حمزة حرب
طيلة سنوات الحرب الأربعة عشرة، التي عانى منها السوريون ويلات الحرب والدمار والتهجير والتنكيل عملت شعوب إقليم شمال وشرق سوريا على التكاتف والتلاحم والوقوف صفاً واحداً لحماية المنطقة التي بقيت لسنوات عرضة للخطر المباشر، وهدفاً للأطماع الداخلية والخارجية وعام 2024 لم يكن يحمل في طياته الهدوء والسكينة بل كان حافلاً بالتطورات التي تصدت لها وتعاملت معها الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا.
من أبرز المخاطر، التي مرت على إقليم شمال وشرق سوريا هي الاعتداءات التي نفذها الاحتلال التركي وسعيه الدؤوب لضرب حالة الأمن والاستقرار وتعكير صفو المنطقة بتدمير البنى التحتية، والخدمية، والمساعي الحثيثة لمحاولة إحياء مرتزقة داعش، وخلق بيئة مناسبة لإضعاف الإدارة الذاتية وخنقها اقتصادياً وخدمياً وزعزعتها سياسياً، وأمنياً لكن نهاية هذا العام حملت معها تطورات شاملة على الساحة السورية بعد سقوط النظام السوري، والإدارة الذاتية ليست بمنأى عن أطماع الاحتلال التركي وفصائله من المرتزقة التي استماتت لاحتلال منبج مجدداً بعد أن تحررت من مرتزقة داعش الإرهابي على يد قوات سوريا الديمقراطية في العام 2016.
مخيم الهول ومراكز الاحتجاز… قنبلة موقوتة تهدد العالم
يشكّل مخيم الهول في مقاطعة الجزيرة بإقليم شمال وشرق سوريا، خطورة دائمة ومتصاعدة لاحتجازه أسر مرتزقة داعش، وتسعى المرتزقة لتحويله إلى بؤرة لخلاياها وبيئة للاستفادة منها في التجنيد واستقطاب العناصر، وبث الدعاية التحريضية للخلايا الطليقة في سوريا والعراق والعالم.
ويأوي مخيم الهول الذي يعدّ من أخطر المخيمات في العالم، قرابة 54000 شخص، بينهم نحو 27000 عراقي، و18000 سوري، وقرابة 8000 من أسر مرتزقة داعش، قد نُفذت فيه العديد من العمليات الأمنية منذ عام 2021 لضبط الإيقاع فيه بعد أن سعت عوائل المرتزقة إلى تحويله بؤرة لنشر الأفكار المتطرفة والإرهابية، وكان آخر تلك العمليات الأمنية عملية الأمن الدائم التي أطلقت في تشرين الثاني من العام 2024.
العملية التي شارك فيها خمسة آلاف مقاتل من قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية المرأة أفضت عن اعتقال 79 عنصراً من خلايا مرتزقة “داعش” في مخيم الهول ومحيطه بريف الحسكة شمالي سوريا، وتم تمشيط أكثر من ٢٠٠ قرية من قرى الريف الجنوبي والشمالي بما فيها مسافة ٧٠ كم من الحدود العراقية – السورية والمناطق الصحراوية التابعة لها.
وذكرت “قسد”: إنه تم مداهمة أكثر من ٦٠ موقعاً ومخبأً لخلايا “داعش” داخل وخارج عمليات التمشيط في الهول وتل حميس وريف تل كوجر وشرق مدينة الحسكة كما تم مصادرة كمية كبيرة من الأسلحة بما فيها القنابل والألغام، والأجهزة الالكترونية التي كانت تُسهل عمليات التواصل بين خلايا التنظيم مع المتعاونين معه ضمن المخيم، إلى جانب رموز وأعلام لداعش وتم التحقيق مع ١٧ امرأة تورطن خلال الفترة الماضية بأعمال تعذيب وتقديم المساعدة لخلايا “داعش”.
وبعد أن تكللت العملية بالنجاح ودمرت كل مخططات مرتزقة داعش دعا بيان غرفة عمليات “الأمن الدائم” المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته تجاه القاطنين في مخيم الهول وتقديم الدعم الكافي للقوات الأمنية والمؤسسات الخدمية والإدارية في مناطق شمال وشرق سوريا والتي تحمل على عاتقها تطويق خطر مخيم الهول كي لا يهدد العالم مجدداً.
2024 اعتداءاتٌ تركية متواصلة
الاحتلال التركي يكاد لا ينفك عن تهديد الأمن والسلم في إقليم شمال وشرق سوريا وذلك باستمرار الاعتداءات على البنى التحتية والمواقع الخدمية والمؤسسات المدنية مستغلاً انشغال المجتمع الدولي بملفاتٍ عدة كالحرب الأوكرانية، أو الصراع القائم في قطاع غزة ليدمر جزءاً كبيراً من البنية التحتية المدنية الحيوية في محاولة منه لقطع سبل العيش للخطر، وتفصل المجتمعات المحلية عن الكهرباء، والرعاية الطبية، وغيرها من الخدمات الأساسية.
في بداية العام الحالي أفصحت “هيومن رايتس ووتش” أن الاعتداءات التركية على مناطق شمال شرق سوريا أدت إلى انقطاع المياه والكهرباء عن ملايين الأشخاص بعد أن قصف الاحتلال التركي محطات المياه والطاقة الكهربائية، والمنشآت النفطية، ومحطة الغاز المنزلي الوحيدة العاملة في شمال شرق سوريا بأكمله.
في كانون الأول وكانون الثاني، كثّفت تركيا ضرباتها لتشمل المرافق الطبية والطرق الحيوية التي يستخدمها موظفو الإغاثة، بحسب “تحالف منظمات المجتمع المدني في شمال وشرق سوريا” المكون من منظمات دولية عاملة في المنطقة. الهجمات التي تلحق أضرارا غير متناسبة بالمدنيين والأعيان المدنية محظورة بموجب القانون الإنساني الدولي، والاستهداف المتعمد للبنية التحتية المدنية يشكل جريمة حرب. دمرت الضربات المتكررة على البنية التحتية المدنية العديد من المرافق الأساسية، ما عطّل المستشفيات والمخابز ومرافق المياه، كما أن الوقود اللازم للطهي والتدفئة والزراعة ينفد.
في 29 كانون الثاني، قال تحالف منظمات المجتمع المدني في شمال وشرق سوريا: إن الكهرباء انقطعت عن مليون شخص في المدن والقرى، وإن أكثر من مليونَي شخص لا يحصلون إلا على القليل من المياه الصالحة للشرب. الأضرار بالمرافق الطبية المستهدفة في كانون الأول عطّلت إمدادات الأوكسجين لأكثر من 12 مستشفى خاصاً وعاماً، كما أدت الغارات على 28 منشأة صحية إلى تعطيل خدماتها، ما يفاقم خطر الأمراض المنقولة بالمياه. حذّر التحالف من أن “حجم الأضرار يفوق بكثير قدرة المجتمع الإنساني على مواصلة تقديم الخدمات الطارئة المنقذة للحياة”.
وتتوالى التقارير والتحقيقات عن ممارسات وانتهاكات الاحتلال التركي بحق المدنيين والبنى التحتية في شمال وشرق سوريا، كان آخرها تحقيق لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” عن تعمد تركيا استهداف البنية التحتية في هذه المناطق.
وحسب التحقيق، فإن الاحتلال التركي نفّذ ثلاث حملات من الغارات الجوية على مناطق شمال وشرق سوريا، الأولى في الخامس من تشرين الأول الماضي، واستمرت خمسة أيام، شنت خلالها طائراته تسعين غارةً مستهدفةً أكثر من مائة وخمسين موقعاً حيوياً بينها محطات تحويل كهرباء، ما أدى لخروجها عن الخدمة، واستشهد على إثرها ثمانية وأربعين شخصاً وأصيب العشرات.
وطالب منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة التنديد بخروقات الاحتلال التركي للقانون الدولي الإنساني، وتكثيف جهود الوساطة الدولية لوقف هجماته في شمال وشرق سوريا، داعية الولايات المتحدة لإعادة النظر في اتفاقيات وقف إطلاق النار الموقعة مع الاحتلال بالمنطقة لكن دون تحقيق نتائج مرجوة.
فيما أكدت حينها الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا أن هذا العدوان يشكل خطراً كبيراً على الأوضاع الإنسانية والخدمية والاجتماعية، ويتيح الفرصة للخلايا الإرهابية والمرتزقة لتعزيز وجودها وتنظيم أنفسهم لشن المزيد من الهجمات على المنطقة، ما يقوّض مساعي الاستقرار ويهدد جهود مكافحة الإرهاب.
سوريا الجديدة.. تحدياتٌ سياسية وإدارية
بعد أن سقط النظام السوري بتاريخ الثامن من شهر كانون الأول لعام 2024 فتحت الأبواب أمام الكثير من التحديات بعد الخلاص من أولى عقبات مستقبل البلاد لكن الكثير من الهواجس بقيت تراود السوريين بكافة انتماءاتهم وتوجهاتهم وعلى رأس تلك الهواجس، هو مستقبل البلاد وكيف ستدار وإلى أين تتجه وهو ما انعكس بشكل مباشر على واقع إقليم شمال وشرق سوريا.
وإلى جانب تلك التحديات هو عدوان الاحتلال التركي باتجاه منبج وتل رفعت مستغلاً الأوضاع المضطربة على الساحة السورية، وما أفضى إلى سيطرة مرتزقته على هاتين المنطقتين مرتكبة فيهما أبشع أنواع الانتهاكات ومع كل ذلك طرحت الإدارة الذاتية العديد من المبادرات للحل في سوريا على رأسها المبادرة ذات النقاط العشر؛ للتعاون بين الإدارة الذاتية الديمقراطية والإدارة السياسية في دمشق، وما سينعكس على مصلحة السوريين، ويسهم في تسهيل الخروج من هذه المرحلة العصيبة بنجاح.
حيث حملت بنود المبادرة النقاط التالية:
– الحفاظ على وحدة وسيادة الأراضي السورية وحمايتها من الهجمات التي تشنها الدولة التركية ومرتزقتها.
– وقف العمليات العسكرية في كامل الأراضي السورية للبدء بحوار وطني شامل وبنَّاء.
– اتخاذ موقف التسامح والابتعاد عن خطاب الكراهية والتخوين بين السوريين، فسوريا بلد غني بمكوناته وأطيافه ويجب الحفاظ على هذا الغنى والتنوع على أساس ديمقراطي عادل.
– عقد اجتماع طارئ تشارك فيه القوى السياسية السورية في دمشق لتوحيد الرؤى بشأن المرحلة الانتقالية.
– المشاركة الفعالة للمرأة في العملية السياسية.
– نؤكد على أن الثروات والموارد الاقتصادية يجب أن يتم توزيعها بشكل عادل بين المناطق السورية باعتبارها ملكا لجميع أبناء الشعب السوري.
– ضمان عودة السكان الأصليين والمهجرين قسرا إلى مناطقهم والحفاظ على إرثهم الثقافي وإنهاء سياسات التغيير الديمغرافي.
– مع التطورات التي حصلت في سوريا، نؤكد على استمرارنا بمحاربة الإرهاب لضمان عدم عودة تنظيم داعش وذلك بالتعاون المشترك بين قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف الدولي.
– إنهاء حالة الاحتلال وترك القرار للشعب السوري لرسم مستقبله وتطبيق مبدأ حسن الجوار.
– نرحب بالدور البناء للدول العربية، والأمم المتحدة، وقوى التحالف الدولي، وجميع القوى الدولية الفاعلة في الشأن السوري، ونحثهم جميعا بأن يؤدوا دورا إيجابيا وفعالا في تقديم المشورة والدعم للشعب السوري، وتقريب وجهات النظر بين أطيافه ومكوناته بما يضمن الحفاظ على الاستقرار والأمن، ووقف التدخلات الخارجية في الشأن السوري.
ضبابية الرؤى تعرقل مساعي الحل
بحالة من البراغماتية استغل الاحتلال التركي حالة المخاض العسير لركوب الموجة ومحاولة الهيمنة على المشهد السياسي في البلاد، وهو ما بعث بمؤشراتٍ سلبية كون أنقرة عامل معرقل لأي صيغة تفاهم قد يتوصل إليها السوريون ومع ضعف موقف الدول العربية سارع النظام في تركيا لملء الفراغ السياسي على الساحة السورية.
كما ساهم الخلاف الكردي الكردي ومساعي توحيد الصف ليكون جزءاً من وفدٍ يمقل المنطقة ويوحد المطالب فيما يخص حل القضية الكردية زاد من ضبابية مستقبل الحل في البلاد، وهو ما استدعى تكثيف الجهود من الأحزاب والشخصيات المستقلة وبضغطٍ شعبي كبير للضغط على الأطراف السياسية لتقديم تنازلاتٍ في الرؤى والوصول إلى نقاط مشتركة يتم البناء عليها، وهو أيضاً ما عرقله ولا زال المحتل التركي عبر أدواته المعروفة للقاصي والداني.
بينما حكومة دمشق الجديدة أطلقت العديد من الرسائل السياسية التي اعتبرت في بعض الأماكن إنها مطمئنة وفي مكانٍ آخر أثارت العديد من الهواجس كالمدة المتوقعة لصياغة الدستور والتي قال عنها قائد هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، إنها قد تستغرق ما بين سنتين إلى ثلاث سنوات.
وبين كل هذه المعطيات يبقي السوريون عيونهم شاخصة لتشكيل الوفد الممثل للإدارة الذاتية بكل مكوناتها وما ستفضي عنه اللقاءات المرتقبة مع حكومة دمشق وما الذي من الممكن التوافق عليه بما يلبي تطلعات السوريين الذين قدموا الغالي والنفيس في سبيل الوصول إلى سوريا للسوريين مع تخطيهم عقبة النظام البائد، وطيهم صفحة عام 2024 بزواله لتعلق الآمال على العام 2025 وما سيحمله من نتائج تصب في صالح التوافق السوري، السوري.