قامشلو/ دعاء يوسف ـ في الذكرى السنوية الـ 76 لاعتماد الإعلان عن اليوم العالمي لحقوق الإنسان، يتمادى الاحتلال التركي بارتكابه جرائم حرب وإبادة وتطهير عرقي بحق السوريين ككل وأبناء إقليم شمال وشرق سوريا بشكلٍ خاص، من خلال أدوات الإرهاب دون رادع دولي يحاسبها على خرقها للقوانين الدولية.
خُلِع طاغية وبقي طاغية آخر يترقّب الشعب السوري سقوطه، فكما تلطخت أيدي بشار الأسد بدماء السوريين وانتُهكت حقوقهم، شاركت دولة الاحتلال التركي بتقطيع أوصال سوريا وإبادة شعبها، وتترييك الأراضي التي احتلتها، لتطمح إلى المزيد عبر ارتكابها مجازر بحق أبناء إقليم شمال وشرق سوريا.
في اليوم العالمي لحقوق الإنسان سنُسلِط الضوء على المجازر التي ارتكبها نظام الأسد خلال حقبة حكمه، وما يماثلها من جرائم لازالت ترتكبها دولة الاحتلال التركي في سوريا ككل وإقليم شمال وشرق سوريا بشكلٍ خاص، وذلك عبر مسيّراتها، وأدوات الإرهاب والارتزاق المتمثلة بالمجموعات المتطرفة والمرتزقة التابعة لها.
جرائم الأسد تُكشف
عانت سوريا من انتهاك صريح على مرأى العالم، دون تدخّل دولي ومع سقوط نظام البعث كُشفت العديد من الجرائم التي ترتقي إلى جرائم حرب، فقد أباد الأسد شعبه لأكثر من 13 عاماً فقط خلال الأزمة السوريّة ناهيك عن الزمن الذي سبقه، وذلك عبر قصف العديد من المدن السورية، وتهجيره لنسبة كبيرة من السوريين، إلى جانب زج الباقي في السجون التي كشفت عالماً أسود تحت سوريا، حيث المساجين المعذبين، ومنهم من لم يُعثر عليه فمع إخلاء جميع السجون بقيت الآلاف من الأسماء مفقودة.
حيث كانت السجون في سوريا دليلاً على تلك الجرائم التي وضِع عليها الستار دون كشفها لسنوات، فعدا سجن صيدنايا هناك معلومات أفادت من خلال تقارير إعلامية عن وجود سجون أخرى تحت الجامعات الحكومية، ودور الأيتام والمدارس، إذ ركزت فرق الإنقاذ على إخراج سجناء سجن صيدنايا من الزنزانات تحت الأرض، كانت محكمة الإغلاق أظهرت مدى دموية نظام الأسد بحق السجناء، حيث وجِدت بقايا عظام لجثث أذيبت بالأسيد وأجساد بلا أرواح تكلمت آثار التعذيب عن وحشية ما عانوه.
ويشار إلى أن إدارة السجن قد عمدت إلى حرق الملفات الخاصة بالمساجين قُبيل انسحابهم، لكيلا تكشف العدد الحقيقي للمعتقلين، والذي يُرجح أنه تجاوز الـ 150 ألف شخصاً.
وعدا نظام الأسد فقد خرج من سمّوا أنفسهم بالمعارضة والثوار على شكل مجموعات وتحت مُسميات مختلفة لتكشف فيما بعد، أنها أجرمت بحق الشعب السوري كما النظام نفسه، وممارسة انتهاكات وجرائم بدفع من بعض الأطراف وفي مقدمتها دولة الاحتلال التركي، التي وجهت مسارهم نحو الارتزاق، بالسيطرة على ممتلكات الشعب وسرقتها، وفرض إتاوات، والقيام بمجازر بحق شعوب المنطقة، وغيرها من الجرائم، كما في إعزاز والباب وجرابس، وعفرين وسري كانيه، وكري سبي.
انتهاكات وإفلات من العقاب
ومع انتشار الفساد والحرب في سوريا منذ 2011 وتحريف ثورتها إلى عمل إرهابي، قررت شعوب إقليم شمال وشرق سوريا، إدارة منطقتهم بأنفسهم في جميع مجالات الحياة، والإعلان عن إدارة ذاتية ومدنية ومجالس، ومؤسسات، تخدم أهالي المنطقة، إلى جانب تشكيل قوات أمنية وعسكرية خاصة بهم، من قوى الأمن الداخلي، وقوات سوريا الديمقراطية التي حملت على عاتقها مسؤولية استتباب الأمن والاستقرار في المنطقة وصد هجمات مرتزقة داعش ودولة الاحتلال التركي.
وبعد نجاح مشروعهم المجتمعي بنهج الأمة الديمقراطية، تخوّفت دولة الاحتلال التركي من توسّع هذا المشروع إلى تركيا نفسها، فتدخلت دولة الاحتلال بشكلٍ مباشر في سوريا، خرقاً لسيادتها، وذلك باحتلال مساحة من الأراضي السوريّة، كما لم تتوقف مساعيها في النيل من مكتسبات شعوب المنطقة وذلك باستهداف القياديين والوطنيين الذين لهم الدور في تنظيم المجتمع والدفاع عن تلك المكتسبات، ناهيك عن استهداف البنية التحتية. فشرعنت تركيا لنفسها الحق في القتل واغتصاب الحقوق والاحتلال كما احتلالها لجرابس وإعزاز وباب ومارع عام 2016، ثم توجهها نحو إقليم شمال وشرق سوريا باحتلال عفرين عام 2018، وكري سبي وسري كانيه 2019.
حيث احتلت تلك المناطق بعد أن دمرتها، وقتلت شعبها، وأجبرت عوائلها على الهجرة قسراً إلى مناطق أكثر أماناً، ولم تكتفِ تركيا بهذا القدر من الجرائم بل بدأت باعتقال وقتل وخطف وتعذيب من رفض مغادرة أرضه، وأسكنت في هذه المناطق عوائل مرتزقتها، ومع مرور السنوات على احتلال المدن السوريّة كشفت العديد من الجرائم التي ارتكبتها في سوريا وقد تعدت أيضاً جرائم الحرب التي تعاقبت عليها دولياً وفق المواثيق وخاصة (نظام روما الأساسي) لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي لعام 1988، والمحاسبة الدولية الأخرى لجرائم مصنفة بالمادة /7/ كجرائم ضد الإنسانية، تبدأ بالقتل العمد بالطائرات المُسيّرة وتدمير مصادر الحياة، إلى جانب الخطف والاغتصاب والحصار الهادفة إلى الإبادة والتعذيب والفصل العنصري والاختفاء القسري.
هذا وقد شهدت منطقة عفرين ومناطق أخرى منذ بداية العام الحالي 2024 أكثر من 482 حالة خطف، بحسب تقرير نشره مركز التوثيق الذي كشف جرائم القتل والاعتقال التركي للسكان المحليين منذ توغل الاحتلال التركي في سوريا، فرصد مقتل وإصابة 10449 شخصاً، فيما وصل عدد المعتقلين إلى 9510 شخصاً، أُفرج عن قرابة 8148 منهم، فيما لا يزال مصير البقية مجهولاً، ووصل عدد الذين قتلوا تحت التعذيب في السجون إلى 184 شخصاً، كما ارتفع عدد السوريين الذين قُتلوا برصاص الجندرمة التركية إلى 570 شخصاً حتى كانون الأول من العام ذاته، بينهم 107 أطفال دون سن 18 عاماً و69 امرأة، وأصيب 3112 شخصاً بجروح، سواء من الذين حاولوا اجتياز الحدود أو من سكان القرى السورية الحدودية والمزارعين وأصحاب الأراضي المتاخمة للحدود، حيث يتعرض هؤلاء لإطلاق النار المباشر من قبل الجندرمة التركية.
إذ بات السائد في هذه المنطقة المحتلة النهب وعمليات الاستيلاء على منازل وممتلكات الناس ومواسم الزيتون، وقطع الأشجار وغيرها، إضافةً للاعتقالات التعسفية اليومية، وخطف الناس كرهائن مقابل فدية مالية، والتضييق على السكان.
وتمادت تركيا على مناطق إقليم شمال وشرق سوريا أيضاً، وكانت حصيلة انتهاكات واعتداءات الاحتلال التُّركيّ خلال النِّصف الأوَّل من العام الحالي 339 هجمة، منها استهداف إقليم شمال وشرق سوريا بـ 249 بالأسلحة الثقيلة، واستهداف 86 موقعاً بهجمات الطيران المُسير، فيما استشهد خمسة مدنيين بينهم طفل وامرأتين، وبلغ عدد المصابين 52 مصاباً من المدنيين بينهم 15 طفلاً وست نساء، وبلغ عدد الشهداء من القوات العسكرية ستة شهداء، ودُمرت 32 منشأة حيوية وخدمية.
وبحسب إحصائية منظمة حقوق الإنسان في سوريا للانتهاكات الحاصلة في إقليم شمال وشرق سوريا لعام 2024، استشهد 162 شخصاً وأصيب 194 مواطناً.
استغلال الوضع في سوريا
كما شنّت مرتزقة الاحتلال في الـ 27 من شهر تشرين الثاني الفائت هجمات واسعة على ريف مقاطعة عفرين والشهباء، بالتزامن مع هجوم “هيئة تحرير الشام”، على حلب وسيطرتهم عليها، بعد انسحاب جيش النظام السوري، ما أدى إلى تهجير آلاف العائلات من مدن وبلدات عفرين والشهباء، وكذلك عشرات الآلاف من أهالي حلب وريفها الغربي والجنوبي إلى مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية كما الطبقة والرقة وقامشلو والحسكة وغيرها من المدن في الإقليم، مما سبب كارثة إنسانية جديدة، وموجة ثانية من التهجير لمهجري مقاطعة عفرين الذي كانوا تواجدوا في مناطق الشهباء وتل رفعت بعد احتلال مركز المقاطعة، وجزء كبير من أريافها.
وفي التاسع من كانون الأول بدأت دولة الاحتلال التركي بتكثيف غاراتها وهجماتها على سوريا، تزامناً مع محاولات مرتزقتها السيطرة على منبج، مستغلةً حالة الفوضى التي تعيشها سوريا ساعيةً لترسيخ سياساتها التوسعية وتهديد الجهود المبذولة لتحقيق الأمن والاستقرار، وقد ارتكبت العديد من الجرائم التي أضيفت على سلسلة جرائمها السابقة.
ففي قرية المستريحة غرب مدينة عين عيسى، نفذت قصفًا مدفعيًا وحشيًا أدى إلى وقوع مجزرة مروعة راح ضحيتها 12 مدنيًا من عائلة واحدة، معظمهم من النساء والأطفال، إضافةً إلى إصابة العديد من الأهالي بجروح متفاوتة، كما تعرضت قرية كون عفتار في الريف الجنوبي الغربي لمدينة كوباني لقصف عنيف من قِبل الاحتلال التركي، ما أسفر عن استشهاد طفلين بريئين، وفي حادثة مأساوية أخرى، استهدفت طائرة مُسيَّرة تركية سيارة مدنية من نوع “هيونداي H100” بين قريتي شورا في بلدة زركان، مما أدى إلى استشهاد مواطن وإصابة اثنين آخرين بجروح.
متى تُكشف جرائم الاحتلال؟
مع غياب وصمت منظمات حقوق الإنسان الدولية والمؤسسات المعنية بالدفاع عن الإنسانية، بقيت المنظمات والمؤسسات المحلية تدوّن وتوثق جرائم الاحتلال وسط غياب المنظور الدولي، وبقيت هجمات الاحتلال التركي والمرتزقة التابعة لها على إقليم شمال وشرق سوريا وارتكاب المجاز بحق المدينين ومع وجود خطر الخلايا النائمة لداعش.
والجرائم التي ذكرناها آنفاً هي نقطة من بحر فيض، إذ تعدت دولة الاحتلال التركي حدود دولتها التي كانت تتغنى بتعذيب وقتل وانتهاك حقوق السوريين اللاجئين فيها، لتتطاول على مناطق إقليم شمال وشرق سوريا، وفي اليوم العالمي لحقوق الإنسان يترقب أهالي إقليم شمال وشرق سوريا الكشف عن جرائم الطاغية أردوغان ومحاسبته قانونياً جراء ما ارتكبه من فضائع بحق السوريين.
والجدير بذكره أنه في عام 1948، أقرت هيئة الأمم المتحدة تاريخ العاشر من كانون الأول، يوماً لحقوق الإنسان، يحتفل به سنوياً.