No Result
View All Result
المشاهدات 63
محمد عيسى
مرة أخرى تكشف دولة الاحتلال التركي ومرتزقها من العمشات والحمزات عن انتهاكاتها واعتداءاتها المُمارسة في المناطق التي تحتلها، ففي منبج تظهر معاناة الأهالي لتكون الجرائم متطابقة لما يُرتكب في عفرين وسري كانيه وكري سبي، من إبادة شعب، وإعدام ميداني ونهب وسرقات.
في 15 آب 2016، استطاعت مدينة منبج أن تتنفس الصعداء لأول مرة بعد سنوات من القمع والدمار على يد مرتزقة “داعش”، حيث كان تحريرها محطة تاريخية تحققت بسواعد قوات سوريا الديمقراطية التي لم تبخل جهداً في الدفاع عنها، ليختلط دم العربي مع الكردي وغيرهم من الشعوب ونيل مرتبة الشهادة، وعلى مدار ثماني سنوات، استطاعت شعوب منبج إدارة منطقتهم بجميع نواحيها، وتحقيق إنجازات جمّة، لينعم أبنائها بالأمن والاستقرار.
استمر الوضع في منبج على هذا الحال، حتى تاريخ 27 تشرين الثاني المنصرم، لدى دخول مرتزقة دولة الاحتلال التركي “الحمزات والعمشات” إلى منبج وارتكاب جرائم حرب وانتهاكات بحق أبناء المنطقة، من إعدام ميداني وتعذيب وإهانة، ناهيك عن النهب والسرقة.
اليوم، تعيش منبج فصلاً جديداً من المعاناة، بعدما وقعت في قبضة الاحتلال التركي والمرتزقة التابعة لها في سيناريو يُعيد إلى الأذهان مآسي عفرين وكري سبي وسري كانيه.
منبج بين التحرير والاحتلال
عندما سيطر مرتزقة “داعش” على مدينة منبج، فرضوا عليها سنوات من الرعب والقمع، حيث حوّل المرتزقة المدينة إلى سجنٍ كبير يعجُّ بالإعدامات العلنية والاعتقالات العشوائية، وفرضوا تفسيرهم المتطرف للدين على الأهالي، لتعاد اليوم الانتهاكات والجرائم نفسها بحق أبناء منبج، فبعد خلاص الشعب السوري من بشار الأسد، حيث عمّت الفرحة في أرجاء سوريا ككل، استغلت دولة الاحتلال التركي تلك الظروف لتقضم مساحات أكثر من الأراضي السوريّة وبالأخص في إقليم شمال وشرق سوريا، لذا وجهت مرتزقتها من العمشات والحمزات صوب منبج، والتي باتت تشكل الوجه الآخر من مرتزقة “داعش” لكن بأسماء مختلفة، باتت تمارس أنواعاً من الإرهاب وجرائم الحرب ذاتها، مثل الإعدام الميداني، النهب، التهجير القسري، والتضييق على السكان بهدف تغيير الطابع الديموغرافي للمدينة.
التعفيش.. نهب منهجي للممتلكات
ومنذ أن فرضت مرتزقة الحمزات والعمشات التابعتين لدولة الاحتلال التركي سيطرتها على منبج، برز “التعفيش” كإحدى أبرز المظاهر التي تعكس واقع الاستيلاء على ممتلكات المواطنين. المرتزقة اجتاحوا منبج ونهبوا ما يُمكِن بيعه أو استخدامه في تمويل أنشطتها العسكرية. المنازل التي كانت تُعدُّ ملاذًا آمنًا للسكان، والمحلات التجارية التي كانت تُشكّل مصدر دخلهم، وحتى الأراضي الزراعية التي كانت تُعتمد كمصدر رئيسي للرزق، لم تسلم من يد المرتزقة.
وفقاً لتوثيقات منظمات حقوقية محلية ودولية، فقد بدأ الاستيلاء على الممتلكات الخاصة في اليوم الأول من دخول المرتزقة إلى منبج. لم تقتصر عمليات النهب على الممتلكات الشخصية فحسب، بل شملت أيضًا المحال التجارية التي كانت تُزاول أنشطتها بحرية قبل الاحتلال، إضافةً إلى الأراضي الزراعية التي تُشكل العمود الفقري للاقتصاد المحلي، هذه السياسة الممنهجة كشفت هدفهم الأساسي الرامي إلى تجريد سكان المدينة من ممتلكاتهم، مما يفاقم معاناتهم اليومية ويزيد من ضغوط الحياة في المدينة.
المزارعون هم الأكثر تضررًا من هذه الممارسات، حيث يتم تهديدهم أو إجبارهم على بيع محاصيلهم بأسعار منخفضة أو حتى الاستيلاء عليها بالقوة، هذا الوضع يزيد من حدة الأزمات التي يواجهها السكان، حيث تُعتبر الزراعة المصدر الأساسي لدخل العديد من الأسر المحلية.
القتل الميداني والتصفية العرقيّة
في 10 كانون الأول الجاري، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الانتهاكات التي تقوم بها المرتزقة المدعومة من الاحتلال التركي في مدينة منبج لم تقتصر على النهب والسرقة، بل شملت عمليات قتل ميدانية، حيث قام مرتزقة “العمشات” و”الحمزات” بتنفيذ إعدامات ميدانية بحق العشرات من مقاتلي “مجلس منبج العسكري”، الذين كانوا يتلقون العلاج في أحد المستشفيات العسكرية شمال المدينة. هذه العمليات شملت أيضًا عمليات قتل على الهوية، حيث تم استهداف أبناء المنطقة وفقًا لانتمائهم العرقي والسياسي.
تُظهر هذه العمليات أن مرتزقة العمشات والحمزات المدعومة من الاحتلال التركي لا تكتفي بالسيطرة العسكرية على مدينة منبج، بل تسعى أيضًا للقضاء على معارضيها المحليين باستخدام أساليب قاسية تصل إلى حد جرائم الحرب.
فالممارسات التي تتضمن القتل العشوائي والتعذيب والاعتقالات غير القانونية تشير إلى أن هذه المجموعات من المرتزقة تعمل على تصفية الحسابات السياسية والاجتماعية داخل المنطقة، مما يعزز من معاناة المدنيين المحليين.
وإضافةً إلى عمليات القتل والنهب، استمرت الاعتقالات العشوائية ضد المدنيين تحت تُهم غير واضحة، مما فاقم معاناة الأهالي. التقارير الميدانية من المرصد السوري لحقوق الإنسان تؤكد أن المرتزقة المرتبطة بالاحتلال التركي قد طالت سلوكياتها التدميرية مدينة منبج بشكلٍ متزايد، ما جعل من الصعب على السكان استعادة حياتهم الطبيعية بعد التحرير الذي شهدوه في 2016.
التهجير القسري والتغيير الديموغرافي
التهجير القسري والتغيير الديموغرافي في منبج يشكلان جزءًا من سياسة الاحتلال التركي ومرتزقتها المعروفة التي لا تقتصر على السيطرة العسكرية وحسب، بل تسعى إلى تنفيذ تغييرات جذرية في التركيبة السكانية للمنطقة بما يخدم أجنداتها طويلة الأمد. كما حدث في مناطق أخرى مثل عفرين وسري كانيه، وكري سبي/ تل أبيض، يتم في منبج استخدام أساليب متعددة لتهجير السكان الأصليين قسرًا من منازلهم، وهو ما يؤدي إلى تغيير هوية المدينة بشكلٍ متسارع.
مجموعات المرتزقة المدعومة من الاحتلال التركي، والتي تسيطر على المنطقة، تمارس عمليات تهجير ممنهجة من خلال ممارسات متنوعة مثل فرض إتاوات باهظة، القيام بالاعتقالات التعسفية، وإجراء مداهمات ليلية على المنازل، هذه العمليات تستهدف بالدرجة الأولى إجبار السكان المحليين على مغادرة مدنهم وترك ممتلكاتهم، والتي يتم الاستيلاء عليها وتوزيعها على عائلات المرتزقة المسيطرة على منبج.
تسعى هذه المجموعات إلى فرض واقع ديموغرافي جديد في المدينة عبر توطين عائلات المرتزقة والمرتزقة القادمين من مناطق أخرى في سوريا ومن خارجها، في محاولة لتغيير النسيج الاجتماعي للمناطق التي تحتلها. هذه الممارسات تهدد بمحو التنوع الاجتماعي والعرقي الذي كانت تتمتع به منبج، وهي تهدف إلى تحويل المدينة إلى منطقة خاضعة بالكامل لنفوذ المرتزقة التابعة للاحتلال التركي.
تقارير ميدانية من منظمات حقوقية وصحفية تشير إلى أن المئات من العائلات قد تم تهجيرها قسريًا من منازلها خلال الفترة الأخيرة، وعمليات الاعتداء والاستيلاء على الممتلكات تتواصل يوميًا، مما يزيد من حدة المعاناة للسكان المحليين ويعزز من تهديدات المنطقة التي تعيش في حالة من الانهيار المستمر.
الخدمات الأساسية.. معاناة يوميّة للسكان
مدينة منبج، التي كانت في وقتٍ من الأوقات رمزًا للاستقرار النسبي والتحرر من مرتزقة “داعش”، بعد تحريرها على يد قوات سوريا الديمقراطية كانت تشهد حياة طبيعية نسبيًا، حيث عادت الخدمات الأساسية بشكلٍ تدريجي، وتمكنت العائلات من العودة إلى منازلها بشكلٍ آمن.
لكن مع تزايد النزاع على الأرض بين القوى المحلية والداعمة، ودخول الاحتلال التركي والمرتزقة التابعة له، بدأت معاناة سكان المدينة تتصاعد بشكلٍ كبير، ووفقًا لتقارير متعددة، فإن الوضع الأمني قد تدهور نتيجة الانتهاكات التي ذكرناها آنفاً، وإضافةً إلى ما سبق فقد شهدت منبج انهياراً لمعظم الخدمات الأساسية.
هذا التدهور في الأوضاع يشمل انقطاع الكهرباء والمياه بشكلٍ شبه دائم، مما جعل الحياة اليومية أكثر صعوبة على الأهالي.
وفي ظل غياب الأمن، تواجه المستشفيات والمدارس أزمات خطيرة. المستشفيات تعاني من نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية، مما يجعل تقديم الرعاية الصحية أمرًا صعبًا. كذلك، أدى نقص المواد التعليمية وتدهور البنية التحتية إلى تدهور النظام التعليمي في المدينة، مما يهدد مستقبل الأطفال، الذين كانوا يأملون في تعليم أفضل بعد تحريرهم من ظلم “داعش”.
بسبب هذه الأوضاع، أصبحت المدينة بحاجة ماسة إلى تدخّل إنساني عاجل، ليس فقط لتوفير الخدمات الأساسية، ولكن أيضًا لضمان حماية السكان المحليين من الانتهاكات المستمرة من قبل دولة الاحتلال التركي، فأبناء منبج سرعان ما وجهوا نداءات استغاثة لإنقاذهم مما حلَّ بهم، وسرعان ما لبت الإدارة الذاتية النداء بإرسال قافلات لإنقاذهم، إلا أن مرتزقة الحمزات والعمشات، تمنع إجلاء الأهالي هناك لتزيد من الانتهاكات بحقهم، لتبقى منبج رهينة ممارسات لاإنسانية تقوم بها دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها، أمام مرأى العالم، في حين يلتزم المجمع الدولي والمنظمات الإنسانية والحقوقية الصمت، تجاه تلك الجرائم.
صرخات بلا استجابة
رغم الانتهاكات المستمرة التي يعيشها أهالي منبج تحت سيطرة الاحتلال التركي والمجموعات المرتزقة التابعة له، يواصل سكان المدينة إصدار نداءات استغاثة للمجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية، هذه النداءات التي تم توثيقها عبر شهادات السكان وتقارير منظمات حقوق الإنسان، تبرز وقوع جرائم حرب منها التهجير القسري، النهب، والتعذيب، فضلاً عن محاولات تغيير التركيبة السكانية للمدينة التي ذكرناها سابقاً.
ومع تكرار هذه النداءات، يظهر تجاهل المجتمع الدولي، الذي يبقى غارقًا في صراعاته السياسية دون تحرك حقيقي على الأرض. إذ تقتصر ردود الفعل على تصريحات عامة لا تؤدي إلى حلول ملموسة، مما يترك سكان منبج يواجهون مصيرهم بشكلٍ فردي، في وقتٍ هم في أمسِّ الحاجة إلى تدخّل دولي فعّال.
إن معاناة منبج ليست مجرد قضية محلية أو فئوية، بل هي جزء من سياسة توسعية تنتهجها تركيا في شمال سوريا. هذه السياسة تهدد استقرار المنطقة بشكلٍ أكبر وتزيد من تعقيد الصراع، حيث تعتمد تركيا على المجموعات المرتزقة كأدوات لتنفيذ أجندتها، متجاهلةً القوانين الدولية وحقوق الإنسان.
بين الألم والأمل
منبج، التي كانت رمزاً للتحرر من إرهاب “داعش”، اليوم تواجه تحديات جديدة جراء الاحتلال التركي والمجموعات المرتزقة التابعة له. رغم المعاناة اليومية التي يعيشها سكان المدينة، فإنهم لا يزالون يحتفظون بأمل في المستقبل. المقاومة الشعبية ضد الاحتلال والانتهاكات المستمرة تمثل صموداً وعزيمة الأهالي الذين يرفضون الاستسلام بسهولة.
لكن هذا الأمل في المستقبل يظل مشروطاً بدعم دولي حقيقي. إنهاء الاحتلال التركي وتحرير المدينة من المجموعات المرتزقة الموالية له يجب أن يكون على رأس الأولويات، ليس فقط لإنقاذ منبج، بل لضمان استقرار المنطقة بأسرها. إن مدينة منبج التي شهدت تحولاً تاريخياً في محاربة الإرهاب، تواجه اليوم مأساة جديدة تتطلب تحركاً حاسماً على المستوى الدولي.
منبج ليست مجرد مدينة محتلة، بل هي شهادة حيّة على الثمن الذي يدفعه الأبرياء في ظل صراع يتغلّب فيه النفوذ السياسي على حقوق الإنسان.
No Result
View All Result