سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

تركيا .. الحاجة إلى رؤية وقرار

رياض درار –

أن نبني موقفاً من تركيا يتطلب قراءته جيداً فهي دولة كبرى من الدول المؤثرة في الإقليم ولها تأثير مباشر على سوريا، وطبيعي أن يتأثر السوريون بحجم الاستقبال الذي قابلهم به الأتراك واستيعابهم في أرض الله الواسعة. لكن؛ السوري لم يعش عالة على التركي، فقد جاء محملاً بما ينشط الاقتصاد التركي، ومن لم يستطع تولت المنظمات تقديم المعونة له في المخيمات وفي غيرها، وما صرفه السوريون في تركيا ينعكس على المواطنين الترك من أثمان السلع إلى آجار البيوت، فهم استوعبوا ملايين السوريين وهذا فضل منهم. ولكن؛ ماذا بعد؟
قرأت مقال فواز تللو “سوريا الجديدة أم تركيا الصديقة ” في 29 /12/2018 “مركز آفاق مشرقية”. فوجدت نقداً من شخص يحمل لتركيا الأثر الطيب لكنه لم يمنعه ذلك من ذكر هذه الموبقات بحق تركيا وممارساتها. فهو يعترف أن تركيا آخر ما تبقى للثورة السورية من حلفاء. لكن؛ ذلك لا يُوجِب السكوت ولا تبرير سياسات تركيا العدالة والتنمية، ولا يجب قبول الاستتباع لها. لذلك؛ كما يرى نحتاج لعدم التملق في تبيان المصالح حتى لو غضب الأتراك فنحن في النهاية سوريون لا أتراكاً، ومما انتقد به الموقف التركي:
تركيا استفادت من حركة التجارة عبر المنظمات التي جاورتها وتبادلت معها كل أنواع التجارة من نفط وحبوب وقطع المصانع وسكك الحديد وأدخلت السلاح الممنوع وكانت توزعه بمعرفتها وتصادره بمعرفتها، وبالصمت التركي وأحياناً بالتواطؤ غير المباشر مع الروس ومن خلفهم الإيرانيين استغل الموقف التركي لإعادة احتلال ثلاثة أرباع المحرر وتم التغاضي عن كل جرائمهم مقابل مصالح تجارية لتركيا ونكاية منها بأمريكا فقط.
وتركيا استخدمت ورقة اللاجئين كورقة ضغط على أوروبا من أجل مصالحها في الحصول على مساعدات مالية أو رفع تأشيرات دخول الأتراك لأوروبا، أو تحسين موقعها التفاوضي في الاتحاد الأوروبي والإدارة التركية السياسية قامت بتقديم دعم انتقائي لبعض الحويزبات والأشخاص في واجهات المعارضة كممثلين للثورة السورية، مع ما سببوه من كوارث سياسية .ومن غير الطبيعي تبرير حظر السلاح الإستراتيجي وهو الحظر الذي نفذه الأتراك انصياعاً للأمريكان حتى خريف عام 2015، ومن ثم انصياعاً للروس بعد تدخلهم في سوريا بعد ذلك، ومن غير الطبيعي الاكتفاء بلوم الدول الأخرى الحليفة للثورة بعدم تسليح الثورة بينما من يملك حدوداً تصل إلى ثمانمائة كيلومتر هي تركيا “صديقة الثورة” والتي تنفذ الحظر عملياً.
ومن غير الطبيعي تملق وتبرير الأخطاء الاستراتيجية التركية حتى بحق مصالح تركيا من عدم استثمارها لإرهاب داعش الذي طالها منذ عام 2013 للتدخل تحت هذه الحجة قبل أن يحتل الساحة الأمريكي ثم الروسي وقبلهم الإيراني الذي دخل دون إذن أحد، ودائماً تحت الحجة نفسها “محاربة الإرهاب” الذي يفسره كل على هوى مصالحه عدا الأتراك المكتفين بالقصف الكلامي العاجز، وليتمدد النظام الأسدي والإيرانيون بمساعدة الروس على حساب أزكى دماء وأنبل ثورة وأكبر تضحيات، وكل ذلك وسط صمت التخاذل والأخطاء التركية وتراجع دور تركيا بعكس ما تقول الأسطورة، فالأمور نسبية بين الفرص التي أضاعتها تركيا والفتات الذي حصلت عليه كجوائز ترضية.
ومن غير الطبيعي تبرير الأخطاء الاستراتيجية للأتراك في عدم دعم ظهور جسم سياسي عسكري موحد ممثل حقيقي للثورة السورية، بل جرى اصطناع معارضة سياسية موالية لداعميها ومنهم الأتراك، وبث الفوضى في المعارضة المسلحة غير المؤهلة أصلاً لأي عمل سياسي، وبعيداً عن أي مشروع استراتيجي. ومن غير الطبيعي الاصطفاف وتبرير سياسات تركيا العدالة والتنمية على حساب مصالح ثورتنا. لسنا بوارد معاداة تركيا العدالة والتنمية. لكننا؛ لا نقبل الارتهان لمصالحها على حساب مصالحنا، فنحن قمنا بثورتنا وبذلنا تضحيات لم يقدمها شعب في التاريخ لبناء سوريا الجديدة لا لحماية مصالح تركيا الصديقة. هذا صوت موالٍ لتركيا العدالة والتنمية؛ فهل نعتب على غير الموالين أم أننا نحتاج إلى رؤية تعيد العلاقات الصائبة معها، وقرار يتناسب مع حجم المصالح المشتركة لمواجهتها به. وهذا هو السؤال!