دجوار أحمد أغا
ليس هناك شعب على وجه الأرض، تعرض لما تعرض له الشعب الكردي، حيث انقسم وطنه إلى أربعة أقسام بين دول مختلفة، وتعرضه للظلم والاضطهاد المزدوج عبر تاريخه الطويل، فهناك الكثير من الشعوب التي تم تقسيم دولها وأوطانها الى قسمين مثل (فيتنام، ايرلندا، ألمانيا، كوريا، اليمن، وغيرها)، حيث استطاع البعض منهم تحطيم الحدود المصطنعة وتحقيق الوحدة، بينما ما يزال البعض يناضل من أجل تحقيق وحدته، لكن ليس هناك سوى الكرد الذين أصبح وطنهم “مستعمرة دولية”!، فكردستان مقسّمة عملياً بين أربع دول إن لم تكن أكثر، وهذه الدول مجتمعة ترفض وبشكل قاطع الاعتراف بأن الكرد هم أصحاب الأرض الحقيقيون وتتعامل معهم وكأنهم مواطنون من الدرجة العاشرة، أعتقد بأنه قد حان الوقت اليوم أكثر من أي يوم مضى أن يتحرك المجتمع الدولي ويتخذ موقفاً واضحاً وصريحاً إزاء التغريبة الكردية التي هي بالفعل مأساة العصر
حضارة الكرد
فالكرد أصحاب حضارة عريقة عبر تاريخهم الطويل الممتد إلى آلاف السنين ما قبل الميلاد، كيف لا وهم أحفاد الميتانيين والكاردوخ والهوريين والميديين، الذين أسسوا إمبراطوريات عظيمة، ذات شأن كبير في الشرق الأوسط والعالم القديم، كانت لها علاقات قوية ومتينة مع دول الجوار مثل “بابل ومصر والحثيين”، والتي وصلت إلى درجة التحالف معاً في مواجهة الأخطار الخارجية التي كانت تهدد شعوب المنطقة، لا بل تعدت ذلك الى درجة المصاهرة ونقل الخبرات بين بعضهم البعض، فكان إن تزوج الملك البابلي العظيم “نبوخذ نصر” الأميرة الميدية “أميديا” التي بنى لها “حدائق بابل المعلقة”، والتي تُعد من عجائب الدنيا السبع القديمة، بينما تزوجت الأميرة الميتانية (تادو هيبا) الفرعون المصري “أمنحوتب الرابع” الذي غيّر ديانته وحتى اسمه الى إخناتون، بينما اشتهرت الأميرة الميتانية بـ “الملكة نفرتيتي”.
مشاركة الكرد في بناء الأوطان
وللكرد مشاركة رئيسية وفعالة في بناء العديد من الأوطان في المنطقة، وخاصةً أوطان الشعوب العربية والتركية والفارسية أيضاً، فالكرد لم يكونوا في يوم من الأيام عنصريين أو متشددين ضد باقي شعوب المنطقة، لذا نراهم كيف يساهمون في بناء الأوطان وتطوير المجتمعات في الشرق الأوسط، ففي سوريا والعراق كان للكرد دور كبير في تحريرها من الاحتلال العثماني البغيض، ومن ثم الاستعمار الإنكليزي/ الفرنسي بحق البلدين تحت مسمى الانتداب، يكفي أن نذكر أسماء “محمد كرد علي، جميل صدقي الزهاوي، معروف الرصافي، يوسف العظمة، إبراهيم هنانو، بكر صدقي، حسني الزعيم” وغيرهم الكثيرين لنعرف مدى مساهمة الكرد في بناء هذه الأوطان، إضافة لمشاركة الكرد في باكور كردستان وتركيا بكل قوة، فيما أسماها “مصطفى كمال” بحرب الاستقلال، لكن للأسف تم فيما بعد التنكر للوعود التي كان قد قطعها للكرد بالشراكة في الوطن ونيلهم حكمهم الذاتي في مناطقهم.
وفي العراق وسوريا أيضاً نكر كل ما قام به الكرد من أجل هذين البلدين وتأسيسهما، وارتكبت الكثير من المجازر بحق الكرد ولعل أكثرها إيلاماً ما قامت به نظام البعث في البلدين بحق الكرد من تغير ديمغرافي لمناطقهم وممارسة سياسة التعريب بشكل ممنهج بحقهم.
مساهمات الكرد في الحضارة العالمية
لم يكتفِ الكرد بالمشاركة في بناء الأوطان، بل ساهموا إلى حد كبير في الحضارة العالمية من خلال شخصيات لها باع طويل في مختلف جوانب الحياة، ولكون الكرد أصحاب حضارة عريقة ولهم رسالة إنسانية سامية، قاموا بتقديم المساعدة لبقية شعوب المنطقة وأسهموا في بناء حضاراتها، فقد ساهموا في إغناء ثقافة العالم وتاريخه بشكل كبير على مدى قرون عديدة سواء بالفن، والأدب، أو الفلسفة والعلوم والتاريخ.
فالكرد لديهم “عمر الخيام، فقي تيران، ملاي جزيري وأحمدي خاني صاحب ملحمة “مم وزين” والتي تضاهي “روميو وجوليت” شكسبير”، بالإضافة الى الأنواع المختلفة والمتنوعة من الرقص الكردي الجميل والملابس المزركشة الزاهية الألوان، كما قدّم الكرد الكثير من العظماء في مختلف مجالات العلوم (الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، والعلوم الطبيعية)، يكفي أن نذكر البروفيسور “توفيق موساوند” من روجهلات كردستان الذي يعتبر مخترع القلب الصناعي، وهو رئيس ومدير قسم أبحاث القلب والأوعية الدموية في معهد أمراض القلب بجامعة “أوتاوا” الكندية.
ولا ننسى بالطبع ما قدّمه القائد الكردي الكبير “صلاح الدين الأيوبي” للعالم أجمع من خصال حميدة وأخلاق نبيلة وسامية، وتحريره بيت المقدس وتسامحه مع الأعداء، بالإضافة الى ما قدمه الموسيقار الكردي الأشهر “زرياب” للموسيقا العالمية وهناك ابن خلكان، أبو الفداء، وابن الأثير وغيرهم.
ما تعرض له الكرد سابقاً
ومع بداية القرن التاسع عشر، بدء الكرد مثل بقية شعوب العالم بالسعي لنيل حريتهم والعيش بكرامة فوق تراب وطنهم الأم كردستان، ولذلك، قامت العديد من الثورات والانتفاضات في مختلف مناطق كردستان المحتلة ضد السلطات القائمة سواء العثمانية أو الصفوية، وفيما بعد ضد الأتراك، والفرس، والإنكليز الذين ألحقوا باشور كردستان (لواء الموصل) بالدولة العراقية الحديثة التكوين والواقعة تحت انتدابها بموجب اتفاقية سايكس ـ بيكو، بالمقابل تعرض الكرد في روجهلات المحتلة للكثير من القمع والظلم من إيران، وقد استطاع الكرد هناك من خلال الظروف الملائمة غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945 تأسيس أول جمهورية كردية في التاريخ الحديث تحت اسم “جمهورية كردستان الديمقراطية”، والتي أعلن عن تأسيسها القاضي محمد في ساحة “جارجرا” بمدينة مهاباد بتاريخ 22/1/1945، فيما لم تستمر هذه الجمهورية الفتية سوى 330 يوماً، حيث دخل إليها الجيش الإيراني الذي ألقى القبض على الرئيس “قاضي محمد” وتم إعدامه في 31 اذار 1947.
ما يتعرض له الكرد الآن
ويتعرض الكرد في الوقت الحالي، وخاصةً في بداية الألفية الثالثة، للكثير من الظلم والاضطهاد من جانب الدول المحتلة لكردستان، وأولها “دولة الاحتلال التركي”، على الرغم من اليد الممدودة من أجل السلام وبناء علاقة حسن جوار مع تركيا من جانب قادة ومسؤولي الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، إلا إن النظام الحاكم في تركيا، يرفض مصافحة هذه اليد، ويقابلها بالحديد والنار، ويرفض التفاوض والحوار مع الساسة الكرد في باكور كردستان، حيث يستمر بزجهم في السجون والمعتقلات، وممارسة سياسة الإبادة والتعذيب بحق القائد والمفكر “عبد الله أوجلان” المعتقل بجزيرة إيمرالي منذ 26 عاماً، بالإضافة الى احتلاله مناطق عدة في باشور كردستان وروج آفا، وهو مصر على اتباع سياسة الحرب والاستمرار في احتلال المزيد من الأراضي، فما يتعرض له الكرد في المناطق المحتلة من دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها كـ “عفرين، وسري كانية، وكري سبي” ومناطق مقاطعة عفرين والشهباء مؤخراً، جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات ترتقي إلى مستوى التطهير العرقي.
وختاماً، فأي حديث عن الديمقراطية والحرية والمساواة بعيداً عن الكرد، ليس له أية مصداقية على الإطلاق، فالكرد ومنذ الأزل، هم من أسسوا للنظام الديمقراطي في المنطقة عبر كونفدرالية الشعوب التي قادت نضال شعوب الشرق الأوسط، واستطاعت الوقوف في وجه ظلم وطغيان الإمبراطورية الآشورية وفي نهاية المطاف إسقاطها سنة 612 ق. م، الكرد شعب متحضر خرج من أحشائه الكثير من العظماء في مختلف مجالات الحياة السياسية، الاجتماعية، الفكرية، والعسكرية، لسنا هنا في وارد تعداد أسماء هؤلاء العظماء فالكل أصبح يعرفهم، لكن البعض وعلى وجه الخصوص من يتبعون الوهم التركي في إعادة إحياء أمجاد العثماني البغيض، يرفضون رؤية هذه الحقيقة الساطعة، فقد حان الوقت لقراءة واقعية وصحيحة لما يجري من أحداث في المنطقة، وبالتالي تحقيق مصالح شعوب المنطقة عموماً وفي مقدمتها الشعب الكردي.