دجوار أحمد آغا
منذ بداية تأسيس ما سُمّيت بالجمهورية التركية من جانب مصطفى كمال (أتاتورك) عام 1923 على أنقاض السلطنة العثمانية وبموجب اتفاقية لوزان المشؤمة، تسعى هذه الدولة في سياساتها إلى التوسع والاحتلال، لتكون بذلك دولة قائمة على احتلال أراض الغير (كردستان، لواء إسكندرون، أرمينيا، اللاز، وغيرهم)، ولليوم تشن معارك في الدول الجوار لتحتل المزيد، فتكون ولاية تابعة لها.
تستند السياسة التوسعية لدى ساسة ومسؤولي الدولة التركية، إلى عقلية العثمانية الجديدة التي ترى من خلالها بأن هناك أجزاء من أراضيها قد تم سلخها عنها بموجب اتفاقية لوزان 1923 وهذه الأجزاء وبحسب “ميثاقها الملي” تشمل كامل شمال سوريا بما فيها حلب ومن ضمنها (روج آفا) ولواء الموصل في العراق، بالإضافة إلى سعيها المستمر لتوسع نفوذها إلى المناطق التي كانت تحتلها السلطنة العثمانية وخاصة الدول العربية مثل ليبيا، السودان، اليمن، لبنان وغيرها تاريخ السياسة التركية
السياسة التركية مبنية على السلطة والمركزية وعدم إفساح المجال أمام شعوب تركيا للعيش بشكل ديمقراطي، ولدى ظهور بوادر من الشعوب بالتحرك وتنظيم قواها، تقوم سلطات الدولة العميقة التي تحكم تركيا بشكل خفي بالظهور من خلال القيام بضربات عسكرية للقضاء على هذه التحركات الشعبية. هذه السياسية متّبعة منذ تأسيس الجمهورية على يد (أتاتورك) الذي استقى سياسته هذه بمباركة من المحفل الماسوني العالمي والذي كان عضواً فيه.
كما أن الصهيونية العالمية لها دور كبير في انتهاج دولة الاحتلال التركي السياسة العدائية تجاه شعوب المنطقة. فالصهاينة لن يغفروا للأتراك مشاركتهم للألمان في الحربين العالميتين الأولى والثانية خاصة في ظل ارتكاب الألمان لمجازر الهولوكوست بحق اليهود. لذا؛ فهم يدقعون بهم إلى الهاوية. علماً بأن تركيا الكمالية كانت أول دولة إسلامية تعترف لدولة إسرائيل.
أبرز الانقلابات التركية
ذكرنا آنفاً بأن الدولة العميقة في تركيا، أي قوى الهيمنة الفعلية (الفاشية التركية) والمدعومة من قوى الهيمنة العالمية (الحداثة الرأسمالية)، عندما تشعر بأن هناك خطراً يستهدفها، تدفع بالعسكر إلى القيام بضربة عسكرية استباقية. هناك الكثير من الأمثلة على ذلك من خلال الانقلابات التي حدثت في تركيا، سنسلط الضوء على ثلاثة منها وهي:
ـ الانقلاب الأول 1960:
لأن “عدنان مندريس” نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه كمال أتاتورك قد خرج من العباءة الكمالية وأسس حزب جديد “الحزب الديمقراطي برفقة عدد من الساسة أمثال “جلال بيار، رفيق كورالتان، فؤاد كوبريلي” وشارك في الانتخابات عام 1950 وفاز بها حيث تولى مندريس رئاسة الوزراء بينما أصبح جلال بيار الرئيس الثالث في تاريخ الجمهورية التركية. لكن قوى الفاشية التركية شعرت بالخطر يهددها، فقام الجنرال “جمال غورسيل” رئيس هيئة أركان الجيش التركي، وبإيعاز مبطن من قوى الهيمنة العالمية بالانقلاب العسكري والحكم على مندريس بالإعدام وتنفيذ الحكم واستلام السلطة.
ـ الانقلاب الثاني 1971:
يُعرف هذا الانقلاب بـ “انقلاب المذكّرة” نسبة إلى المذكرة التي قدّمها رئيس أركان الجيش حينها “ممدوح تاغماش” في 12 آذار 1971 إلى رئيس الوزراء “سليمان ديميريل” يطالبه بالاستقالة. أذيعت هذه المذكّرة عبر قناة TRT الحكومية الرسمية. وقد دفعت ضغوطات الجيش وحصاره للبرلمان ومقر الحكومة إلى تقديم سليمان ديميريل استقالة حكومته جيت تم تشكيل حكومة جديدة من التكنوقراط من جانب قادة الانقلاب.
ـ الانقلاب الثالث 1980:
النظام التركي وسياسته قائم على الحروب والعنف وغير متعود على مسيرة الديمقراطية والحريات، وهذا أمر في غاية الأهمية. ولأن القوى الديمقراطية واليسار الثوري قد حققت بعض المكاسب والتقدم في مجال الحريات العامة خاصة بعد التضحيات الكبيرة التي قدمها قادة الحراك الشبابي الثوري (ماهر جايان، دنيز كزميش، إبراهيم قايباق قايا)، بالإضافة إلى تأسيس حزب العمال الكردستاني PKK والذي انتشر بسرعة كبيرة بين صفوف الشعب المتعطّش للحرية، استشعرت القوى الفاشية التركية الخطر مرة أخرى، وبماء على دعم وإيعاز من قوى الهيمنة العالمية، قام “كنعان ايفرين” رئيس أركان الجيش التركي حينها بانقلاب دموي في 12 أيلول 1980 راحت ضحيته عشرات الآلاف من القتلى والمفقودين.
السياسة التركية ضد الكرد
بالنسبة للكرد؛ يختلف الوضع، الأتراك يعلمون جيداً أن الكرد هم الأصحاب الحقيقيون للأرض، وهم من السكان الأصلاء في الشرق الأوسط وهم يعيشون على أرضهم منذ آلاف السنين. والأتراك يعلمون حق العلم أن دولتهم الحديثة القائمة إنما جزء كبير منها هو على أرض ووطن الكرد. لذا فدولة الاحتلال التركي تعلم بأنه إن نال الكرد حقوقهم، فلن يبقى هناك شيء اسمها تركيا. لذا فهي تعيش هذا الهاجس منذ بداية تأسيس الجمهورية وإلى الآن. وقد ظهر ذلك بكل وضوح في كلمة “بولند أجاويد” رئيس الوزراء التركي وقت خطف القائد عبد الله أوجلان وتسليمه إلى تركيا في 15 شباط 1999عندما قال: “لقد اعتقلنا العدو الأول لتركيا منذ تأسيس الجمهورية إلى الآن” في إشارة إلى خطورة المطالبة بحقوق الشعب الكردي التي كان وما يزال يطالب بها القائد عبد الله أوجلان، ولم تكتفِ بذلك، فإنها لازالت تمارس نظام الإبادة والتعذيب بحقه، إلى جانب اعتقال كل من ينادي ويطالب بحرية القائد عبد الله أوجلان، أو يبحث في القضية الكردية.
العداء لكل ما هو كردي
لم تكتفِ دولة الاحتلال التركي بما تقوم به في باكور كردستان من قتل وتدمير وتغير ديمغرافي، بل تعدى بذلك وبخاصة في الأشهر الأخيرة، حيث عينت أوصياء على البلديات التي نجح فيها الكرد وحلفائهم بالانتخابات وعبر صناديق الاقتراع، كما بلديات ميردين، باطمان، وخلفتي التي شهدت إقالة الرؤساء المنتخبين شرعياً وتعين أوصياء من جانب وزارة الداخلية التركية.
أما في باشور كردستان، فكان لها عدوان مباشر عليها وبخاصة على مناطق الدفاع المشروع هادفة بذلك احتلالها، خاصة بعد انتشار قواعدها العسكرية وإقامة المزيد في السنوات الأخيرة.
كما باشور وباكور كردستان فإن روج آفا أيضاً لم تسلم من مساعيها للاحتلال والنيل من المكتسبات التي حققها الشعب الكردي بمشاركة الشعوب الأخرى على نهج الأمة الديمقراطية وتأسيس الإدارة الذاتية، فهجماتها لم تتوقف منذ بداية ثورة روج آفا لتحتل مناطق عدة، كما عفرين، كري سبي، سري كانيه، وتتريك تلك المناطق وتغيير ديمغرافيتها، وممارسة الاعتداءات هناك، عدا ذلك؛ فإن ارتكابها مجازر دموية بحق أبناء المنطقة ككل، والنساء بشكل خاص، وقيامها بجرائم حرب، تستمر لليوم.
إفلاس تام
ضمن هذه التدخلات، ومن خلال السياسة الاحتلالية والسلطوية؛ السياسة المتبعة بالعقلية العثمانية، تكشف خيوط إفلاس دولة الاحتلال التركي، حيث تسير في تخبط مستمر، لتستغل تلك الفوضى العارمة في تركيا. فالأزمات في الداخل التركي، تتمثل بالأزمة الاقتصادية، حيث إفلاسها وتراجع قيمة ليراتها، لأقل نسبة شهدتها تاريخ تركيا، على الرغم من استخدامها للاجئين السوريين ورقة ربحية، ملأت خزينتها.
أما على الصعيد السياسي، فإن اتباعها السياسية العنصرية والإقصائية داخل تركيا وباكور كردستان، وسياسة الاحتلال خارج أسوارها، كانت السبب في إفلاسها سياسياً، وفيما يتعلق بالجانب الاجتماعي، فهي مرتبطة بالصعيد السياسي، حيث فقدت دولة الاحتلال التركي ثقة شعبها بها، وذلك من خلال الوعود التي تتعهد به، وسرعان ما تصبح مجرد حبر على الورق.
وما جرى خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والتي فقدت فيها دولة الاحتلال الأصوات المنتخبة لها كان أكبر دليل على نسبة الالتفاف والثقة بدولة الاحتلال التركي، بدأت تتراجع شيئاً فشيئاً، والخدع والألاعيب والأكاذيب بدأت تظهر للعيان.
ومما سبق يتم التأكيد على أن السياسة الخاطئة لدولة الاحتلال التركي ستوقعها في الهاوية، وبأنها أصبحت على المحك، لذا تستوجب تغيير سياسة العداء والاحتلال والدموية، نحو سياسة السلام، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الكردية، لأنها مفتاح حل القضايا العالقة في الشرق الأوسط، ويكمن ذلك بتحرير القائد عبد الله أوجلان جسدياً.