صلاح إيبو
تستمر الانتهاكات والجرائم بحق أهالي عفرين، من دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها، فيما تقف الحكومة السورية المؤقتة، عاجزة عن القيام بمسؤولياتها تجاه ذلك، إلى جانب عدم وجود مؤشرات تدفع للاطمئنان بإخراج المحتلين، وعودة موطن الزيتون لسابق عصرها.
يدفع للتفاؤل فيما يخص تغير الأوضاع في عفرين وانسحاب المرتزقة المدعومة تركياً من تلك البقعة الكردية التي باتت اليوم مشوهة نتيجة فرض التغيير
مضت أسابيع عدة على سقوط نظام الأسد في دمشق، وتوقع أهالي سوريا عامة من تغير أحوال البلاد وعودة المهجرين إلى منازلهم واسترداد ممتلكاتهم المسلوبة منهم سواء من النظام السابق أو المجموعات المتطرفة والفصائل من المرتزقة المسيطرة على الأرض، ففي عفرين المحتلة، ما تزال الانتهاكات جارية ورفع العلم التركي والتعامل بالليرة التركية مستمرة رغم أن دمشق أبقت على الليرة السورية عملة رئيسية للبلاد.
هنا توجه بعض النشطاء في الأيام القليلة الماضية للتواصل مع مكتب الإدارة السياسية الجديدة في مدينة حلب (مكتب السيد أسعد نعسان) باستفسارات مكتوبة عن وضع عفرين بعد التطورات الأخيرة في سوريا، ومدى اهتمام الإدارة الجديدة بشقيها السياسي والعسكري بعودة اللاجئين والمهجرين إلى مدنهم وإفراغ المعتقلات، والأهم وقف الانتهاكات التي استمرت في عفرين بُعيد سقوط النظام البائد بل وزادت في بعض المناطق، للأسف وبعد أسبوع كامل من الانتظار لم يتلقَ النشطاء رداً على استفساراتهم رغم تأكيد مكتب الإدارة السياسية على أنهم سيرسلون الردود في الوقت المناسب.
من خلال متابعة التطورات في الشأن السوري عامة وإسقاطها على موضوع عفرين وباقي الشمال السوري المحتل، يبدو أن الإدارة الجديدة في دمشق لن تقوم بأي أفعال على الأرض تزعج تركيا ولاسيما الاقتراب من مساحة احتلالها ومرتزقتها التي تحتل جزءاً مهماً من الأراضي السورية، وتشن عمليات عدوانية في محيط منبج وكوباني منذ أكثر من أسبوعين.
نظرة كُرد عفرين لهيئة تحرير الشام
هيئة تحرير الشام التي كانت مسيطرة على إدلب قبيل إعلانها عملية عسكرية “ردع العدوان” ضد النظام السابق والتي نجحت في إسقاط حكم الأسد في الثامن من كانون الأول الجاري، كان ينظر لها أهالي عفرين نظرة جيدة لأسباب عدة، أولها حالة العداء بينها وبين مرتزقة أنقرة، ثانياً موقفها الإيجابي من الانتهاكات التي كانت تقوم بها مرتزقة أنقرة من الحمزات والعمشات، ولاسيما مجزرة نوروز 2022 التي ارتكبها مسلحون من جيش الرقية في بلدة جنديرس، حينها أبدت هيئة تحرير الشام موقفاً إيجابياً تجاه أهالي الضحايا وتوعدت بنصرتهم، لكن لأن جنديرس واقعة تحت السيطرة التركية لم يكن بمقدورهم التدخل المباشر، وسبق ذلك محاولة للهيئة اجتياح عفرين والسيطرة عليها لكن بضغوط تركية انسحبت الهيئة آنذاك، ولكن ظل وجودها الأمني بشكلٍ غير علني مستمراً في بعض المناطق بعفرين تحت غطاء بعض الفصائل هناك.
عبر أجهزتها الأمنية كانت ترصد هيئة تحرير الشام كافة الانتهاكات التي تعرض لها أبناء عفرين، وترفع تقارير لقيادتها، اليوم تستطيع الهيئة الاستناد إلى هذه التقارير لإعادة حقوق أهالي عفرين، لكن بعد وصول الهيئة إلى حكم سوريا، باتت في موقف أخر، ولم يعد همها إحقاق حقوق الشعب السوري من المرتزقة والفصائل التي تنتهك حقوق المدنيين والمهجرين بل باتت تهتم بتثبيت حكمها وكسب ود الدول الداعمة لها وعلى رأسها تركيا وقطر، هاتان الدولتان اللتان عمدتا تنفيذ عشرات مشاريع الاستيطان في عفرين وترسيخ التغير الديمغرافي في عفرين.
حجم الانتهاكات
وفق المتابعات الميدانية، منذ تسلم هيئة تحرير الشام الحكم في دمشق، اعتقل أكثر من 80 شخصاً في عفرين المحتلة غالبيتهم من العائدين، البعض منهم تم الإفراج عنهم بعد دفع فدية مالية، والبعض مازال معتقلاً، مئات العائلات العائدة والتي تعدت 1500 عائلة وفق مصادر محلية ما تزال غير قادرة للسكن في منازلها نتيجة ملاحقتهم أمنياً أو إجبارهم على دفع مبالغ كبيرة لقاء إعادة ممتلكاتهم.
أكثر من 40 عائلة، لم تتمكن من استرداد ممتلكاتها من عوائل المرتزقة المسيطرة على عفرين، مما أضطرهم للعودة إلى مدينة حلب.
لماذا لا يتحرك “الشرع” نحو الشمال السوري؟
يبدو المشهد السوري الحالي مقسماً بين إقليم شمال وشرق سوريا حيث الإدارة الذاتية وباقي المناطق السورية التي سيطرت عليها إدارة العمليات العسكرية، واليوم تمشط تلك القوات المناطق الساحلية بعد موجة عنف شهدتها بعض المناطق ويأتي هذا التمشيط تحت عنوان “ملاحقة فلول النظام السابق”، والمناطق الواقعة تحت الاحتلال التركي في شمال سوريا، وهذه المناطق ما تزال منفصلة عن سوريا من حيث نظام الحكم والإدارة، التي تديرها الحكومة المؤقتة ورفع العلم التركي فوق مقارها والتعامل بالليرة التركية وفرض اللغة التركية في المدارس العامة والخاصة.
الإدارة السورية المؤقتة في دمشق، إلى اليوم لم تبدِ أي فعل حقيقي تجاه أي منطقة من مناطق السيطرة المختلفة، وتسعى جاهدة لتثبيت حكمها على الأرض واسترضاء الخارج لكسب الشرعية الدولية، لكن ما يحدث في سوريا اليوم هو شكل من الوصاية التركية على القرار السياسي السوري، تركيا ومن خلفها قطر تسعيان للاستثمار في سوريا بشتى القطاعات وأخذ حصة الأسد من إعادة الإعمار.
تركيا التي تتشارك مع سوريا حدوداً شاسعة وتربطها معابر عدة استراتيجية، تسعى لاستثمار ذلك في تمرير مشاريعها المستقبلية ضمن سوريا مقابل تثبيت حكم الشرع في دمشق، ومن ضمن أولويات تركيا ضرب الوجود الكردي في الشمال الشرقي من البلاد، والحصول على استثمارات كبيرة في الساحة.
مشاريع بدأت
بالفعل بدأت تركيا بنشر أخبار عن مشاريع لها في سوريا تتضمن مد أنابيب النفط وربطها بالعراق، وكذلك مشروع نقل الغاز القطري التركي إلى أوروبا عبر سوريا، وبناء قواعد عسكرية عدة في الساحل ووسط سوريا والعاصمة دمشق، وقالت تركيا أنها بدأت بدراسة إعادة تأهيل مطاري حلب ودمشق الدولي وتسعى لتأمين المعدات اللازمة حالياً، كل هذا يحدث دون وجود قرار دولي بإعادة إعمار سوريا أو رفع العقوبات عن البلاد.
أمام هذا الواقع السياسي والإداري الجديد، لا بد أن تبقى الإدارة السورية المؤقتة في دمشق بلا حراك تجاه ممارسات مرتزقة تركيا في عفرين والشمال السوري وما يمارس في عفرين من تغيير ديمغرافي وإجراءات استثنائية تشير إلى أن الشمال السوري جزء منفصل عن سوريا.
لكن في المستقبل القريب، كيف ستكون العلاقة بين دمشق وأنقرة وما حدود الوصاية التركية على دمشق؟ هي التي ستحدد موقف الإدارة السورية مما يحدث في عفرين وهل سيكون بمقدور السوريين من أبناء عفرين رفع دعوى ضد قادة مرتزقة الحمزات والعمشات وباقي المرتزقة تماشياً مع ما روجه النظام الجديد عن حقوق السوريين في محاسبة كل من ظلمهم في الماضي، أما أن العدالة الاجتماعية ستكون انتقائية أيضاً؟!
للأسف لا توجد مؤشرات حقيقية إلى الآن تدفع للتفاؤل فيما يخص تغيير الأوضاع في عفرين وانسحاب المرتزقة المدعومة تركياً من تلك البقعة الكردية، التي باتت اليوم مشوهة نتيجة فرض التغير الديمغرافي عليها وبناء المستوطنات، وما سيكون عليه تلك المستوطنات في المستقبل هذا مبهم أيضاً.