عبد الرحمن محمد
لم يكن الفنان والتشكيلي الكردي محمد علي شاكر شخصية عادية، ولم تمر أعوام حياته مرورا عاديا، بل إنه كان مثال الفنان والملحن والمغني الذي استحق عن جدارة لقب الفنان الشامل، وكان صاحب الصيت الطيب، والعمل المميز والشخصية المتفانية في عملها المحبة لوطنها والعاشقة لترابها.
مدينة الدرباسية كانت مسقط رأس الفنان العريق، وفي عام ستة وأربعين وتسعمائة وألف، تعلم في مدارسها علومه الأولى ثم انتقل إلى حلب ليدرس الآداب في جامعتها ويتخرج من قسم الأدب الإنكليزي عام 1981.
كانت مدينة سري كانيه ملاذه ومسكنه في بدايات حياته، وانتقل في بدايات حياته إليها، وعرف فيها، ولمع نجمه وعلا شأنه، بل وأضحى رمزا من رموزها “أحد ينابيع سري كانيه” كما قال عنه الكثيرون.
وفي تفاصيل عطائه الفني فإن محمد علي شاكر كان كالنبع الدفاق منذ عام 1968، ولم يتوقف عن العطاء، فهو قدم خلال مسيرته الفنية الكثير للفن الكردي منها 265 قصيدة مغنّاة، غنا منها شقيقه محمود عزيز قرابة 170 قصيدة. بينما لحن هو مجمل ما كتبه من قصائد، وغنى له من كلماته وألحانه كبار الفنانين أمثال محمد شيخو، ومصطفى خالد، وزبير صالح، وحسين صالح وشهريبانا كردي، وخوشناف تيلو، وغيرهم.
لم يكتف محمد علي شاكر بكتابة الأغنية والتلحين فقط، بل تجاوز ذلك إلى الشعر والفن التشكيلي، ورسم بالقلم والحرف والفرشاة واللون كذلك، وصدر له ديوان شعري ضم أغلب نصوص شعره.
كانت سري كانيه توأم روحه ورفيقة دربه بكل تفاصيل حياته، وهو الكردي المتفاخر بكرديته وبجمال مدينته وسحرها، وكان بحق بارعا في الموسيقى واللحن، ومتميزا بأناقة حرفه في الكتابة، بينما تجلت كرديته بملامحها المتفردة في أعماله التشكيلية، فكان كردي اللحن والكلمة واللون.
عرف عن الفنان محمد علي شاكر ارتباطه الوثيق بسري كانيه، وبكرديته وعائلته، وبتفانيه المطلق في سبيل الفن الكردي، وإيصال رسالته، فكان على صعيد الفن موسيقيًّا بارعاً، وملحناً مرموقا، وكاتباً فذاً، للأغنية، وفناناً ورساماً، أبدع بحق في رسم ملامح الكرد في يومياتهم، باللحن، والكلمة، واللون.
أغلب من عرفوا الفنان محمد علي شاكر عدوه، معلماً ومربياً للأجيال وراعياً للثقافة والفن الكردي، وشهدوا له على الدوام بالتواضع والتفاني.
“طاف محمد علي بفنه أرجاء كردستان، وأسمع اللحن والأغنية الكردية العالم، وتتلمذ على يده الكثيرون، وسيبقى علامة فارقة في تاريخ الفن الكردي، وإن كانت لنا أمنية اليوم، فهي أن نستذكر أمثاله العظماء في مسقط رأسهم، في مدنهم، التي هجروا منها قسرا في كل من سري كانيه، وعفرين، وكري سبي، وهذا الحضور اللافت له بعد رحيله، دليل محبة، وإخلاص للفنان محمد علي وفنه الصادق الملتزم”.
هكذا تكلم عنه “عمر عفدكي” أحد الشخصيات المعروفة وأحد الأصدقاء المقربين منه، وزاد على ذلك: “كان مثال الرجل المكافح، فقد تابع دراسته حتى أكملها، وعمل في مجالات عدة، كالتجارة وغيرها؛ كي يعيش بكرامة، ونفس عزيزة”.
الكاتب والناقد السوري عبد الوهاب بيراني يقول عن الفنان محمد علي شاكر في إحدى مقالاته: “كانت لديه القدرة على اكتشاف علاقة الموسيقا الداخلية بالنصوص، يشعر بها، يفهمها، يدركها، يهندسها، وكان دوره كملحن أعظم، لأنه كان يضع مفرداته في سياقها اللفظي اللحني ويحملها عبر موسيقا عذبة، إذ يتيح للنص حالة استماع تحرر النص من القراءة؛ كونه يكتب موسيقا النص زارعاً فيه أحاسيسه، وإبداعه، كون الملحن يعي الموسيقا الكامنة ضمن النص الشعري فيبتكر ويبدع اللحن الموسيقي”
أما محمد علي شاكر نفسه فيقول عن معشوقته سري كانيه في حديث سابق له: “سري كانيه كانت ملهمتي، وصومعة الإبداع، لم تكن فقط مدينتي، التي أعيش فيها، كل ما ذهب في سري كانيه بعد احتلالها لم يهزني كما هزني فقدان دفتر ذكرياتي، ومؤلفاتي طوال مسيرة حياتي”.
أفنى الشاعر والفنان محمد علي شاكر سني عمره في البحث والعمل في دنيا الفن والموسيقا والجمال، واختارته الأقدار ليرحل عن دنياه في 24 كانون الأول عام 2020، ليوارى الثرى في مدينة عامودا مدينة الحب والجنون، لعله يعود إليها وهي مكللة بغار الحرية وحمائم السلام كما كان يراها دائما.