أسعد العبادي/ العراق
في ظل ما تشهده سوريا من إجراءات تعسفية مرتجلة تقوم بها الحكومة المؤقتة وفصائلها المسلحة ذات اللون الواحد، وبدل الاهتمام بالدعوة إلى مؤتمر وطني شامل يضم كافة مكونات الشعب السوري. إنما هو أمر يثير العديد من علامات الاستفهام، وهو أيضاً بمثابة توطئة وتمهيد لزج سوريا في نفق مظلم شديد الخطورة خصوصاً وأن هناك حملة ملاحقات، وتمشيط يجري الآن في مناطق الساحل السوري، وحمص، وحماة ومناطق واسعة من سوريا. بحجة ملاحقة “فلول النظام” السابق تتعرض فيه طوائف ومكونات سوريّة لأنواع الاعتداءات من قتل واعتقال وانتهاك للمقدسات.
إن استباق الدعوة لمؤتمر وطني جامع يتولى التهيئة لتعديل الدستور، وإعطاء الأولوية لإرساء أسس ودعائم العدالة الانتقاليّة وتعزيز سيادة القانون لحفظ السلم الأهلي.
وتحقيق العدالة الانتقاليّة كمطلب دولي قانوني وأخلاقي لضمان انتقال سلمي للسلطة إلى حكومة منتخبة وإعادة بناء الثّقة بين الدولة وأطياف المجتمع …إن استباق ذلك سوف يؤدي حتماً إلى حرب أهلية ربما لا تنتهي إلا بتقسيم سوريا إلى كانتونات تابعة للإرادات الدولية والاقليمية، ولتتحول فيما بعد إلى عامل مستدام لعدم الاستقرار في سوريا ذاتها ومنطقة الشرق الأوسط برمته.
في هذا الصدد شدد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان على “إن تحقيق السلم الأهلي وضمان الأمن المستدام في سوريا بعد إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد يتطلب اعتماد نهج العدالة الانتقالية، وتعزيز سيادة القانون، وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة تُفضي إلى تشكيل حكومة شرعية. وأكد أن هذه الخطوات تعد ضرورية لتحقيق التعافي، ومنع الفوضى أو الأعمال الانتقامية، خاصةً في ظل فراغ الحكم والهشاشة التي تعاني منها البلاد نتيجة سنوات الحرب والصراعات الداخلية، إلى جانب تفشي سياسة الإفلات من العقاب”.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أن سوريا تمر بمرحلة مفصلية تتطلب تكاتف الجهود لضمان سيادة القانون، وتعزيز الأمن، وإنصاف الضحايا الذين تحملوا لعقود قمعاً منهجياً وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، مشدداً على أن هذه الخطوات تمثل حجر الأساس لبناء مستقبل مستدام للبلاد قائم على العدالة والمساءلة واحترام الحقوق والحريات الأساسية”.
إن ما شهدته بعض القرى والبلدات في سوريا. في أعقاب التظاهرات الأخيرة التي اندلعت بعد التعرض للمقدسات العلوية والشعارات المعادية للمكونات الأخرى، وممارسات وتجاوزات استهدفت السكان وممتلكاتهم وهو ما سيلقي بظلاله القاتمة على المشهد السوري …. نقول: إن هذه الانتهاكات دفعت أعياناً من مدن وأرياف الساحل إلى توجيه نداء إلى القيادات الجديدة، بتاريخ 17 كانون الأول الجاري. للمطالبة بضرورة وضع حداً لهذه التجاوزات التي قد تؤدي إلى تأجيج النعرات الطائفية وتهديد السلم الأهلي.
وهنا لابد من التشديد على ضرورة احترام حقوق الإنسان وضمان حماية المدنيين في جميع أنحاء سوريا. إذ أن أي تجاوزات أو انتهاكات، سواء كانت فردية أو منظمة، وبغض النظر عن مرتكبيها، تعدُّ انتهاكاً للقوانين الدولية التي تظل نافذة في جميع الأوقات وتحت مختلف الظروف، وتُسهِم في تأجيج التوترات وزعزعة الاستقرار.
كذلك من المهم جداً التأكيد على ضرورة إجراء مراجعة شاملة للقوانين في سوريا. ولا سيما قانوني العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية، مع ضرورة تعديلهما بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. كما أن هناك حاجة ملحة إلى إصلاح النظام القضائي وأجهزة الأمن التي يجب إعادة تشكيلها وبنائها على أسس وطنية ومهنية دون تهميش أو تمييز بين مكون وآخر، وتعزيز حقوق المواطنين من خلال إنهاء القيود المفروضة على تكوين الجمعيات وحرية الرأي والتعبير، فضلاً عن ضمان الحق في التجمع السلمي بما يتوافق مع المعايير الدولية.
ولابد من التأكيد أيضاً على ضرورة إرساء العدالة الانتقالية في سوريا الجديدة، والاستفادة من التجارب المماثلة في بعض الدول التي مرت بظروف مشابهة لما جرى في سوريا مؤخراً.
إن الحكومة الانتقالية يجب أن تتحمّل المسؤولية الكاملة في تعزيز الاستقرار ومنع الفوضى من خلال اتخاذ تدابير عاجلة لتعزيز الأمن الداخلي وحماية المدنيين، وضمان عدم الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة حتى إجراء انتخابات حرة ونزيهة تشمل جميع أنحاء البلاد، وتكمن أهمية هذه الانتخابات في تمهيد الطريق لتشكيل حكومة منتخبة، تتحمل مسؤولية استكمال عملية العدالة الانتقالية عبر تنفيذ آليات المساءلة ومعالجة آثار الانتهاكات السابقة، وإن الحكومة المؤقتة، أو الحكومة الانتقالية سوف تجدان نفسيهما عاجزتان عن تحقيق هذا المنجز التاريخي. مالم تتحرران من التبعية الإقليمية وخصوصاً تبعيتهما للحكم التركي الذي يحاول فرض إملاءاته عليهما قبل انبثاق الحكومة المنتخبة القادمة للاستئثار بالنفوذ والثروة في سوريا.
أن التنسيق بين الحكومة الانتقالية والحكومة المنتخبة في هذا السياق يعد أمراً مهماً للغاية. لضمان تحقيق العدالة وحماية حقوق الضحايا، وبالتالي بناء مستقبل مستقر وعادل للبلاد السورية بكل ومكوناتها ودون استثناء، حيث يقع على عاتق الحكومة الانتقالية وضع الأسس الأولية لتحقيق العدالة، من خلال تعزيز سيادة القانون والاستقرار، ومن ثم، تتولى الحكومة المنتخبة دوراً حاسماً في استكمال هذه العملية على المدى الطويل، من خلال تعزيز المساءلة والمحاسبة عن الانتهاكات السابقة أياً كان مرتكبيها وإن تشمل الجرائم التي ارتكبتها داعش وأخواتها بحق مكونات الشعب السوري، وضمان حماية حقوق الضحايا، وإعادة بناء المؤسسات القضائية والأمنية، وتطوير آليات فعالة للمصالحة الوطنية، مع ضمان التزامها بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
من المهام الدقيقة والهامة هو تعزيز استقلالية الهيئات القضائية لمحاكمة المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات التي ارتُكبت خلال السنوات السابقة، مع ضمان منع الإفلات من العقاب وتفادي تكرار هذه الانتهاكات في المستقبل والاستعانة بمنظمات دولية مهنية، مستقلة، ومحايدة. يجب التأكيد هنا على أهمية تظافر جهود كافة القوى الوطنية السوريّة سواء منها تلك التي لاتزال في الخارج، أو قوى الداخل السوري ممن لديهم التجربة في الإدارة الناجحة كمجلس سوريا الديمقراطية على سبيل المثال، أو ممن شكلوا الحكومة المؤقتة …وغداً الحكومة الانتقالية. عليهم جميعا أن يكونوا حاضرين ومشاركين لبناء دولة ديمقراطية لامركزية تقوم على المساواة واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وفي مقدمتها حق الوصول إلى العدالة وحق المحاكمة العادلة.
إن العمل على إنشاء لجنة وطنية للعدالة الانتقالية تتولى توثيق الانتهاكات وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا، فضلاً عن تعزيز جهود المصالحة الوطنية والاجتماعية سيكون من أخطر المهام والعوامل التي من شأنها أن تؤسس لسوريا لكل السوريين.. كما يجب التأكيد على ضرورة أن تضم هذه اللجنة تمثيلاً شاملاً لجميع فئات المجتمع السوري لضمان شمولية العدالة وتوفير بيئة شافية لجميع الأطراف المعنية، وتعزز الوحدة الوطنية وتجعلها واقعاً وثقافة عامة لدى أبناء الشعب السوري….وليس آخراً أقول: إن تحقيق العدالة الانتقاليّة في سوريا مطلب قانوني وأخلاقي، لضمان الانتقال السلمي للسلطة إلى حكومة شرعيّة منتخبة، ولإعادة بناء الثّقة بين الدولة وكافة أطياف المجتمع، وأنا ادعوا السوريون لتوجيه الدعوة إلى جميع الأطراف الوطنيّة والدوليّة لتقديم الدعم اللازم لتحقيق هذه الأهداف وبناء مستقبل أفضل لجميع السوريين.
بشكل عام لا يجب النظر إلى القضية السورية على أنها حلت بانهيار نظام، والإتيان بنظام حكم بديل، تدور حوله الشبهات، ويقع بشكلٍ واضح تحت التأثير التركي من جانب، والخليجي من الجانب الآخر.