قامشلو/آرين زاغروس ـ بينما يحتفل السوريون بفتح سجون الأسد في سوريا يبقى هناك آلاف المدنيين في عفرين داخل سجون الاحتلال التركي ومرتزقته وبالرغم من كشف إحصائيات المعتقلين الموثقة بالأسماء، والتي تجاوزت تسعة آلاف معتقل، بقي المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والإنسانية يغضان الطرف عن محاسبة أردوغان.
كشفت خفايا سجون ومعتقلات الأسد، بعد أن فُتحت زنزانات الأسرى، وبقيت العديد من السجون في الأراضي السورية مغلقة بمعتقليها، الذين ينالون المعاملة نفسها التي تلقاها معتقلو الأسد في سجن صيدنايا وفلسطين وعدرا وغيرها من السجون التي حرمتهم الحياة والنور.
ففي عفرين أيضاً، وبعد احتلالها من قبل الاحتلال التركي ومرتزقته 18 آذار 2018 تحولت مدينة الغصن الأخضر إلى بؤرة للفساد والقتل والنهب والخطف، وإلى معتقل وبؤرة للإرهاب، إلى جانب افتتاح سجون اكتظت بالمعتقلين، لترسم صورة واضحة لمعتقل داخل معتقل يرتكب فيها أشد أنواع التعذيب، بتلفيق تهم من دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها، فإما الموت داخل السجن أو الاعتراف بجرم لم يرتكبوها، ليفرجوا عنها بالأخير بدفع فدية ومبلغ باهظ، كما رواها من خرج منها.
سجون للقتل والتعذيب
بعد إن احتلت عفرين سرعان ما أُنشئت عشرات السجون لتبدأ حملة الاعتقالات بحق كل من قرر التمسك بأرضه وعدم الخروج منها سواء السكان الأصليون أو النازحون، وذلك رغم كل الضغوطات التي فرضوها على أبناء المنطقة، ليتعرضوا لأشد أنواع التعذيب.
ومارس الاحتلال التركي سطوته الأمنية على المواطنين الكُرد على وجه التحديد، واعتقل الآلاف منذ أن احتل المنطقة، تارةً بتهمة العمل السابق ضمن مؤسسات الإدارة الذاتية، وتارةً أُخرى لتواصلهم مع أشخاص خارج مناطق الاحتلال التركي، وفي مجمل الأحيان يكون الهدف تحصيل فدية مالية من هؤلاء المواطنين مقابل إطلاق سراحهم، إلى جانب ممارسة أبشع أنواع التعذيب النفسي، والجسدي بحقهم ضمن سجونه السرية التي تصل إلى أكثر من 25 سجناً أُنشئت في مختلف مناطق عفرين، أشدها قسوةً هي سجون: “كفر جنة، راجو، الشرطة العسكرية، باسوطة، المحطة، الحمزات”.
ولم يكتفِ الاحتلال التركي بتحويل عفرين إلى سجن بل سعى لنقل العديد من المعتقلين إلى تركيا لتعذبهم في سجونها، وقد وثّق مركز توثيق الانتهاكات 11 عملية نقل للمختطفين السوريين بشكل غير قانوني، من السلطات التركية إلى داخل أراضيها، وصل عددهم لما يقارب 140 مواطناً، بينهم نساء، فيما أصدرت بحقهم أحكاماً بالسجن لفترات طويلة، وذلك منذ تشرين الثاني عام 2019 حتى العاشر
تسعة آلاف سجين وأكثر
أطلقت مرتزقة الاحتلال التركي حملات المداهمة والاعتقالات في مدينة عفرين وريفها، منذ فرض سيطرتها عليها، وتمكن “مركز توثيق الانتهاكات” من رصد قيام مرتزقة “الجيش الوطني” والأجهزة الأمنية المرتبطة بتركيا باعتقال ما لا يقل عن 883 شخصاً في عفرين بينهم نساء خلال 2020.
وخلال عام 2021 وثقت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” اعتقال ما لا يقل عن 584 شخصاً في منطقة عفرين، كان من بينهم 46 امرأة و16 طفلاً وطفلة.
وثقت رابطة “تآزر للضحايا”، اعتقال ما لا يقل عن 633 شخصاً، بينهم 40 امرأة و21 طفلا، بشكل تعسفي، خلال عام 2022على يد جيش الاحتلال التركي ومرتزقته “الجيش الوطني السوري”.
وثلاثة من المحتجزين استشهدوا لتعرضهم للتعذيب بشدة في سجون المرتزقة، وتمَّ إطلاق سراح 208 أشخاص فقط، بينهم 13 امرأة و11 طفلاً، من عموم المحتجزين، فيما لا يزال مصير 422 شخصاً، بينهم 27 امرأة وعشرة أطفال مجهولين.
وفي عام 2023 وثق موقع “ريباز نيوز” حالات الاعتقالات التعسفية بحق المدنيين في مدينة عفرين ونواحيها وقراها، وحسب التوثيق؛ فإن 344 حالة اعتقال تعسفي شهدتها عفرين وريفها، من الشرطتين العسكرية والمدنية ومرتزقتها المنضوية ضمن مرتزقة الجيش الوطني.
ووثق “المرصد السوري لحقوق الإنسان” استشهاد 39 شخصًا من أبناء عفرين، تحت التعذيب على يد المرتزقة التابعة لدولة الاحتلال التركي، بينهم طفل دون سن الـ 18 وأربع مواطنات، منذ عام 2018 حتى عام 2021. ومنذ بداية عام 2024 وصل عدد الذين قتلوا تحت التعذيب في السجون إلى 184 شخصاً، كما وثق مركز توثيق الانتهاكات اختطاف أكثر من 632 شخصاً.
فيما نقلت سلطات الاحتلال التركي في ثالث عملية نقل للمعتقلين في شهر آذار المنصرم، 27 معتقلًا بينهم 11 امرأة وفق ما ذكره موقع نورث برس.
وحسب توثيق منظمة العفو الدولية والمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان فمنذ آذار 2018 حتى كانون الأول 2024 قد تم اعتقال9510 أشخاص مدنيين في عفرين، وبقي مصير 1452 سجيناً مجهول المصير، واستشهد تحت التعذيب 154 مدنياً.
الوضع في السجون
أن تكون كردياً، تلك تهمة كافية للاعتقال والاختطاف وحتى القتل في عفرين، وبسبب هذه التهمة يُحتجز المعتقلون في سجون ذات ظروف سيئة وغير صحية، حيث تفتقر هذه الأماكن إلى الشروط الدنيا من النظافة والرعاية الطبية. تشهد هذه السجون تفشيًا للأمراض بسبب الاكتظاظ وسوء التهوية وانعدام النظافة، مما يؤدي إلى تدهور حالة المعتقلين الصحية. بالإضافة إلى ذلك، لا يُسمح لهم بالحصول على أي رعاية طبية مناسبة، مما يزيد معاناتهم.
ويتعرضون للتعذيب النفسي والجسدي، حيث يتم استخدام وسائل قمعية لإجبار المعتقلين على الإدلاء باعترافات قسرية أو للحصول على معلومات. تُعد أساليب التعذيب هذه انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، وتتنافى مع الاتفاقيات الدولية التي تضمن حقوق المعتقلين.
فوفقاً للقانون الجنائي الدولي واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، فإن الإخفاء القسري، والاعتقال التعسفي، وحجز الحريات، وطلب الفدية، إبان النزاعات المسلحة، كلها تندرج ضمن جرائم الحرب، وهي ما نشهده في عفرين وسجونها.
وقد وثقت العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية شهادات معتقلات خرجن من سجون عفرين، إذ روين كمية الإجرام، التي تعرضن لها ضمن السجون، ووصفنها بأقبية الجحيم حيث واجهن فيها الإهانات والشتائم والألفاظ النابية باستمرار، وتعرضن للضرب سواء بالصفع أو مواسير المياه، وعدة فتيات تعرضن للتعذيب بالصعق بالكهرباء، والاغتصاب، والعديد منهن حاولن الانتحار.
هذا وقد أكدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا، قيام مرتزقة “الجيش الوطني السوري” باحتجاز نساء وفتيات، حيث تعرضن للاغتصاب والعنف الجنسي، وتم تسجيل 67 حالة اغتصاب منذ احتلال عفرين من دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها على المنطقة، وفقاً لمنظمة حقوق الإنسان في عفرين، إضافة لخمس حالات انتحار جرى توثيقها في عام 2019.
ومن أبرز مظاهر الانتهاكات التي تمارسها هذه المرتزقة منع ذوي المعتقلين من التواصل معهم أو معرفة مكانهم أو سبب اعتقالهم، كما وأن الجهات التي نفذت الخطف تعتمد شبكة سماسرة مهمتهم التواصل مع أهالي المختطف لطلب فدية قد تصل إلى 15 ألف دولار أمريكي. كما يُحرم هؤلاء المعتقلون من حقهم في الحصول على محامٍ أو التوجه إلى القضاء للدفاع عن أنفسهم.
ويتكرر المشهد في سجون عفرين التي كانت الوجه الآخر لسجن صيدنايا إذ عامل مرتزقة الاحتلال التركي السجناء والمعتقلين بالوحشية ذاتها، التي تعرض لها معتقلو سجن صيدنايا، إلا أن هؤلاء سجنوا بتهم لا يعدها القانون الدولي جنايات تستحق الحبس أو التعذيب.
غياب المحاسبة الدولية
إن تركيا منذ احتلت الأراضي السورية ترتكب العديد من الجرائم، ولكنها لا تعدها جريمة تستدعي محاسبتها، فيما تتغنى في المحافل الدولية والساحات الحقوقية بالمطالبة بمحاسبة غيرها من مرتكبي الجرائم ذاتها في مناطق أخرى، وهذا ما شهدناها في الكثير من التصريحات التي أطلقتها تركيا، تحت عنوان الأفعى تطالب بمحاسبة الأسد.
فقد وصفت دولة الاحتلال التركي الأسد بالمجرم الذي يقتل شعبه، وقدّمت محامية تركية في كانون الأول عام2024 شكوى جنائية إلى مكتب المدعي العام في إسطنبول تطالب فيها بمحاكمة المسؤولين عن الجرائم، التي ارتُكبت في سجن صيدنايا السوري، وذلك نيابة عن الضحايا، ومن بينهم نساء تعرضن للاغتصاب وأشخاص عُذبوا وقتلوا تحت التعذيب.
فيما حجب المشهد عن السجون في عفرين التي تحذو على خطا الأسد في تعذيب الأبرياء في السجون، وعوضاً عن محاسبة نفسها توجه دولة الاحتلال التركي أصابع الاتهام إلى الأسد فقط، هذا وقد فتحت سجون الأسد، وبقيت سجون الاحتلال التركي محكمة الإغلاق ينتظر محتجزوها الفرج.
ومع كشف إحصائيات المعتقلين الموثقة بالأسماء والتي تجاوزت تسعة آلاف معتقل، بقي المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والإنسانية توجه أنظارها إلى السجن الذي فتحت أبوابه بعد أن سقط الأسد، وغضت الطرف عن سجون الاحتلال التركي التي تسير على خطا الأسد، وتعد أشد وحشية منه في عفرين دون محاسبة دولية.
وبدورها استطاعت التقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية السورية والكردية، إضافة لتلك الصادرة عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة الخاصة بسوريا والتابعة لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، توثيق جزء من انتهاكات حقوق الإنسان في منطقة عفرين، وتوصيفها على أنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وذلك على الرغم من التشديد الأمني، والتعتيم الإعلامي وعدم السماح بدخول الإعلام المستقل لتلك المناطق، كذلك غياب المنظمات الحقوقية والإنسانية المعنية، والتضييق على النشطاء وملاحقتهم، وهو ما يؤكد بأن الانتهاكات التي أميط عنها اللثام، ليست سوى جزء يسير من حقيقة تردي أوضاع حقوق الإنسان في عفرين.