حسام الدخيل
شهدت سوريا خلال الأيام القليلة الماضية تحولات كبيرة وسريعة، حيث أطاحت ثورة شعبية عارمة بالنظام الديكتاتوري، ففر بشار الأسد مع عائلته بعد السيطرة على العاصمة دمشق، فيما استغلت دولة الاحتلال هذه الظروف فكثفت هجماتها على إقليم شمال وشرق سوريا.
وسيطرت هيئة تحرير الشام على مساحة من الأراضي السورية وأغلب المدن الكبرى، باستثناء مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، التي لازالت تقاوم ضد هجمات دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها في المنطقة.
تفاصيل مثيرة عن محاربة النظام السوري
في السابع والعشرين من شهر تشرين الثاني الفائت، أعلنت هيئة تحرير الشام بدء عملية عسكرية تستهدف جيش النظام السوري في مناطق ريف حلب كضربة استباقية لمنع الجيش من التقدم صوب المناطق، التي تسيطر عليها المجموعات من هيئة التحرير في شمال غرب سوريا.
وبدأ الهجوم العسكري صوب ريف حلب الغربي، وكانت أول عملية عسكرية بين الطرفين منذ إعلان الاتفاقية التركية الروسية منذ شهر آذار من العام ٢٠٢٠.
وسرعان ما بدأت تتهاوى البلدة تلوى الأخرى بيد هيئة تحرير الشام وغيرها من المجموعات، التي انضمت إليها حتى وصلت مدينة حلب في الثلاثين من شهر تشرين الثاني أي بعد ثلاثة أيام فقط من إطلاق العملية العسكرية، وسط انهيار تام لجيش النظام السوري، وبدورها سيطرت مجموعات المعارضة على كامل مدينة حلب، والتي كانت أشبه بالقشة التي قصمت ظهر البعير، فما هي إلا أيام قليلة، وقد أعلنت هيئة تحرير الشام عن سيطرتها على مدينة حماة، ومن ثم مدينة حمص، ودرعا والسويداء وفي اليوم الحادي عشر للعملية العسكرية توجهت المجموعات المشاركة بالعملية العسكرية صوب العاصمة دمشق، التي دخلتها بدون قتال بعد انهيار الجيش السوري وفراراه العشوائي، الأمر الذي دفع رأس النظام السوري بشار الأسد إلى الهروب إلى جهة مجهولة، وعندها أعلن التلفزيون السوري سقوط النظام في سوريا، وانتصار الثورة في سوريا بعد أربعة عشر عاماً على انطلاق شرارتها الأولى من محافظة درعا في الجنوب السوري.
أحد عشر يوماً كانت كفيلة بإطاحة الأسد
لم يصمد الأسد الابن سوى أحد عشر يوما إلا وقد أعلنت هيئة تحرير الشام سقوطه بشكل رسمي ورفع راياتها على بناء القصر الجمهوري.
أربعة عشر عاماً مارس فيها بشار الأسد وأجهزته الأمنية أبشع الجرائم بحق الشعب السوري، من قتل المتظاهرين السلميين وزجهم في المعتقلات، وقصف البلدات والمدن بالبراميل المتفجرة والصواريخ، واستخدام غاز السارين والأسلحة الكيميائية المحرمة دولياً في أكثر من مناسبة، والاستنجاد بروسيا في العام ٢٠١٥، بعد أن أصبح مقاتلو المعارضة على بعد كيلومترات قليلة من القصر الرئاسي في دمشق، كما استنجد بإيران من “زينبيون وفاطميون وحزب الله اللبناني وحزب الله العراقي والحشد الشعبي العراقي”، وذلك للمحافظة على حكمه الذي لم يتبقَ منه سوى ٢٠ بالمائة من الأراضي السورية.
وبالفعل كان له ما أراد، وقد سيرت روسيا أسطولاً جوياً يضم عشرات الطائرات وقامت بإنشاء قواعد لها في سوريا، كما دخل آلاف العناصر من الحرس الثوري الإيراني، وبدأ باستخدام سياسة الأرض المحروقة، حيث استخدم الطائرات الروسية لتدمير المدن السورية لبقائه في السلطة، وقام بتهجير مئات الألوف من السوريين واعتقال من تبقى منهم في أنقاض مدنهم، حتى استعاد زمام السيطرة على المحافظات السورية واحدة تلوى الأخرى، وحصر المعارضة المسلحة كما كانت تسمى وقتها في مدينة إدلب في شمال غربي سوريا وأجزاء من ريف حلب، وفي آذار من العام ٢٠٢٠ عقدت روسيا الداعمة لنظام البعث وتركيا الداعمة للمعارضة اتفاقية وقف التصعيد وتثبيت خطوط القتال، وبقيت هذه الاتفاقية سارية حتى تاريخ البدء بعملية “ردع العدوان” في السابع والعشرين من شهر تشرين الثاني من العام ٢٠٢٤.
ورداً على التساؤلات التي تطرح عن سبب قيام هيئة تحرير الشام عن هذه العملية وفي هذا الوقت بالتحديد، والسبب في تهاوي نظام الأسد في أحد عشر يوماً فقط.
هذه العملية جاءت وسط عملية تغيير متسارعة يشهدها الشرق الأوسط، والذي كانت شرارته من بداية هجوم حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول في العام المنصرم، أي قرابة عام كامل من الآن، حيث نفذت حركة حماس عملية عسكرية نوعية استهدفت العمق الإسرائيلي استخدمت خلالها تكتيكات عسكرية جديدة، أسفرت عن أسر أكثر من ٣٠٠ إسرائيلي وقتل العشرات منهم، ومن هنا بدأت الحكاية، حيث شعرت إسرائيل بالخطر الذي طالها وخصوصاً إن حركة حماس هي حليف قوي لنظام الأسد وإيران وحزب الله اللبناني، ومن ذلك المنطلق بدأت عملية عسكرية ضخمة استهدفت غزة لتدمير حركة حماس، ومن ثم الانتقال إلى جنوب لبنان لاستهداف حزب الله اللبناني والتي أنتهت بمقتل الأمين العام حسن نصرالله ومن ثم مقتل خليفته هاشم تقي الدين، كما قامت بتنفيذ عملية تفجير لأجهزة البيجر، وهي أجهزة اتصالات لاسلكية يستخدمها مقاتلو حزب الله، وأدى ذلك إلى مقتل وإصابة المئات من مقاتلي الحزب، ومن ثم بدأت بالاجتياح البري لجنوب لبنان وقامت بقتل المئات من مقاتلي الحزب وتدمير بنيته التحتية وقدراته العسكرية بشكل كامل.
وكان القضاء على حزب الله بمثابة قطع يد إيران اليمنى في المنطقة وبذلك خسر نظام الأسد أحد أهم حلفائه، كما خسرت إيران يدها الطولى في سوريا، وقطعت إسرائيل بذلك طريق المقاتلين اللبنانيين إلى سوريا.
وفي الوقت ذاته كانت القوات الإسرائيلية تنفذ غارت جوية على أماكن داخل سوريا تستهدف قيادات في الحرس الثوري الإيراني، ومن جهة أخرى تستهدف قوات التحالف الدولي غارات مكثفة على أماكن تواجدهم في ريف دير الزور وخصوصاً مدينة البوكمال، والتي تضم معبر القائم مع العراق وذلك لقطع طرق الإمداد لهم سواء بالمقاتلين أو بالإسلحة، وبهذا تكون قد شلت يد إيران في سوريا بشكل شبه كامل مما جعلها غير قادرة على مساندة الأسد عند أي معركة محتملة.
وفي سياق متصل إنشغال روسيا في حربها مع أوكرانيا وسحبها عدد كبير من أسلحتها في سوريا وخاصة الطائرات الحربية، وعدم وجود القدرة الكافية لروسيا بأن تفتح حربين في الوقت ذاته، جعل الأسد في موقف أضعف.
جميع هذه الأحداث تسببت بانهيار معنويات جيش النظام السوري الذي أنهكت الحرب قواه على مدارثلاثة عشر عاماً، ورفض قسم كبير من عناصر الجيش السوري عن الدفاع عن رئيس عرفوا كذبه وإجرامه خلال سنوات الحرب، وهذا ما يفسر إطلاق هيئة تحرير الشام هذه العملية بهذا التوقيت فهي كانت فرصة ذهبية لن تتكرر مرتين، والتي استغلتها ودخلت دمشق في أحد عشر يوماً فقط.
سوريا ما بعد الأسد
بعد أن أعلنت هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع، أو كما عرف سابقاً باسم أبو محمد الجولاني، عن تشكيل حكومة تسيير أعمال وتسلم الملفات الحكومية من حكومة النظام الساقط، لمدة ثلاثة أشهر، وبعدها قيام انتخابات حرة لاختيار الشعب ممثليهم في حكومة سوريا المستقبل.
وقام الشرع بتكليف أحمد البشير وهو أحد أعضاء حكومة الوفاق التي كانت في إدلب، برئاسة حكومة تسيير الأعمال المؤقتة.
وحسب الهيئة السياسية لعملية “ردع العدوان” إنها أرسلت إشارات مطمئنة لمكونات المجتمع السوري من مسيحيين وعلويين ودروز وكرد وأرمن وسواهم. في حيث أقر مسؤولون من أمريكا واسرائيل وغيرهم بأنهم يراقبون أفعال الهيئة لا الأقوال، لرؤية مدى صحة ما يدعونه، وشددوا على ضرورة حماية حقوق الشعوب في سوريا.
أما فيما يخص إقليم شمال وشرق سوريا، فقد شارك الأهالي الفرحة بالتخلص من النظام الديكتاتوري، الذي نشر سياسة الإقصاء والشعب الواحد واللغة الواحدة في سوريا، كما أعلنت الإدارة الذاتية رفع علم الاستقلال السوري على مؤسساتها، باعتبار إقليم شمال وشرق وسوريا جزءاً لا يتجزأ من سوريا، وشددت على أن نافذة الحوار مفتوحة مع الحكومة الجديدة في دمشق، لضمان حقوق جميع الشعوب في المنطقة.
كما أكد القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في تصريحات عدة لوسائل إعلامية بأن التغيير في إشارة إلى إسقاط نظام الأسد فرصة لبناء سوريا جديدة قائمة على الديمقراطية والعدالة تضمن حقوق جميع السوريين، مشددا على ضرورة تكريس حقوق الشعوب السورية في الدستور الجديد، كأساس بناء سوريا شاملة وديمقراطية. فيما لايزال موقف الحكومة السورية الجديدة ضبابياً من إقليم شمال وشرق سوريا ولم تعطِ أي تصريحات رسمية حيال موقفها من المنطقة.
بينما شددت الولايات المتحدة الأمريكية على دعم حلفائها قوات سوريا الديمقراطية الذين حاربوا داعش وهزموهم ولكنها أيضاً لم تخرج حالياً بأي موقف رسمي أو لتكون وسيط بين قسد وبين حكومة دمشق الحالية. وتعتبر منطقة شرق سوريا من أعقد الملفات حالياً في الأرض السورية مما يصعب التكهن حول مصير المنطقة في الأيام القادمة، حيث تلعب دولة الاحتلال التركي لاعباً أساسياً فيها، وهي تدعم بشكل مباشر ما يعرف باسم الجيش الوطني السوري والذي شن هجوماً على مواقع قوات سوريا الديمقراطية تحت مسمى “فجر الحرية” بالتزامن مع إعلان هيئة تحرير الشام إطلاق عملية ردع العدوان، واستهدف الهجوم منطقتي تل رفعت ومنبج لتمارس المرتزقة انتهاكات واعتداءات جمة من سرقة وتعفيش وتهديد الشعب، واعتقالهم.
من جانب آخر تسعى دولة الاحتلال التركي بجميع أدواتها ضم المزيد من الأراضي في شمال وشرق سوريا، لتحقيق أطماعها الاستعمارية وفق الميثاق الملي، حيث زادت هجماتها على الإقليم لترتكب مجازر عدة كما في عين عيسى، كما تدفع أهالي الإقليم وبالأخص أهالي دير الزور والرقة إلى خلق فتنة بين شعوب المنطقة التي تعايشت في ظل الإدارة الذاتية، وذلك بإغرائهم بدفع مبالغ مالية أكثر من ألف دولار مقابل خلق الفتنة والخروج في مظاهرات ضد قوات سوريا الديمقراطية.