أحمد عبد السلام
يبدو إن السياسيين الأتراك معجبون فعلاً بأساليب الجماعات الإرهابية التي يدعمونها وفي مقدمتها أساليب النسف والتفخيخ والتفجير والاستعباد، لكن ما يفعلونه أشد تهوراً وخطراً مما تفعله جماعاتهم الإرهابية، لأنهم يريدون نسف الحقائق وتفخيخ عقول أتباعهم وتفجير منطقة الشرق الأوسط واستعباد شعوبها.
في يوم واحد، اتفقت إسراء ابنة أردوغان الإسلامي الإخواني مع دولت بهجلي زعيم الحركة القومية المتمسكة بإرث أتاتورك القومي والمتحالفة مع أردوغان، إسراء تقول في منشور لها على منصة إكس “بعد 100 عام علم الدولة التركية العُثمانية خفّاق فوق محافظة حلب”، بينما يقول بهجلي في خطاب مُتلفز “حلب تركيّة مسلمة” ويشير إلى تشابه الأبنية والأذان بين حلب وإسطنبول، وجاء الاتفاق بين الاثنين بعد رفع أحد عناصر الفصائل الموالية لأنقرة العلم التركي على قلعة حلب.
تنسى إسراء أردوغان ومعها دولت بهجلي إن حلب وبقية مدن الشرق الأوسط الأخرى كانت قائمة قبل آلاف السنين من ظهور الدولة العثمانية أو امتلاك الأتراك لدولة ما، وعندما احتل العثمانيون القسطنطينية وبدلوا اسمها إلى إسطنبول، كانت المدينة قائمة فعلاً ومبنية بنفس الطرز المعمارية لمدن الشرق الأوسط التي تعاونت قومياتها عبر عشرات القرون في تأسيس حضارتها، بل إن أجداد إسراء ودولت بهجلي اقتادوا البنائين والحرفيين مثل الأسرى والعبيد من مختلف المدن العريقة التي سيطروا عليها لبناء قصورهم وقلاعهم ومساجدهم في إسطنبول، وبالتالي فإن إسطنبول وكل معالمها الحضارية ليست تركية ولا عثمانية، صخورها حملها ونحتها كرد وعرب بالدرجة الأولى ومعهم أرمن ويونانيون وغيرهم، والتكبير والآذان والأدعية والتلاوات بلغة عربية واضحة، فماذا قدمت تركيا لشعوب وحضارة المنطقة غير إحياء العبودية والظلم وبث الفرقة بين القوميات وترسيخ التمييز العنصري بينها؟!.
إن العقلية العثمانية المهيمنة في تركيا تشبه العقلية الصهيونية، كلاهما ينسفان وجود الشعوب الأخرى وحقوقها ويستوليان على المنجزات الحضارية، وكلاهما يزرعان الفرقة والعداوة ويرسخان الصراع، ويقفزان على التاريخ لتسويق إيديولوجياتهما التحريفية، وإذا كانت الصهيونية تتاجر بضحايا النازية لتحقيق أهدافها، فإن العثمانية الجديدة تتاجر بالإسلام وبنفس الوقت تشوه سمعته وتلوث جوهره بدعمها للمجموعات المتطرفة لإحياء إمبراطوريتها الميتة، عبر العمل على تنفيذ الميثاق الوطني (الملي) الذي أسس الدولة التركية الجديدة عام 1919، وخريطة هذا الميثاق تضع مناطق واسعة من العراق وسوريا (بما فيها حلب) ضمن حدود الدولة الجديدة، ولذلك انتشرت دعوات ضم حلب بين المتعصبين الأتراك بعنوان (الولاية التركية 82).
لم يخجل أو يتردد الساسة والمسؤولون الأتراك في كشف نواياهم التوسعية ودعمهم بل وتحريكهم للجماعات الإرهابية في سوريا، ولذلك على المجتمع الدولي وشعوب المنطقة تحميل الدولة التركية مسؤولية كل التداعيات المؤلمة التي تشهدها سوريا وفضح سياسة أردوغان القائمة على التزييف والغش، فهذا المدعي بالإسلام بقي لأشهر طويلة يتحدث عن دعم الفلسطينيين والتظاهر بالألم لما يحدث في غزة ولبنان وإطلاق التهديدات الفارغة، لكن تبين إنه كان ينتظر الفرصة المناسبة للانقضاض على سوريا وبدلاً من إسناد المسلمين تحول إلى عامل فرقة وتحريض يهدد منطقة الشرق الأوسط والسلم العالمي بدرجة تفوق كل ما فعلته إسرائيل خلال السنة الفائتة.