء الكثير من التعديلات على المناهج الدراسية وحذف بعضا منها وذلك في جميع المراحل التعليمية، بدءاً من الصف الأول الابتدائي وصولاً إلى الثالث الثانوي مع أنها حكومة تصريف أعمال، ليس من اختصاصها إجراء أي حذف أو تعديل سواء على المناهج الدراسية أو غيرها من الأمور التي تمس المواطن السوري مباشرة.
نعم، أثار قرار تعديل المناهج الدراسية جدلاً واسعاً بين جميع مكونات الشعب السوري وعلى وجه الخصوص المكون المسيحي، والمرأة السورية، معتبرين أن تعديل وحذف بعض الفقرات، بمثابة الضربة القاضية للنسيج الاجتماعي السوري، وخطوة نحو تحريف مسار التاريخ إرضاءً لأطراف وأجندات خارجية هي من تملي على الحكومة الجديدة بكل شاردة وواردة. وبالتالي الرضوخ التام لتلك الإملاءات والرغبات والشروط وتنفيذها على أكمل وجه ما يجعلها تحت عباءة وسيادة المحتل التركي وعدم الخروج عن طاعته.
إحدى هذه التعديلات كانت اعتماد عبارة الحكم العثماني بدلا من عبارة الاحتلال العثماني أينما وجدت، وهو ما يكشف علانية ما أسلفنا من تبعية الحكومة السورية المؤقتة لتركيا التي وجدت في تسلّم هيئة تحرير الشام إدارة البلاد فرصة حقيقية لتحريف الحقائق التاريخية وترسيخ أيديولوجيتها الإخوانية في البلاد وتربية الأجيال القادمة على هذه المعلومات المزيفة والحقائق المضللة.
أما فيما يخص نظرية التطور في كتاب العلوم، التي حذفت من المناهج فيمكن اعتبارها على أنها خطوة إلى الوراء وحجر عثرة أمام تطور العلم والتكنولوجيا اللذين فتحا الطريق أمام إنجازات واختراعات كبيرة من حول العالم، هي خطوة باتجاه ترسيخ الأمية في هذا المجال الحيوي وسد آفاق الأفراد في المجتمع الإنساني وتكريس الطائفية. بالإضافة إلى حذف كلمة “قانون” واستبدالها بـ “الشرع، أو شرع الله”. أي أن الشرع حل مكان القانون، يعني العودة إلى القرون الوسطى بكل ما للكلمة من معنى. وبالتالي القضاء على التنوع الثقافي في البلاد.
فيما اعتبر متابعون أن هناك سعياً من قبل الحكومة السورية المؤقتة لطمس ذكر “شهداء السادس من أيار 1916″، إرضاءً لتركيا، ورأى أغلب المتابعين أن هذه الحكومة لا تملك الصلاحية لتعديل المناهج بوصفها “حكومة تصريف أعمال. لا غير. كمان أنها تفتح الطريق أمام تعليم الأجيال القادمة على الفكر الإخواني الرجعي الذي يشكل خطراً على العالم أجمع في الوقت الحالي.
ومن التعديلات أيضاً استبدال مفهوم “الشهادة في سبيل الوطن” إلى ” الشهادة في سبيل الله”، في كتب التربية الإسلامية وذلك في جميع الصفوف، وهو ما يعني توجيه ضربة قاضية لمفهوم الدفاع والحماية عن الوطن والأرض، ومفهوم الشهادة، كما أنها تشجع على مفهوم “الجهاد في سبيل الله”، كما شملت التعديلات التي أثارت جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي اعتبار زنوبيا وخولة بنت الأزور من الشخصيات الخيالية وبالتالي من الواجب حذفهما من المنهاج على حد زعمها، وكذلك حذف تاريخ الآراميين والكنعانيين وتاريخ الآلهة القديمة، وهو ما يشكل انتهاكاً وواضحاً لقيم الحضارة الإنسانية التي قادتها المرأة عبر التاريخ.
وجرى إدراج مصطلح “الأخوة الإيمانية” بدلاً من “الأخوة الإنسانية”، الأمر الذي يشكل خطرا على النسيج المجتمعي السوري متعدد الأطياف… ولذلك فإن التعديلات التي أجرتها الحكومة السورية المؤقتة على المناهج الدراسية من شأنها إن لم يكن بالحسبان أن تشكل بداية جديدة لمساعي تطوير الفكر الإرهابي في المجتمع ونشر الطائفية والكراهية بين المكونات والأديان السماوية، والرجوع بسوريا الخطوة تلو الخطوة إلى الوراء. سوريا التي كانت موطناً للسريان والأشوريين والآراميين هي اليوم أمام خطر الهيمنة من جديد “الهيمنة العثمانية” التي تهدد النسيج السوري بجميع مكوناته وأطيافه.
نعم، تعديلات المناهج الدراسية مهمة مختصين قادرين على إرسال رسائل العلم والتعليم بشكلها الصحيح بما يخدم جميع فئات المجتمع السوري ومكوناته، وليس من مهام الحكومة المؤقتة التي هي بالأساس حكومة تصريف أعمال، ليس من شأنها إجراء هكذا تعديلات بحسب تصريحات مسؤوليها أنفسهم، ولكن هل ستقف الحكومة عند قرارها هذا أم أن هناك قرارات أخرى مماثلة، يبقى السؤال برسم ال
أيام القادمة؟