روناهي/ محمد عيسى ـ بتزايد هجمات دولة الاحتلال التركي على إقليم شمال وشرق سوريا، يزداد نشاط خلايا داعش المدعومة منه، وفي ذلك تواجه قوات سوريا الديمقراطية تحديات كبيرة، لزعزعة أمن المنطقة، ما يستوجب جهوداً دولية لبتر أذرع المحتل والمرتزقة.
مستغلة الظروف التي تعيش فيها سوريا، بعد إسقاط نظام البعث، تمادت دولة الاحتلال التركي بأذرعها لكسب المزيد، واحتلال أكبر قدر من الأراضي السورية، ولتحقيق ذلك كثفت هجماتها على إقليم شمال وشرق سوريا، وخاصة على المناطق الحدودية، لتكون كوباني ومنبج وتل تمر، ساحة لقصفها المستمر ليرتقي العديد من المدنيين إلى مرتبة الشهادة، هذه التعديات ساهمت في نشاط تحركات مرتزقة داعش على المنطقة.
في ظل هذه المساعي؛ عدوان جديد في إقليم شمال وشرق سوريا، والذي بدوره يتصدى للدفاع عن شعوب المنطقة، والمكتسبات التي تحققت، الأمر الذي يؤثر على جهوده في مكافحته مرتزقة داعش في المنطقة.
وفي إطار الجهود المستمرة لمكافحة الإرهاب، نفذت قوات سوريا الديمقراطية بالتنسيق مع التحالف الدولي عملية أمنية نوعية في مدينة الرقة بتاريخ 21 كانون الأول الجاري، أسفرت عن القبض على 18 من مرتزقة داعش، بالإضافة إلى عدد من المشتبه بهم. وجاءت هذه العملية في وقت حساس، فتظهر التحركات الفعلية لهذه المرتزقة على أرض الواقع حيث كانت خلاياها تحاول استغلال هجمات دولة الاحتلال التركي المكثفة لإعادة تنظيم صفوفها.
مثلت هذه العملية خطوة هامة نحو تضييق الخناق على خلايا داعش وتعزيز الأمن في المنطقة، بالإضافة إلى العملية الآنفة الذكر، فقد كانت هناك غارة جوية من التحالف في دير الزور شرقي سوريا، استهدفت زعيم مرتزقة داعش (أبو يوسف) المعروف باسم (محمود) في دير الزور، كما كشفته القيادة الوسطى في الجيش الأمريكي، كجزء من التزامها بتعطيل جهود الإرهابيين للتخطيط وتنفيذ هجمات ضدهم.
رغم هذه الجهود على أرض الواقع، إلا أن خطر داعش مازال يهدد أمن واستقرار المنطقة، مما يتطلب تحركاً دولياً لوضع حد لدولة الاحتلال التركي، وإيقاف تعدياتها على المنطقة، إلى جانب دعم جهود قسد لمكافحة مرتزقة داعش في المنطقة.
العدوان التركي وعرقلة مساعي السلام في البلاد
العدوان التركي المستمر على إقليم شمال وشرق سوريا، لم يهدد أمن واستقرار المنطقة، ولم يساهم في إعادة إحياء داعش فقط، بل أثر على الجهود المبذولة لتشكيل وفد من الإقليم، للتوجه إلى دمشق، بعد إسقاط نظام البعث وتشكيل الحكومة المؤقتة لبحث التطورات الأخيرة، وعدم تهميش وإقصاء الإقليم وحماية حقوق شعوب المنطقة.
في هذا الإطار كان قد صرح القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، بأن هجمات دولة الاحتلال التركي على مناطق استراتيجية مثل كوباني، وسد تشرين قد استوجبت التركيز الكامل على صد هذه الهجمات، ما أدى إلى تأجيل العديد من المساعي السياسية، بما في ذلك تشكيل الوفد السياسي الممثل لشمال سوريا.
وفي إطار اللقاءات التي عقدها مع العشائر والمثقفين في المنطقة، أعربت هذه الفئات عن رغبتها في تمثيلها بشكل فعّال في العملية السياسية رغم التحديات والمخاوف. كما أبدوا استياءهم الشديد من استغلال تركيا الأوضاع الأمنية السائدة في المنطقة كفرصة لاحتلال مزيد من الأراضي، مؤكدين على ضرورة إيقاف هذا العدوان الذي يهدد أمن المنطقة واستقرارها.
من جهة أخرى، حذر عبدي من استغلال مرتزقة داعش للفراغات الأمنية الناجمة عن التصعيد التركي، حيث شهد زيادة في تحركات المرتزقة في بعض المناطق، مستفيدًا من المواقع العسكرية، التي كانت تحت سيطرة نظام البعث سابقًا، مما يثير القلق من هجمات محتملة على السجون والمخيمات في شمال وشرق سوريا.
ورغم هذه التحديات الأمنية، أشار عبدي إلى استمرار التعاون مع التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وأكد استعداد قواته للتنسيق مع دمشق في المستقبل بشأن هذا الملف.
وفيما يتعلق بتركيا، أكد عبدي أن أنقرة هي آخر دولة يمكنها التعامل مع ملف داعش، نظرًا لتنسيقها المستمر مع المرتزقة وتوفير الدعم له، مطالبًا التحالف الدولي بممارسة ضغوط أكبر على تركيا.
كما أشار إلى أن الاتفاق المبرم لوقف إطلاق النار في منبج بوساطة أمريكية لم يلتزم به الاحتلال التركي.
وفي ختام حديثه، دعا عبدي الشعب السوري إلى نبذ العنف والاحتكام إلى الحوار كوسيلة لحل الخلافات، مؤكدًا ضرورة الحفاظ على مكتسبات شعوب شمال وشرق سوريا استعدادًا لمفاوضات مع دمشق لبناء سوريا المستقبل.
تحذيرات من تفاقم الوضع
في ظل الهجمات المستمرة لدولة الاحتلال التركي في إقليم شمال وشرق سوريا، حذر العديد من الخبراء الإقليميين والدوليين من العواقب الوخيمة الناتجة عن هذه الهجمات، والتي لا تقتصر فقط على تهديد الأمن الإقليمي، بل تمتد لتشكل تهديداً حقيقياً للأمن الدولي.
التقارير الميدانية تشير إلى أن هجمات دولة الاحتلال التركي المستمرة تتيح لمرتزقة “داعش” الفرصة لإعادة تموضع خلاياها في المناطق الحدودية بين سوريا والعراق، مستغلة الفوضى التي تسببت فيها هجمات الاحتلال. وتجد مرتزق داعش منفساً لها، لاستعادة أنشطتها التي تراجعت في السنوات الماضية، لانشغال قوات سوريا الديمقراطية بصد هجمات دولة الاحتلال التركي.
من جانب آخر، أكدت الولايات المتحدة الأمريكية على خطورة هذه التطورات، حيث عبر مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، عن قلقه المتزايد حيال التهديدات التي يمثلها التنظيم الإرهابي في ظل استمرار التصعيد التركي.
وشدد سوليفان على أن، “قوات سوريا الديمقراطية، التي تمثل الكرد بشكل رئيسي، تعد خط الدفاع الأول ضد “داعش” في المنطقة، وأن أي تقويض لجهودهم في محاربة هذا التنظيم لن يؤدي إلا إلى عواقب وخيمة تهدد استقرار المنطقة”.
وأكد أن هجمات المحتل التركي المكثفة يمكن أن تخلق فراغاً أمنياً من شأنه أن يسمح لمرتزقة “داعش” بالاستفادة منه لتنفيذ هجماته واستعادة المناطق، التي كانت تحت سيطرته.
وفي السياق جاء تحذير وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، ليزيد من حدة القلق الدولي حول هذا الوضع. فقد حذرت أنالينا في تصريحاتها من أن أي هجمات عسكرية جديدة لتركيا على قوات سوريا الديمقراطية قد يؤدي إلى نتائج كارثية، خاصة في حال استغلت مرتزقة “داعش” هذا النزاع لصالحها.
وقالت: إن استغلال المرتزقة هذه الظروف لن يعود بالنفع على أي طرف، بل سيشكل تهديداً أمنياً كبيراً ليس فقط على سوريا، ولكن على تركيا وأوروبا أيضاً. ووصفت أنالينا الوضع بأنه يتطلب تحركاً دولياً سريعاً لتجنب المزيد من التصعيد الذي قد يزيد تعقيد الوضع الأمني في المنطقة.
نشاط داعش تهديد للعالم
وفي حديثٍ خاص لها مع صحيفتنا، أكدت الباحثة المتخصصة في شؤون الإرهاب، لامار أركندي، أن انشغال قوات سوريا الديمقراطية على جبهات كوباني ومنبج في مواجهة الهجمات التركية قد يساهم في خلق حالة من الفوضى الأمنية في المنطقة.
وأوضحت أن هذا التشتت في التركيز الأمني يمنح خلايا مرتزقة داعش فرصة لإعادة تنظيم صفوفها، مستغلة الظروف الحالية لتحقيق مكاسب جديدة.
ولفتت الباحثة إلى أن داعش دائما مستعد، ومتأهب حيث بدأ في استغلال هذه الفوضى لزيادة نشاطه، خاصة في مناطق مثل مخيم الهول، الذي يضم الآلاف من عائلات المرتزقة.
وأضافت، أن “استمرار هذه الفوضى قد يسهم في عودة التنظيم الإرهابي إلى الساحة بقوة، ما يشكل تهديدًا جديدًا للاستقرار في شمال وشرق سوريا ويزيد تعقيد مهمة قوات سوريا الديمقراطية في محاربة الإرهاب”.
كما تناولت لامار في حديثها انشغال المجتمع الدولي بالفوضى التي تجتاح سوريا، مشيرة إلى أن هذا التشتت في الانتباه الدولي يعطل التركيز على التهديدات الحقيقية التي تشكلها التنظيمات الإرهابية مثل داعش. وأكدت أن العديد من الدول تركز على الصراع المحلي بين الأطراف السورية دون أن تأخذ في الحسبان العواقب الإقليمية والدولية المحتملة إذا لم يتم التركيز على محاربة الإرهاب بشكل فعّال وموحد.
وفي حال شنت تركيا هجومًا احتلالياً على مدينة كوباني، حذرت لامار من أن قوات سوريا الديمقراطية ستكون مضطرة لسحب قواتها إلى جبهة الشمال؛ ما سيؤدي إلى تخفيف حراسة مخيم الهول والسجون.
وأشارت إلى أن هذا الوضع من شأنه أن يزيد من المخاطر الأمنية، حيث ستستغل خلايا داعش هذه الفجوة الأمنية لتكثيف أنشطتها الإرهابية في المنطقة.
وأضافت في ختام حديثها، أن هذه التطورات ستزيد تعقيد الجهود الدولية والمحلية لمواجهة داعش، وتضع استقرار المنطقة أمام تحديات أكبر من أي وقت مضى.
في ظل هذه الأوضاع، تستمر قوات سوريا الديمقراطية في أداء مهامها، بالدفاع عن شعوب المنطقة ضد العدوان التركي ومرتزقة داعش، والمكتسبات التي حققتها بمشاركة من الشعوب المتعايشة في إقليم شمال وشرق سوريا، متعهدة تحرير المناطق المحتلة من قبل دولة الاحتلال التركي التي عاثت هي ومرتزقتها فساداً وأصبحت بؤراً للإرهاب، فيما يستدعي مساندة ودعم دولي لتلك الجهود، لقطع أيدي الإرهاب وداعمه التركي في المنطقة.