بيريفان خليل
أصبح الثامن من كانون الأول الجاري يوم الخلاص من ظلم وديكتاتورية نظام حكومة دمشق، الذي سفك دماء شعبه وشردهم وهجرهم، ونال منهم، لتنتصر في الأخير إرادة شعوب المنطقة، الذين مازالوا يناضلون ضد ديكتاتوريين أمثاله؛ دولة الاحتلال التركي، ومرتزقة داعش، مصرين على هزيمتهم وإسقاطهم هم الآخر.
شهدت الساحة السورية خلال 13 يوماً ماضياً تطورات سياسية وعسكرية بشكل متسارع، ليتبين بأن هناك اتفاقيات دولية جديدة، حول مستقبل سوريا، وكانت النقطة البارزة والنتاج الهام لكل النقاشات هو عزل رئيس نظام حكومة دمشق بشار الأسد عن الحكم، وحل الأزمة السورية حلاً سياسياً، وتزامن ذلك بفرار جيش النظام السوري، وأتباعهم والمسؤولين من عائلة الأسد.
نهاية الظلم والديكتاتورية
ومارس النظام السوري برئاسة الأسد أشد أنواع الظلم بحق أبناء شعبه، سواء قبل الثورة السورية أو في ظل الأزمة، فهناك الآلاف ممن اعتقلوا ظلماً بتهم مختلفة، ومئات الآلاف ممن قتل واستشهد ومضاعفاً للرقم ممن تهجر وتشرد.
فبعد عقود من الظلم والديكتاتوري وتدهور الأوضاع أكثر ببدء الأزمة السورية على مدار ثلاثة عشر عاماً، استفاق أبناء سوريا على خبر إسقاط رئيس نظام حكومة دمشق بشار الأسد، وعبر الأهالي عن فرحتهم بالخلاص من الظلم والاستبداد على أمل أن تشهد الساحة السورية نظاماً ديمقراطياً عادلاً يحضن جميع شعوب المنطقة، ويحمي حقوقهم بعدالة ومساواة دون إقصاء بعيداً عن العنصرية.
وصدحت الحناجر ورفعت شعارات عدة جميعها تضمنت بمحتواها “انتهى زمن الديكتاتورية والاستبداد…حان الوقت لبناء سوريا ديمقراطية عادلة…. مشروع الإدارة الذاتية هو النموذج الأمثل لحل جميع القضايا العالقة في سوريا… نحو سوريا تحمي حقوق جميع الشعوب”، وغيرها من العبارات التي أكدت على الخلاص من الظلم والأمل بمستقبل مشرق لسوريا.
نحو بناء سوريا ديمقراطية
إقليم شمال وشرق سوريا لم يكن بمنأى عن التطورات التي حصلت، فهو جزء من الأراضي السورية وعلى الرغم من تأسيس إدارة ذاتية ديمقراطية يشارك فيها أنباء المنطقة، إلى إنها تواجه تحديات كبيرة، فمن جهة كان هناك حصاراً مفروضاً والمعابر الرئيسية بينها وبين مناطق سيطرة النظام السوري مغلقاً، ناهيك عن تدخلات الدول الإقليمية وفي مقدمتها دولة الاحتلال التركي التي تمارس الظلم والعدوان وأشد أنواع الانتهاكات في الإقليم، عدا أنها احتلت عدة بقاع كما عفرين وسري كانيه وكري سبي، وتم تتريكها، وتمارس فيها اليوم مختلف الاعتداءات، الهادفة إلى إبادة هوية وثقافة الشعوب الأصليين.
الشعوب في إقليم شمال وشرق سوريا أيضاً أفرحهم خبر سقوط بشار الأسد الذي اعتقل وقتل المئات من أبناء المنطقة سواء في انتفاضة قامشلو 2004 أو غيرها.
وتعليقاً على ذلك، أوضح القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في تدوينة على منصة إكس بأن السوريين يعيشون لحظات تاريخية مع سقوط النظام الاستبدادي في دمشق، منوهاً بأن هذه اللحظة تمثل فرصة حقيقة لبناء سوريا جديدة على أسس الديمقراطية والعدالة، مشدداً على أن التغيير المنتظر يجب أن يضمن حقوق جميع السوريين دون استثناء، وضرورة تحقيق السلام والعدالة لجميع مكونات الشعب السوري.
وبدروها أكدت الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا على أن “زمن الاستبداد قد انتهى، اليوم نطوي صفحة الماضي، ونفتح باب الأمل لتوحيد جهود السوريين في سبيل مستقبل أفضل قائم على العدالة والديمقراطية، لنوقف صوت الرصاص ولنجعل الحوار أساساً للسلام والبناء”.
استنفار عام لمواجهة التهديدات الأمنية
وفي صباح الثامن من كانون الأول الجاري وبعد الإعلان عن سقوط الأسد، أعلنت الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا حالة التأهب القصوى في المنطقة، ووجهت نداء عاجلاً للشعب والمؤسسات لحماية المدن والقرى، ودعت إلى الاستنفار العام لمواجهة التهديدات الأمنية، وأشارت إلى تدهور الأوضاع الأمنية يستدعي استجابة فورية وشاملة، كما ودعت إلى التضامن الشعبي والمؤسسي لحماية المنطقة.
كما وهنأت في بيانها جميع السوريين بمناسبة سقوط النظام السوري المستبد، وحيت الشعب العظيم الذي قدم أغلى ما يملك في سبيل الحرية والمساواة.
وذكرت أيضاً أنه بعد 14 عاماً من الكفاح والنضال انهار نظام حكومة دمشق التعسفي بكافة مؤسساته وجيشه، النظام الذي قام على تهميش الهويات القومية والثقافية للشعوب السورية ومارس السياسيات القمعية تجاه القوى الديمقراطية، وأنكر حقوق الشعوب والذي أوصل سوريا إلى حافة الهاوية، وبأن الأزمة السورية تفاقمت نتيجة سياساته الإقصائية والتهرُّب من الحوار الجاد والبنَّاء، وتبنى سياسة كسب الوقت.
وأوضحت أنهم كإدارة ذاتية ديمقراطية بذلك قصارى جهدها لإيجاد حلول سليمة للقضايا في سوريا لكن النظام لم يستجب لهذه الجهود، لذا فإنه يتحمل مسؤولية ما حل بالبلاد
وأشارت إلى أنهم كجزء أصيل من النسيج السوري والجغرافيا السورية، سيعملون على الحفاظ على وحدة الشعب السوري ووحدة الأراضي السورية، وتبني لغة الحوار السلمي لحل القضايا دون إقصاء أي طرف، مؤكدة على التزامهم بدور ريادي في بناء سوريا ديمقراطية تعددية، تضمن حقوق السوريين دون تمييز أو تفريق، ودعت جميع القوى السياسية في سوريا إلى إعادة النظر في الماضي واستخلاص الدروس اللازمة للعمل معاً لإخراج البلاد من أزمتها المتفاقمة، والابتعاد عن سياسات الإقصاء والتهميش التي تبناها النظام في الماضي.
حوار جاد دون إقصاء
ومن جانب آخر حيا مجلس سوريا الديمقراطي بنات وأبناء سوريا، وعدّ اليوم لحظة تاريخية ظال انتظارها، سقوط ورحيل رمز الاستبداد بشار الأسد، وإنجاز كبير لثمرة الإصرار على المضي قدماً نحو الحرية والكرامة والمساواة رغم سنوات طويلة من القمع والتنكيل.
وثمن التضحيات الجسام ودور الشهداء والجرحى، ونضال المهجرين في دول الشتات، لترسم اليوم خطاً مستقيماً نحو الحرية.
ووعد المجلس في بيان أصدره بهذا الشأن على مواصلة العمل لإرساء دعائم دولة ديمقراطية تعددية تحقق المساواة والعدالة، وتحترم التنوع وتصون حقوق الإنساني، وتقوم على قيم المواطنة المتساوية، وبأن اللحظة التاريخية هذه هي بداية مسار جديد، نحو البناء وإعمار ووضع دستور عصري يعبر عن إرادة الشعب، وتحقيق عدالة انتقالية تنصف الضحايا وتضمد جراح الماضي.
وأكد المجلس في الختام على أنهم سيعملون مع كافة القوى السياسية الوطنية السورية والثقافية والمجتمعية بروح الحوار والمسؤولية لتأسيس سوريا جديدة تحتضن أبناءها بكل تنوعها القومي والديني والطائفي، وأن التاريخ يسجل اليوم بداية عهد جديد عهد تحكمه إرادة الشعب السوري الحر، عازمين على تحويل آلام الماضي إلى قوة دافعة لبناء مستقبل آمن وعادل.
دستور جديد يضمن حقوق المرأة
عانت المرأة السورية كثيراً من ظلم نظام حكومة دمشق الاستبدادي، وكان لها حصة كبيرة من الاعتقال والقتل والشهادة، وحتى التهجير، وبذلك وفي إقليم شمال وشرق سوريا لعبت دوراً مهماً في تنظيم ذاتها من خلال مؤسسات وتنظيمات تدافع عن حقوق المرأة وتحميها، وفي سقوط بشار الأسد كان لها رؤى خاصة بهذا الموضوع.
تجمع نساء زنوبيا، أصدرت بياناً بهذا الشأن وذكر بأنه يقف على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخ سوريا، في مرحلة يتمنون أن تكون فاتحة خير ونهضة شاملة للبلاد.
كنساء سويا يحملن على كاهلن وطأة الأزمة وضحين من أجل حرية الوطن، وبذلك أكدن على ضرورة بناء سوريا ديمقراطية جديدة قائمة على الحرية والعدالة والمساواة، تكفل لكل مواطن ومواطنة حقوقه كاملة دون تمييز على أساس الجنس أو الدين أو المذهب أو العرق، وأنهن يطمحن إلى دولة ديمقراطية تشارك فيها جميع مكونات الشعب السوري في صنع القرار وتحترم حقوق الإنسان والحريات العامة.
وطالب تجمع نساء زنوبيا بضمان مشاركة المرأة السورية الكاملة في بناء سوريا الجديدة، في جميع مناح الحياة، والمشاركة الفعالة في كتابة دستور جديد يعزز حقوقها ويحميها، والتأكيد أيضاً على حق المرأة في المساواة التامة مع الرجل في جميع مجالات الحياة.
ودعا تجمع نساء زنوبيا إلى المصالحة الوطنية الشاملة، وإرساء دعائم السلام والاستقرار والعمل على إعادة بناء سوريا من جديد.
الحرية والكرامة قيم لا مساومة عليها
كما وأبدت أحزاب سياسية رؤيتها للحدث التاريخي، حزب سويا المستقبل، أوضح بأن إرادة الشعوب ثارت على نظام بشار الأسد، وبدأ فجر سوريا الحرة يشرق من جديد، وأوضح بأن سقوط بشار الأسد ليس مجرد تغيير سياسي بل بداية مرحلة جديدة نحو بناء سوريا الحرة، دولة العدالة والمساواة، لتعود لكل السوريين حقوقهم المسلوبة.
وأضاف: “سنسعى جاهدين إلى تحقيق العودة الآمنة والطوعية لكل اللاجئين والمهجرين إلى وطنهم، وإعادة بناء سوريا على أسس من الديمقراطية والحرية”.
ودعا حزب سوريا المستقبل كافة القوى الوطنية السورية إلى التكاتف والعمل المشترك من أجل بناء سوريا المستقبل سوريا التي تسود فيها العدالة، وتزدهر فيها الحقوق والحريات سوريا التي تحتضن جميع أبنائها على اختلاف مشاربهم الفكرية والسياسية.
وبدوره تمنى مجلس حزب الاتحاد الديمقراطي أن تشهد الأيام القادمة انتقالاً هادئاً للسلطة، وأن يتمكن الشعب السوري من إدارة نفسه وشؤونه بنفسه في سوريا جديدة، وبأن سوريا هو وطن للجميع بكافة انتماءاته، وتمنى من الشعب الحفاظ على الهدوء والعقلانية في المرحلة الانتقالية، كما تمنى من القوى المختلفة العمل وفق حساسية المرحلة التي تمر بها سوريا.
وطالب المجلس السوريين جميعاً بمختلف انتماءاتهم بالتريث والتسامح واللقاء لإجراء حوار بناء لأجل بناء سوريا الجديدة التي تسودها الحرية والديموقراطية والعدالة بين كل شعوبها.
وأبدى المجلس استعداه للحوار والتعاون مع كل القوى السورية التي تعمل من أجل الوطن السوري.
وفي تهنئة لحزب الوطن السوري، أفاد بأن السوريين أثبتوا بصمودهم ونضالهم إن إرادة الشعوب لا تهزم وأن الحرية والكرامة قيم لا يمكن المساومة عليها.
ودعا الحزب إلى طي صفحة الخلافات والتوحد تحت راية الوطن الواحد، مع التأكيد بأن سوريا اليوم بحاجة إلى جهود الجميع، بعيداً عن التجاذبات والإقصاء، لبناء دولة ديمقراطية تعددية تحترم حقوق الإنسان وتصون كرامة كل مواطن.
دولة الاحتلال وداعش بخطورة النظام
ومع تسارع التطورات السياسية والعسكرية، تستغل دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها وكما العادة ظروف المرحلة الانتقالية، لاحتلال المزيد من الأراضي السورية، والنيل من المكتسبات التي حققتها شعوب إقليم شمال وشرق سوريا، حيث كثفت هجماتها وبالأسلحة الثقيلة على منبج، ومن محاور عدة، وجاء ذلك في البيان الذي أصدره مجلس منبج العسكري في الثامن من كانون الأول الجاري.
وجاء في بيانه، بأن “مرتزقة الاحتلال التركي بدعم جوي من الاحتلال شنت العشرات من الهجمات على منبج وأريافها خلال 12 يوماً من الأحداث الأخيرة في سوريا، حيث تم إفشالها جميعها من قبل قوات مجلسي منبج والباب العسكريين، وصد المرتزقة من وتيرة هجماتهم خلال اليومين الماضيين على كافة جبهات منبج، حيث
وقوع اشتباكات عنيفة حتى وقت إعداد هذا التقرير في جبهات توخار حتى جبهات عون دادات وعرب حسن والعريمة بين مقاتلينا والمرتزقة”.
بعد ظهر الثامن من كانون الأول الجاري وبدعم جوي من الاحتلال التركي ومدرعاته التي قدمها للمرتزقة، تقدمت مجموعة للمرتزقة بالعربات المدرعة في مدخل المدينة الجنوبي، حيث وقعت في كمائن لقوات المجلس، وبهدف الضغط النفسي على الأهالي تحركت بعض خلايا المرتزقة في المدينة لإثارة الخوف وبث الفوضى، لتجري اشتباكات عنيفة في مدخل المدينة أيضاً.
وشددت في ختام بيانها بأن مجلس منبج العسكري قدم الآلاف من التضحيات لحماية المنطقة من كافة التنظيمات الإرهابية فليكن الشعب على ثقة تامة بقدرة مقاتليها على صد الهجوم جنباً إلى جنب مع شعب منبج الذي ساندوا مقاتليه في كافة مراحل النضال ضد داعش والمجموعات الأخرى من المرتزقة.
وتسعى مرتزقة داعش لفرض سيطرتها على المنطقة من خلال خلاياها، ونشر الفوضى والقيام بالمزيد من التخريبات، كما في منبج ودير الزور، ففي دير الزور فقط ألقي القبض على 11 مرتزقاً لداعش، من مجلس دير الزور العسكري، خلال عملية ضد الخلايا النائمة، ليعلن على الفور حملة تمشيط ضدهم، كما ضبط كمية من الأسلحة والذخيرة.
وبذلك تأتي خطورة الاستبداد والظلم لدولة الاحتلال التركي وأيضاً لمرتزقة داعش في المنطقة، في المرتبة نفسها التي كان فيها نظام حكومة دمشق نفسه.