دجوار أحمد آغا
بات جميعنا يعلم جيداً، إن سوريا ما بعد سقوط نظام عائلة الأسد التي حكمتها 54 عاماً، هي سوريا جديدة، سوريا منتفضة من تحت عشرات السنين من الظلم والاضطهاد والتعذيب والقتل وغيرها من الأهوال والفظائع التي ظهرت إلى العلن وعلى شاشات التلفزة حول العالم مُبينة حجم الحقد والكره والبشاعة التي كان يُكنِها هذا النظام المجرم وأدواته القمعية لعموم الشعب السوري، فقد ذاق ويل معتقلاته وسياط جلّاديه، ليس فقط العربي السني والكردي، بل العربي العلوي أيضاً والمسيحي والدرزي والسرياني، لذا فإن سوريا الجديدة، سوريا ما بعد الأسد يجب أن تكون لكل السوريين بدون استثناء إلا من تلطخت أيديهم بالدماء، هؤلاء يجب محاكمتهم من جانب الشعب والحكم عليهم.
بدايات الثورة
بالعودة إلى بداية الأحداث التي انطلقت في سوريا، والتي كان للربيع العربي الذي بدأ في تونس البوعزيزي التي أوقدت نار الثورة المشتعلة أصلاً في قلب الشعب السوري بكل أعراقه وأطيافه من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب. مجموعة من تلاميذ المرحلة الابتدائية كتبوا على جدران مدرستهم شعارات تُنادي بالحرية وهي أبسط ما يمكن للمرء أن يكتبه، وخاصةً وهم أطفال صغار، لكن أجهزة أمن الأسد، قامت باعتقال هؤلاء الأطفال وعرضتهم للتعذيب النفسي والجسدي، ولدى مطالبة الأهالي بإعادة أطفالهم للبيوت خلال تشكيلهم وفد لمطالبة رئيس فرع الأمن الذي اعتقل الأطفال، كان رد المسؤول الأمني بإهانة أعضاء الوفد المكون من شيوخ ووجهاء المنطقة الأمر الذي أدى إلى خروج المظاهرات الشعبية العارمة من درعا والتي سرعان ما امتدت إلى جميع أنحاء سوريا.
الأحداث المتلاحقة
مع خروج الشعب إلى الساحات والميادين في مختلف المدن وبعشرات ومئات الآلاف من أبناء وبنات الشعب السوري الذين حطّموا جدار الخوف الذي كان قد زرعه الطاغية عبر أجهزته الأمنية التي كانت تحكم بقبضة من حديد مئات الآلاف من الأهالي في كل من دمشق، حمص، حماه، حلب، دير الزور، الحسكة، قامشلو، عامودا وغيرها خرجوا بقوة وصدحت حناجرهم مطالبين بالحرية والعيش بكرامة، لكن الذي حدث أن النظام أطلق سراح المئات والآلاف من المعتقلين من أصحاب السوابق والإرهابيين للهجوم على الشعب بالإضافة إلى إعطاء أوامره للجيش بعسكرة الثورة من خلال القنص المتبادل بين الطرفين إلى جانب ذلك، قام شبيحة النظام بالانضمام إلى المنتفضين في الجوامع من أجل معرفة قادة الثورة وبالتالي اعتقالهم.
تشكيل الجيش الحر
خرج الكثير من الضباط والجنود من صفوف الجيش السوري أمام شاشات التلفزة وأعلنوا انشقاقهم عن الجيش ورفض إطلاق النار على الشعب، مع تزايد أعداد الضباط والجنود المنشقين عن الجيش، أصبح هناك حاجة لتنظيم هؤلاء الضباط من خلال إنشاء نظام موحد يضم الجميع خاصةً في ظل الكتائب الجهادية التي انتشرت في مختلف المناطق السوريّة. وقد تم إنشاء وتشكيل “الجيش السوري الحر” بقيادة العقيد “رياض الأسعد” ونائبه العقيد “أحمد حجازي”، لكن البعض من كتائب هذا الجيش سيطر عليها قوى متطرفة بحيث لم تعد تخدم مصالح الشعب السوري وأصبحت رهينة لقوى خارجية.
التدخّل الخارجي
بدايةً كانت هناك قوى إقليمية تشارك في هذا الصراع سواء عبر دعم نظام الأسد (إيران)، أو عبر دعم المعارضة (تركيا)، وهذه القوى الإقليمية لم يكن هدفها مصالح الشعب السوري، لا بل على العكس من ذلك تماماً، كان الهدف مصالحها في المنطقة وتوسيع دائرة نفوذها في المناطق السوريّة على حساب مصلحة الشعب السوري، ومع تطور الأحداث والتدخّل المباشر من جانب القوى العظمى ونقصد هنا (روسيا الاتحادية) لدعم نظام الأسد الذي كان مهدد بالسقوط خاصةً خلال العام 2015 وكذلك (الولايات المتحدة الأمريكية) ومعها تحالف دولي لمكافحة الإرهاب مع تمدد الخطر وتشكيل القاعدة لتنضم لها في سوريا والعراق تحت مسمى (الدولة الإسلامية في العراق والشام) ومختصرها “داعش”.
الانهيار الدراماتيكي
بعد مرور أكثر من عقد من الزمن على الدمار والقتل والترهيب والتهجير القسري والهجرة والخراب الذي حلَّ بسوريا وشعبها، وصل المجتمع الدولي إلى قناعة بأن هذا النظام لم يعد صالحاً للاستمرار في الحياة ولا بد من الانتهاء منه. وكانت هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقاً” والمصنفة ضمن قوائم الإرهاب العالمي من جانب الأمم المتحدة ومعظم دول العالم، والتي كانت قد شكّلت حكومة إنقاذ في محافظة إدلب التي كانت تديرها. بدأت قوات الهيئة بالتحرك في 27 تشرين الثاني باتجاه حلب التي تخلى عنها النظام ومن ثم توجهت القوات العسكرية إلى حماة وحمص وصولاً إلى دمشق التي أعلنت الهيئة دخولها في 8 كانون الأول 2024 بعد هروب رأس النظام السوري بشار الأسد إلى روسيا التي منحته اللجوء الإنساني. عشرة أيام هزت العالم مع سقوط الطاغية وأحد أقدم دكتاتوريات الشرق الأوسط.
الأهوال والفظائع
تفاجأ العالم بحجم الفظائع والأهوال التي ارتكبها جلاوزة النظام البائد، جرائم لا يمكن أن يرتكبها البشر، أشياء تقشعر له الأبدان، يصعب وصفها مهما كتبنا عنها يبقى الأمر ناقصاً. يكفي أن نشاهد ما كان يجري في سجن صيدنايا الذي كان يوضع فيه المعارضون لنظام بشار الأسد. ما تم نشره على شاشات التلفزة العربية والعالمية ليس سوى جزء بسيط من حقيقة ما كان يجري هناك. كم هو صعب وقاسي أن يصبح الإنسان مجرد رقم! الشعب السوري بكل أطيافه عانى من هذه الويلات والأهوال الغير طبيعية. هناك الكثير من الأقبية والسجون السرية والتي يوجد فيها عشرات وربما مئات الألاف من السوريين المعارضين للنظام السابق.
سوريا ما بعد الأسد
بالتأكيد؛ سوريا ما بعد الأسد ليست مثل “سوريا الأسد”، فسوريا معروفة بموزاييكها وفسيفسائها المتنوعة، فيها إلى جانب العرب، الكرد والسريان، الأرمن والكلدان، الشركس والتركمان، بالإضافة إلى المسلم بكل مذاهبه (السني، الشيعي، العلوي، الإسماعيلي) وكذلك المسيحي بكل مذاهبه (الروم الكاثوليك، الأرثودوكس، البروتستانت) بالإضافة إلى الإيزيديين، الدروز، وغيرهم من الطوائف والمذاهب والملل. لا يمكن فرض لون واحد مثل السابق على شعوب سوريا المتنوعة ولا يمكن فرض لغة واحدة، سوريا غنية بكل شيء ويجب أن تكون سوريا ديمقراطية تعددية لا مركزية تحافظ على حقوق الجميع ولا تستثني أحداً.
لا يجوز لأحد الاستئثار بالسلطة واعتبار نفسه هو الأحق بحكم سوريا، فكل شعوب سوريا قدمت تضحيات جسيمة من أجل الوصول إلى الحرية والعيش بكرامة وفي جو من الديمقراطية والسلام بعيداً عن الحروب والدمار والخراب.