رفيق إبراهيم
يبدو أن التدخلات الخارجية التي امتدت لسوريا نتيجة تحويلها لمركز صراع إقليمي ودولي لتصفية الحسابات على أرضها، أثرت على الجارة العراق، وخاصة بعد خسارة روسيا وإيران البعد السياسي والإقليمي فيها، فتتنافس دول إقليمية ودولية على الحصول على أكبر قدر ممكن من الامتيازات في سوريا، حيث أن العراق أيضا يعاني من التدخل الإيراني في العديد من القضايا، فتتشابه التحديات والتعقيدات، ومبتغى الدول التي تحاول الحصول على موطئ قدم لها، وتثبيت ذلك عملياً على الأرض.
الطائفية جذرت الانقسامات في العراق
وعندما نعود قليلاً إلى الوراء، نرى أن سوريا والعراق، شهدتا في السنين الماضية الكثير من الاضطرابات، فكان لها دور في الوصول لما فيه الدولتين اليوم، فسوريا ومنذ أكثر من 13 عاماً عانت من الحروب والصراعات، وانتهت بفرار بشار الأسد وانتهاء حكمه في الثامن من شهر كانون الأول عام 2024، ويبدو أن العراق يسير في الخط نفسه، حيث أن النظام السياسي تنتظره قضايا كثيرة لحلها، وإن لم تحل سيتهاوى النظام في العراق أيضاً، وعلى رأسها ميليشيات الحشد الشعبي، التي لا تعير اهتماماً لقرارات الحكومة العراقية، بل هناك من يقودها ويقدم الدعم لها، من خلال تبعيتها الواضحة لإيران.
كلنا نعلم بأن الفوضى، التي بدأت في عدد من الدول العربية، تحت مسمى الربيع العربي، دخلت سوريا في العام 2011، وطالب شعبها في البداية بالحرية والعيش الكريم، وبعض الإصلاحات، فواجه ذلك النظام السوري في سياسة الحديد والنار والقمع في التعامل مع المتظاهرين، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع يوماً بعد يوم، فتدخلت تركيا وساهمت في عسكرة الأزمة بتقديم الدعم للإخوان المسلمين، وشاركت في ذلك العديد من الدول العربية أيضاً عن طريق المال، ما أدى لتطور الصراع إلى حرب بالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية، ومن ثم ظهور المجموعات المتطرفة الإرهابية على الساحة السورية.
اليوم عندما ننظر إلى الشأن العراقي نجد أوج التشابه بين ما حدث في سوريا، وما يحدث في العراق، حيث ينتشر الفساد في المؤسسات الحكومية العراقية، وميليشيات الحشد الشعبي تسيطر على المؤسسات العسكرية، ولا تتبع وزارة الدفاع العراقية، وترفض الانصياع لأوامرها، في الحين ذاته تنفذ الأجندات الإيرانية في ضرب وتهديد القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، بغض النظر عما سيجلبه ذلك من عواقب على العراق، حيث أن صبر الأمريكان قد ينفد، ويوجهون ضربات قاصمة للأسلحة والمؤسسات العراقية، والعراق في الحقيقة لا يتحمل وزر ما قد يحدث في المراحل المقبلة.
وحتى من حيث المحسوبيات، تتشابه الدولتان، حيث أن الثروة في أيدي الحكام والمقربين منهم، في ظل استشراء الفساد بين المسؤولين والفقر بين عامة الناس، والدولتان غنيتان بالثروات الباطنية والظاهرية، لكن سوء الإدارة ساهم بشكل كبير فيما آلت إليه الأمور في كل من العراق وسوريا، والبناء على أسس الطائفية في العراق جذرت الانقسامات بين المجتمع العراقي بشكل أكبر، وكان الأولى بالحكام في العراق تعزيز الوحدة الوطنية والتشاركية.
سوريا والعراق ساحتان لتصفية الحسابات
الحكام في سوريا ساهموا في تعقيد المشهد السوري، وزيادة أمد الحرب فيها، عبر التدخلات الخارجية، وخاصة روسيا وإيران وتركيا،
الأمر الذي جعل سوريا ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية والدولية، حيث كان التنافس على أشده بين الدول الفاعلة في سوريا، ومن أهمها أمريكا، وروسيا وتركيا وإيران، لتحقيق مصالحها على الأرض السورية.
كل هذه الدول أثرت على السيادة السورية، والعراقية، لخلق التوازان بين مصالحها، وفي هاتين الدولتين تدخل ونفوذ إيراني، وأمريكي، وتركي بعدما تمت إزاحة روسيا من الواقع، وتحدث هذه التدخلات شرخاً وانقساماً حتى بين شعوب سوريا والعراق، وهذا ما يؤدي إلى التخلي عن السيادة الوطنية.
الوضع في العراق أفضل من سوريا بكل تأكيد، حيث أنه لم ينجر حتى الآن، إلى مستنقع الفوضى الشاملة التي اجتاحت سوريا، ولكن إن بقيت الأوضاع كما هي الآن فمن المحتمل انزلاق العراق إلى ما آلت إليه الأمور في سوريا، وعلى الساسة في العراق إدراك ما يحدث في الداخل العراقي، والوقوف في وجه الأطماع الخارجية، وخاصة من النظام التركي، وأيضاً تحجيم الدور الإيراني.
وفي العام 2019، اجتاحت العراق عارمة، بعد أن خرج الآلاف إلى الشوارع، للمطالبة بمحاربة الفساد وتغيير النظام السياسي، لأن الشعب العراقي ومنذ الإطاحة بصدام حسين، لم يستطع العيش بأمان ولا استقرار، وخاصة من الناحية الاقتصادية والأوضاع العامة وأيضا السياسية، وعلى قادة العراق أن يسعوا بجدية لتخليص العراق من سيطرة ولاية الفقيه والتدخل في شأن العراق الداخلي، إذا ما أرادوا العيش بأمان وسلام ووئام.
الفساد والمحسوبيات سببان لإسقاط النظام
سقوط النظام السوري كان مدوياً وغير مسبوق، حيث اجتمعت العديد من الأسباب التي أدت إلى ما حدث، وبسرعة فاق هذا السقوط كل التوقعات، وهذا يدل على هشاشة أركان النظام وخاصة القوة العسكرية التي لم تقاوم المهاجمين، وكان كل ذلك نتاج نظام سياسي فاسد رفض مطالب شعبه بالحرية والكرامة، وأساء إدارة البلاد ووضع ثرواته في خدمة العائلة والمقربين منه، ويبدو أن كانت هناك إرادة دولية لإسقاط النظام.
بالنتيجة، سقط النظام في سوريا، وعلى الحكومة العراقية أن تفهم الرسائل المستخلصة مما حدث في سوريا، وأن تضع حدوداً للتسيب وانفلات السلاح والسيطرة على المجموعات المسلحة الكثيرة، التي لا تعمل مع وزارة الدفاع العراقية، والتي تسبب مشاكل لا حصر لها بدءًا من عدم الامتثال لقرارات الحكومة العراقية، وانتهاءً بالهجمات على القواعد والجنود الأمريكيين، التي قد ينفد صبرها وتقوم بتصفية تلك المجموعات، ما سيؤدي حتماً إلى خلق أوضاع جديدة في العراق هي بغنى عنها في هذه الأوقات الحساسة.
الوضع في الداخل العراقي، ليس على ما يرام، لذا يتوجب على القادة والساسة العراقيين، أن يدركوا ما يدور حولهم، وما هو ممكن لإخراج العراق من قمع الزجاجة، وأن يتخلص العراق من الفساد والمحسوبيات والمحاصصة، وخاصة أنها ترتكز على أسس طائفية ومحاربة الحريات العامة، وأيضا حل المشاكل والخلافات الكثيرة بينها وبين إقليم كردستان، ولعل مسألة المناطق المتنازع عليها مشكلة يجب حلها على وجه السرعة، وأيضاً تأخير الرواتب وحصة الإقليم من الميزانية العامة، وهذه قضايا مصيرية يستوجب حلها، كأساس لبناء الثقة وحل للمشاكل بين الطرفين، وعلى أساس بنود الدستور العراقي.
لذا على السلطات في بغداد، وإن أرادت تجنب الوقوع في خطأ النظام السوري، وملاقاة مصيره، عليها اليوم، العمل وبشكل عاجل على تصحيح المسار، وإنهاء الأسباب التي قد تؤدي إلى انهيار الدولة العراقية، ومنها إصلاح سياسي شامل أولاً، بما يمكنها من إصدار قراراتها المستمرة دون تبعية لهذا وذاك، كما أن عليها التفكير بمصالح الشعب العراقي دون تمييز، والوقوف في وجه أطماع تركيا وإيران المستمرة في الأراضي العراقية.